ظاهرياً ليس بين تأجيل القمة العربية وإرجاء القمة المغاربية علاقة واضحة ومقنعة، لكن العائق الذي عطل الأولى هو نفسه الذي يعرقل الثانية، فطغيان الصراع بدلاً من التعايش بين البلدان العربية وعقدة الخوف من الجار والشقيق سيطرا على المناخ العربي واحتلا مرتبة متقدمة على مجابهة الاستحقاقات المشتركة، إن على صعيد مجريات الصراع العربي - الاسرائيلي أو العلاقات مع التجمعات الاقليمية الأخرى. حتى التعاون الاقتصادي الذي يشكل الحلقة الدنيا من التكامل والذي نهضت عليه قوة أوروبا الموحدة ليس مرشحاً للتحقيق في الأمد المنظور ان على الصعيد المغاربي أو العربي العام، لأن الاقتصاد عندنا ليس أداة للتخفيف من حدة الصراعات السياسية والمحافظة على مصالح مشتركة، مثلما هي الحال في الغرب، وانما هو سلاح شديد المضاء لمعاقبة الجار والشقيق حتى ان كان الشعب الذي لا ناقة له ولا جمل في الخلاف السياسي هو الضحية الأولى والأخيرة للعقاب. إلا أن المطلوب مغاربياً بات اليوم في درجة أدنى من اقامة تجمع اقليمي أو اجتراح سوق مشتركة وبات ينحصر بعقد قمة تعيد العلاقات البشرية على جانبي الحدود الى تدفقها السابق، فيزور مئات الآلاف من الجزائريين أقرباءهم في المغرب ويعبر مثلهم من المغاربة الحدود لرؤية أفراد أسرهم في الجزائر. لكن دون القمة المغاربية كما دون القمة العربية جبل من الجليد لا بد من اذابته. والثابت ان المشكل بين العراقوالكويت وتداعياته التي ما زالت تعرقل القمة العربية مختلف عن المشاكل العالقة بين الجزائر والمغرب التي شلت الاتحاد المغاربي وأرجأت اجتماع مجلس رئاسته الى تاريخ غير محدد. فإذا كان أساس الخلاف الأول زال مبدئياً منذ انسحاب القوات العراقية من الكويت، فإن الخلاف الثاني ما زال مستحكماً بل وزاد تعقيداً مع التلويح أخيراً باحتمال البحث عن حل ثالث لمشكل الصحراء لا يعتمد على نتائج يفرزها الاستفتاء. لكن مهما بلغت درجة التباعد في المواقف ومهما اشتدت الخلافات التي تشل القمتين العربية والمغاربية، فإن هناك مصالح مشتركة يخسر الطرفان المعنيان وجميع الأطراف الأخرى جراء تجاهلها والتمادي في غض الطرف عنها. ويمكن للاقتصاديين أن يبينوا بالاحصاءات الدقيقة الكلفة الباهظة لإرجاء التعاون واستمرار غلق الحدود المغاربية والعربية عموماً بحساب الشهر واليوم والساعة. وعندما قام خبراء بوضع حساب الربح والخسارة بسبب تأجيل التكامل الاقتصادي المغاربي أتت الأرقام مفزعة. وعليه فإن تأخير الجلوس الى مائدة الحوار والبحث عن المصالح المشتركة بات ضرورة يتأذى من غيابها المتملصون من التقارب والساعون إليه على السواء. ولا يعني السعي الى الحوار والتفاهم طمس الخلافات أو طي القضايا التي يعتبرها بعض العرب في المشرق كما في المغرب متصلة بالسيادة والأمن الوطني والمصالح العليا للبلد، وانما المطلوب الفصل بين تلك الاعتبارات المشروعة وضرورة استمرار المصالح التي يتضرر الجميع من توقفها. وإذا كانت الكوريتان استطاعتا بدء مسار الحوار الحتمي بينهما على رغم الحرب المريرة في الخمسينات وآثار عقود من التشطير والعداء، فالأولى أن يبدأ هكذا حوار بين العرب المتخاصمين. في هذا السياق يمكن القول ان التحسّن السريع للعلاقات السورية - العراقية الذي كرّس تجاوز عقدين من الصراع الشامل بين الحكمين والحزبين واتجه الى تغليب المصالح المشتركة من دون تجاهل القضايا الجوهرية العالقة، يشكل نموذجاً مصغراً لما يمكن ان تسير اليه العلاقات العربية - العربية. واذا كان العراق طرفاً اساسياً في الخلافات القائمة فإن لسورية التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع بغداد في الوقت الذي تلعب دوراً مهماً في دول اعلان دمشق على رغم حدوده مهمة كبيرة يمكن ان تقوم بها لمعاودة بناء الثقة بين البلدان العربية وترميم التضامن العربي. ومع زيادة الاعتماد العراقي على سورية ومعاودة فتح خط السكة الحديد بين البلدين ستزيد فرص دمشق للعب دور مركزي في تحقيق المصالحة العربية.