حال السقوط السريع للكويت امام الاجتياح العسكري العراقي فجر الثاني من آب اغسطس من دون الانتباه الى العمليات الدفاعية التي قامت بها وحدات من القوات الكويتية والتي على رغم عدم فاعليتها النهائية أمام الغزاة فإنها تضمنت بطولات فردية وجماعية تستحق التسجيل، اذ يقول ضباط كويتيون ان الجيش العراقي خسر من الطائرات - خصوصاً الهليكوبتر - خلال الثماني الساعات الأولى من "الخميس الأسود" أكثر مما خسره في سنة كاملة من سنوات حربه مع ايران، بالإضافة الى مئات من الدبابات وناقلات الجند والآليات وآلاف الإصابات البشرية بين القوات الغازية، وتم هذا من جيش قليل العدد والعدة تركته قيادته السياسية لمصيره وغادرت البلد بعد ان حرمته حقه في الاستعداد للواجب. وتؤكد شهادات الضباط الذين شاركوا في الدفاع أمام العراقيين، وتقدم "الحياة" بعضاً منها في هذه الصفحة، ما كان تقرير برلماني كويتي اثبته عام 1995 من ان القوات الكويتية كانت في أدنى درجات الاستعداد لمواجهة ما حدث بسبب سوء تقدير الحكومة واتكالها على تطمينات عواصم عربية بأن بغداد لن تأمر بالعدوان، وعلى رغم ذلك فإن وحدات متفرقة منها قامت بالكثير من أجل الدفاع عن ترابها أمام خمس فرق من الحرس الجمهوري العراقي نخبة القوة العسكرية للرئيس صدام حسين، وبعد خسارتها المعركة استجمعت القوات الكويتية شتاتها على أرض المملكة العربية السعودية وشحذت معنوياتها لتكون في طليعة القوات العربية المشاركة في حرب تحرير الكويت في كانون الثاني يناير 1991، وفيما يأتي روايات الشهود ل"الحياة"، مع رتبهم العسكرية التي كانوا عليها وقتئذ: النقيب عبدالله خليفة النجم طيار في السرب 18 - مقاتلات معترضة ميراج ف - 1 قاعدة علي السالم الجوية 60 كلم غرب مدينة الكويت: "كانت القاعدة في حال طوارئ يوم الاربعاء الأول من آب اغسطس بسبب التوتر مع العراق، لكن ذلك تغير الساعة الثالثة بعد الظهر عندما أبلغنا قائد القاعدة العقيد صابر السويدان بصدور أوامر عليا بإلغاء الطوارئ وإبقاء 4 طيارين فقط لواجب الاقلاع الفوري، كان السربان 18 و61 يضمان 23 طائرة ميراج لكن قليلاً منها كان مجهزاً للقتال في نهاية ذلك الاسبوع وحتى المجهزة كان تسليحها يقتصر على صواريخ جو - جو وليس قنابل أو قذائف للهجوم. قبيل منتصف الليل جاءني وأنا في المنزل اتصال من القاعدة يأمر بالعودة اليها فوراً، وقبل حلول الواحدة فجراً كان معظم طياري السرب موجوداً فيها وقيل لنا ان استدعاءنا احترازي فقط ولم نكن نعلم بوقوع الاجتياح العراقي الشامل، لكن عند الثالثة فجراً طلب منا فجأة ان يحمل كل طيار سلاحه الشخصي ويتواجد داخل الملاجئ المحصنة للطائرات وان تغلق أبواب هذه الملاجئ وهو ما فسرناه باحتمال وقوع انزال عراقي في محيط القاعدة، وعند الثالثة و20 دقيقة أطلق النفير للاقلاع الفوري وأقلعت 6 طائرات ميراج وكنت في مقر قيادة السرب استمع لاتصالات هذه الطائرات بمركز الرادار وكان الطيارون يبلغون عن عدد من الطائرات العمودية العراقية يخترق أجواءنا الشمالية في جنح الظلام وكانت أوامر الرادار هي مهاجمتها. خرج بعضنا الى خارج المباني محاولاً رؤية ما يحدث وكانت ليلة صافية وصرنا نسمع ونرى الصواريخ جو - جو التي تطلقها طائراتنا وهي تصيب طائرات عراقية على بعد 10 كيلومترات على الأكثر من القاعدة وتضئ كرات من اللهب فوق الصحراء وعاد الطيارون وأبلغوا عن اسقاط 7 طائرات انزال