هل صحيح ان "الذكورة المهزومة" عند مستهل القرن الحادي والعشرين، لم يبق لها من حصن سوى التباهي السطحي بالعضلات وبالقدرة الجنسية المُقَلّصَة، بدورها، الى مجرد القدرة على الإنتصاب؟ توحي الأدوية الجديدة للذكور المزمع طرحها قبل نهاية الصيف الحالي، بهذه الظلال، وأن على نحو جزئي ... ففي وقت متقارب، أطلق دوائيّ "أندروجيل" Androgel و"يوبريما"، Uprima وكلاهما من الأدوية المتصلة بالذكورة واستعادة قدرات جسدها. يتألف "الأندروجيل" من هرمون التستستيرون Testesterone الذي يفرزه الجسم من الأنسجة الجنسية عند الذكور والإناث على حد سواء، وفي مراحل مختلفة من العمر لكنه دوماً أكثر ارتفاعاً عند الذكور. ويؤدي ارتفاع مستوى التستستيرون في الأجنّة الى تمايزها الجنسي، والى ظهور أعضاء الذكورة وملامحها عند المولود الصبيّ. يعقب ذلك فترة من تقارب مستويات الهرمون لدى الجنسين، قبل "هبّة" المراهقة حين ترتفع افرازاته لدى الذكور بأضعاف ما تفعل لدى الإناث. ويقود التستستيرون التغييرات المعروفة في تحوّل الصبي الى الشباب، فيظهر الشعر في الذقن والإبطين والعانة والصدر ويخشن الصوت وتزداد الكتلة العضلية الصلبة وتستأنف الأعضاء الجنسية مسار تطورها. ويلعب التستستيرون دوراً مهماً في الشهوة الجنسية لدى الذكور والإناث. وقبل طرح الأندروجيل، توافر الهرمون الذكوري على هيئة حقن ولصقات توضع تحت كيس الصفن الخصيتين، إضافة الى الحبوب وكذلك مختلف أنواع الأطعمة "الخاصة" التي يُسْتَدْخَل التستستيرون في تركيبها. ويرتبط تناول الهرمون الذكوري مع مخاطر متعددة أبرزها زيادة خطورة سرطان البروستات. وثمة نقاش علمي واسع ومحتدم، ويرجع الى بداية أعمال سيغموند فرويد في مطلع القرن العشرين، حول علاقة الهرمون مع أنماط السلوك التي درج رصدها عند الذكور، وخصوصاً الميول العدوانية وتصاعد الشهوة الجنسية وتزايد السعي للاتصال الجسدي مع الإناث. تمتلئ الشاشات بصور الجسد الذكوري الشاب والرياضي، وتُقَدّمه بإعتباره معبراً ضرورياً للجنس، وفي ذلك تتمة لمسار طويل من رسم صورة الجسد وعلاقته مع هوية الإنسان. وفي بعض ثنايا صور الجسد حضّ على مقاومة هزيمته الحتمية مع ايقاع الزمن. وتبدو تلك الأدوية وكأنها خرجت مكامن هذا القلق والتطلّب الذي أشر عليه الأدب، على سبيل المثال، في رواية الكاتب السوفياتي بيتر باسترناك "لوليتا" والتي تحولّت فيلماً، بل وأفلاماً، سينمائية وتلفزيونية. وفي أخر السلسلة يحضر فيلم "جمال أميركي" الذي تنعقد أحداثه على مراهقة متأخرة لكهل أميركي يستعين على شهوته "للوليتاه" بالرياضة والعضلات وغيرهما. ويقدم أندروجيل الهرمون على هيئة مرهم يمكن وضعه عند الحاجة على أي جزء من الجسم، ولا يقتضي تناولاً منتظماً ما يخفض الكمية المستعملة ويقلل مخاطر أثارها الجانبية. وفي الغرب، يدور النقاش حول ترافق الأندروجيل مع وصول جيل "بابي بومرز" Baby Boomers، أي مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، الى مرحلة الكهولة. ولعل المثال الأبرز لذلك الجيل هو الرئيس كلينتون، وتبدو علاقته مع الشابة اليانعة مونيكا لونيسكي نموذج التمسّك المتأخر بالشباب الهارب ونزواته وملذاته. وفي سياق مشابه، يجيء دواء "يوبريما" وكأنه استمرار للموجة المذهلة من التطلّب الذكوري لإستدامة القدرة على الإنتصاب. ويعمل اليوبريما، الذي يؤخذ كحبة تحت اللسان، على تنشيط بعض المراكز في الدماغ التي تحث بدورها الجهاز العصبي التلقائي Autonomic Nervous System على دفع كمية كافية من الدماء الى النسيج الإسفنجي للقضيب. ويختلف اليوبريما عن الفياغرا، الذي يعمل بطريقة أكثر "موضعية" عبر التأثير المباشر على شرايين العضو الذكوري، وكذلك فإنه أرخص ثمناً. لكن اليوبريما ربما يحدث انخفاضاً مفاجئاً في الضغط الدموي، ما يؤدي الى دوخة وإغماء وتسارع في دقات القلب، ما يوجب الحذر في تناوله، خصوصاً لدى من هم فوق سن الأربعين، أي الفئة المرشحة فعلياً لاستخدامه!