اذا كان للصحافة العربية أمراء معروفون، فهي ظلت من دون أميرة حتى أُعطيت سلمى البيسار مروة دوراً لم تُعدّ له او تستعد، فصانت الصرح الصحافي الذي بناه زوجها، حتى كبر ابناؤها فتولوا المهمة، وتركوا الأم الطيبة تستريح. الست سلمى هي كاثرين غراهام الصحافة العربية، دخلت مثلها دنيا الصحافة عن طريق الزواج، وما كان لأي منهما ان تترك بصماتها على هذه الدنيا لولا رحيل الزوج مبكراً، وبقيت "الحياة" و"الديلي ستار" في عهدة الست سلمى بين أبرز الصحف اللبنانية، والعربية كافة، فلم تتوقفا إلا بسبب الحرب، وعادتا الى الصدور وكل منهما اقوى مما كانت وأوسع انتشاراً، كما ان كاثرين غراهام جعلت من "واشنطن بوست" جريدة اميركية عالمية يتجاوز نفوذها حدود العاصمة على اهميتها. سلمى البيسار مروة، ارستقراطية ثرية حسناء، تزوجت شاباً لامعاً، كان يقدر لها ان تعيش تلك الحياة الرغيدة الهانئة التي يوفرها لمثلها ثروة الاسرة ونفوذ الزوج غير ان الست سلمى وجدت نفسها فجأة في سنة 1966، بعد ان اغتال رصاص الغدر والجهل زوجها، وقد أُلقيت على كتفيها مسؤولية ينوء بها الرجال. ولعلها فاجأت نفسها، كما فاجأت المحب والخصم، بقدرة لم تكن تعرف انها عندها، فاغترفت من اعماقها تلك العزيمة التي جعلتها لا تواصل نجاح زوجها وحسب، بل تزيد اليه، من دون ان تكون درست لتلك المسؤولية او استعدت لها. كانت ثقافة الست سلمى عربية - المانية - فرنسية، فكانت بذلك نوعاً نادراً وسط العرب، واستطاعت ان ترى الامور من زاوية جديدة اكسبتها احترام زملاء كبار جلسوا معها في البداية تقديراً لذكرى زوجها الشهيد، واستمروا اعترافاً بقدرتها. وان تذكّر الزملاء الذين عملوا معها شيئاً او اشياء عن تلك الانسانة النادرة، فهو قدرتها على ان تعترف انها لا تعرف كل شيء، فتترك لصحافيين تثق بهم مهمة العمل اليومي، لتكتفي بالتوجيه عن بعد، ثم حكمة تفوق سنوات عمرها الغض منعتها من التطرف في عداوة، او الاسفاف في صداقة، فلم تفتح جبهات لا سبب لفتحها، ولم تفر من معركة بدأها زوجها، وحافظت على رصيده كاملاً وزادت عليه. واذا كانت الرصاصة التي قتلت كامل مروة في 16 ايار مايو 1966 استهدفت قتل صحافته معه، فقد كان خير ردّ، حتى لا نقول أشد انتقاماً، ان سلمى مروة استطاعت ان تمنع الغدر بالصحيفة مع منشئها، فبقيت "الحياة" نافذة منتشرة موثوقة عفيفة. وهي اليوم في يد أمينة تزيدها نفوذاً وانتشاراً وصدقية. ورحلت الست سلمى راضية مرضية، ولنا في أبنائها الثلاثة وابنتيها خير عزاء. رحمها الله رحمة واسعة.