فيما الحديث مستمر عن قمة ثانية تجمع بيل كلينتون وايهود باراك وياسر عرفات قبل 13 ايلول سبتمبر المقبل هناك حرب علاقات عامة يخوضها الفلسطينيون والاسرائيليون لحشد تأييد دولي لموقف كل منهما. أبو عمار زار نصف الدنيا حتى الآن، وبعد الدول العربية وبعض أوروبا، زار تركيا وإيران وروسيا، ولن تنشر هذه السطور حتى يكون زار بلداناً أخرى. وهو يتوقف في القاهرة بين كل زيارة وأخرى. في مقابله باراك لا يستطيع السفر وحكومته على كف عفريت، أو كف الحاخام عوفايدا يوسف، الزعيم الروحي لحزب شاس، لذلك فهو كلف غيره بمهمة السفر. شمعون بيريز اعطي مهمة في شرق آسيا. شلومو بن عامي كلف كسب تركيا واسبانيا والفاتيكان. يوسي بيلين زار واشنطن وقابل وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت والمنسق الاميركي لعملية السلام دنيس روس، ثم انتقد جولات الرئيس الفلسطيني. داني ياتوم، رئيس الموساد السابق، ومدير مكتب باراك الآن، زار دولاً في الخليج على حد قول "معاريف"، ليس بينها بالتأكيد المملكة العربية السعودية والكويت. وربما وجد المراقب المحايد ان هذه الجولات الخارجية الفلسطينية والاسرائيلية مضيعة للوقت، فالحل لا يوجد الا في المنطقة، والطرفان يدركان ذلك، وهما استأنفا المفاوضات فور عودتهما من الولاياتالمتحدة، وهناك اجتماعات مقررة بين وزراء ومسؤولين من الطرفين هذا الاسبوع. وكما كانت أهم اجتماعات قبل قمة كامب ديفيد الأخيرة هي تلك التي عقدها أبو العلاء ووزير الأمن الاسرائيلي شلومو بن عامي في ستوكهولم، فإن أهم اجتماعات هذه المرة بطلها أبو العلاء مع بيريز، وربما بن عامي وغيرهما. ولا مأخذ للمراقب المحايد على السيد أحمد قريع كمسؤول فلسطيني بارز، غير أن رئيس السلطة التشريعية يفترض فيه ان يراقب عمل المسؤولين في السلطة التنفيذية ويحاسبهم، لا أن يقوم بعملهم. وإذا افترضنا أن أبو العلاء توصل الى اتفاق ما مع نظرائه الاسرائيليين، فهو سيعرضه على المجلس الوطني، أي على نفسه. على كل حال، بقدر ما ان الفلسطينيين "هواة" في الممارسة الديموقراطية، فإن الاسرائيليين محترفون، ومع ذلك فأخبار السياسة الاسرائيلية منذ كامب ديفيد تكاد تكون من نوع مسرح العبث، والمراقب يسمع الشيء ونقيضه كل يوم. باراك يريد شاس. باراك لا يريد شاس. باراك يتفاوض مع رئيس شاس في الكنيست ايلي يشاي، وهذا يؤكد لنتانياهو ان شاس لن يعود الى الحكومة، والحاخام عوفايدا يوسف يؤيد رئيس الوزراء السابق ضد الحالي، ثم يبقي الباب مفتوحاً أمام عودة شاس الى الحكومة. في غضون ذلك يبطش باراك بالمسؤولين في الوزارات المحسوبين على شاس والحزبين الآخرين اللذين انسحبا من حكومته، أي اسرائيل بعاليا والوطني الديني، ثم يترك يوسي بيلين يعمل لتفكيك وزارة الشؤون الدينية، ويحاول في الوقت نفسه التفاوض مع حزب التوراة المتحد. وعوفايدا يوسف تراجع عن اتهامه ضحايا المحرقة أنهم دفعوا ثمن خطاياهم، وتراجع عن اتهام باراك أنه قليل الادراك، إلا أنه بقي على اتهام الفلسطينيين أنهم غير انقياء، ومجرمون وجهلة. وطبعاً انتقد الاسرائيليون كافة العنصرية في اتهامات الحاخام الشرقي، إلا أن ذلك لم يمنع باراك من مواصلة محاولات الاتفاق مع شاس، بل انه اتصل من جديد بالوزير المتهم اسحق موردخاي الذي يواجه تهم تحرش جنسي، ومع ذلك يتنافس على خطب وده باراك مع ارييل شارون، رئيس ليكود، على رغم احتجاج النساء من اعضاء الكنيست. وشارون يحاول جهده اعادة وزير الخارجية المستقيل ديفيد ليفي الى ليكود، فليفي ترك ليكود أصلاً لخلاف شخصي مع نتانياهو في حين تبقى سياسته ليكودية خالصة. وهو اختلف مع باراك على "التنازلات" التي قدمها رئيس وزراء اسرائيل للفلسطينيين في كامب ديفيد، الا ان خلافهما بدأ قبل ذلك عندما اصبح ليفي بعد اكتشافه انه وزير للخارجية ولا يعرف شيئاً عن خط بن عامي وأبو العلاء في ستوكهولم. وتولى باراك وزارة الخارجية بشكل موقت بعد خروج ليفي، ثم عاد فكلف بها بن عامي، وهو مهاجر من المغرب مثل ليفي، إلا أنه اكاديمي معتدل. والمعارضة لا تترك باراك يرتاح، اذاً يفترض ان عنده ثلاثة أشهر تقريباً لبناء ائتلاف حكومي جديد، غير ان شارون جمع تواقيع 25 نائباً لعقد جلسة استثنائية للكنيست في الصيف، وفي حين أن عضاء كثيرين يقضون اجازاتهم خارج اسرائيل الآن، فلا بد أن تضاعف المعارضة جهودها لحشد 61 صوتاً لاسقاط الحكومة اذا تبين ان قمة جديدة ستعقد قبل 13 أيلول. أبو عمار لم يستبعد عقد القمة، ولكن باراك أنكر أي معلومات عن قمة جديدة، والأرجح أن الطرفين ينتظران نتائج الاتصالات بين المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين، فإذا أحرزوا تقدماً على القضايا العالقة أصبح عقد القمة ممكناً، وإذا بقيت شقة الخلاف واسعة، فلا سبب لاجتماع جديد وفشل جديد. والمصادر الاسرائيلية تحدثت عن اجتماعات سرية بين أبو العلاء ومسؤولين اسرائيليين لم تسمهم، وربما كانت هذه الاجتماعات حدثت فعلاً، وربما كان الهدف تحويل الانظار عن اجتماعات اخرى واتصالات. وفي جميع الأحوال، فقد انتظرنا نصف قرن أو أكثر والموضوع سيحسم بشكل أو بآخر في 13 أيلول، أو 15 تشرين الثاني نوفمبر، وبالتأكيد قبل نهاية السنة.