يلعب المثقف دائماً دوراً مزدوجاً، فهو ترجمان للوعي، لكنه أيضاً قائم على تغيير الخطاب. ويبدو أن ذلك الهاجس الثنائي الذي لاحظه جاك ديريدا، كان ولا يزال هاجس الناقد صلاح فضل، الذي نال اخيراً جائزة الدولة التقديرية في مصر. من "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي" إلى "أساليب الشعرية المعاصرة" مروراً ب "نظرية البنائية" و"علم الأسلوب" و"بلاغة الخطاب وعلم النص" وغيرها، شغل تفكيره النظري رقعة واسعة جداً من مساحة الحياة الفكرية. وكان إسهامه في تحويل النقد الأدبي من نشاط انطباعي شائع الى علم له ضوابطه المحكمة داخل أسوار الجامعة وخارجها معاً، هو ما لفت الأنظار اليه كناقد متميز. ولن ننسى بالطبع أن تأسيس مجلة "فصول" في اوائل الثمانينات اشتراكاً مع عزالدين اسماعيل وجابر عصفور كان تتويجاً مهماً لأفكاره عن علاقة النقد بالحداثة، وعلاقة الحداثة بالواقع. وكأستاذ أكاديمي بامتياز استطاع صلاح فضل أن يُخرج أجيالاً متتابعة. في مستوى آخر، راح صلاح فضل يجاوز حيويته النظرية الى تجاربه الرائدة في التطبيق والممارسة فأصدر "انتاج الدلالة الأدبية" و"شفرات النص" و"قراءة الصورة وصورة القراءة" و"أساليب الشعرية المعاصرة". وصلاح فضل يحاول ان يستجيب دائماً لتجليات الواقع في حركته المستمرة، وأن يحلل نماذج هذه التجليات، ويرصد قيمها بمنهجية تفيد من اجراءات ووسائل عدة. وهو يعطي مثلاً واضحاً لوعي نقدي مفتوح تعود الاشتباك والتداخل والمثابرة في الكشف عن مستويات المعنى. وبين صرامة المنهج وشاعرية اللغة يصنع صلاح فضل خطاباً نقدياً مشدود الخيوط، لكنه ناعم الملمس. ولأنه يرى أن الثقافة جزء من الحياة في نشاطها اليومي، فهو يحاول أحياناً ربما بشيء من الجرأة قليلاً ان يدمج بين أمثلة من مستوى المشاهدة كالفيلم والدراما التلفزيونية وبين لغة التحليل النقدي، سعياً الى اكتشاف قوانين التواصل في الخطاب التداولي. ويعني ذلك أن الهدف الاجتماعي لديه جزء من تفعيل الثقافة، إذ يدخل ضمن الغايات الحضارية لفعل النقد. خرج صلاح فضل من عباءة البلاغة العربية القديمة، لكنه اختار ان يتخطاها رامياً الى ما يصل بينها و بين أصوات العصر الأخرى. وكإنسان مخطوف دائماً الى التجديد والمغامرة، ظل يبحث عن نقاط التماس الحية بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب، ويرصد أبعاد التداخل والتخارج بين الأنا والآخر. وكان حرصه، على اتخاذ ذلك الموقف، وراء كثير من مبادراته النقدية وتأكيده ضرورة الحداثة. * شاعر مصري.