عراقية، اعتقد انها كانت روسية الصنع من نوع ميل - 8. أصبحنا ندرك اننا نواجه غزواً عراقياً شاملاً وكنا في أدنى درجات الاستعداد لذلك والطواقم الأرضية لتجهيز وتسليح الطائرات غير متوافرة، وساد الارتباك. مع أول ضوء الفجر أدركنا ان الاختراق العراقي البري عميق وان القاعدة التي تقع على البوابة الغربية للكويت تتعرض للتطويق من الدبابات العراقية لذا صدر قرار بنقل بعض طائرات القاعدة الى قاعدة أحمد الجابر والقاعدة البحرية اللتين تقعان جنوباً، وكنت ضمن 10 طيارين ميراج انتقلوا الى احمد الجابر، وبعد نزولنا هناك بدقائق هاجمت خمس طائرات سوخوي 22 عراقية هذه القاعدة وألقت قنابل عنقودية موقوتة على المدرج الرئيسي ما أدى الى تعطيله جزئياً، أتذكر ان التكتيك الذي اتبعته السوخوي العراقية في الهجوم كان سيئاً وأخطت معظم القنابل المدرج ولو كانت طائراتنا الميراج ف 1 في الجو وبكامل تسليحها لصارت السوخوي أهدافاً سهلة جداً لكن ظروفنا العملياتية في 2 أب كانت سيئة جداً. في الثامنة صباحاً وقعت غارة جوية عراقية ثانية أصابت مخزن قطع الغيار في القاعدة لكن اقلاع الطائرات الكويتية من نوع سكاي هوك استمر، ثم سمعنا ان قاعدة علي السالم مطوقة بالقوات العراقية وانه يجري اخلاء طائراتها من نوع ميراج والعمودية من نوعي غزال وبيوما الى السعودية، وفي العاشرة جاءتنا الأوامر بنقل الميراج الى قاعدة الظهران الجوية لأنه لم يعد ممكناً عملياً استخدامها في القتال، أقلعنا من أحمد الجابر من دون تسليح وحلقنا على ارتفاع منخفض جداً تجنباً لرصد العراقيين، ووصلت 15 طائرة ميراج كويتية الى الظهران وبقيت ثمانية في القاعدة، لم نخسر اي طائرة مقاتلة بالنيران العراقية، وفي السعودية تمركزنا في مطار الطائف حتى يناير 1991 حيث سمح لنا بالمشاركة في عمليات حرب تحرير الكويت انطلاقاً من الظهران، وأنا شاركت في أول غارة على القوات العراقية في منطقة الوفرة في 26 كانون الثاني يناير 1991". الملازم اول مبارك القحطاني طيار في السرب التاسع - قاذفات أ - 4 سكاي هوك قاعدة احمد الجابر الجوية 55 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة: "وصلت الى القاعدة الساعة الخامسة واربعين دقيقة صباحاً وكانت القاعدة تعرضت تواً لغارة عراقية، وكانت قنابل صغيرة موقوتة أُلقيت الى المدرج تنفجر بين حين وآخر، لبسنا عدّة الطيران وفي الساعة الحادية عشرة والربع أقلعت مع الرائد سامي الحجي في تشكيل من طائرتين، في البداية قام مركز الرادار بتوجيهنا ضد هليكوبتر معادية على بعد 15 كيلومتراً شمال القاعدة ولكن لم نرها بسبب تصاعد الغبار الصحراوي، ثم ضد هدف فوق الخليج تبين انه زورق كويتي، ثم رصدنا هليكوبتر كبيرة معادية امام ساحل المدينة فهاجمناها بالرشاشات". "بعد غارتين عراقيتين او ثلاث على القاعدة تعذّر استخدام المدرج فقمنا باستخدام طريق اسفلتي للسيارات كان ضيقاً وخطراً خصوصاً خلال الهبوط، ونفّذنا منه عشرات الطلعات ضد العراقيين، وخلال تحليقنا فوق المدينة طوال نهار الخميس 2/8/1990 كنا نرى الطوابير المدرعة العراقية وهي تتدفق عبر الطرق السريعة ولم يكن التعامل معها بالقنابل ممكناً في المناطق المأهولة، اتذكر ان 10 طيارين على الاكثر تمكنوا من القاء قنابلهم على العراقيين في بعض المناطق المفتوحة والساحات، في حين نجح طيارون آخرون في اسقاط بعض الطائرات العمودية العراقية التي كانت تتواجد في الاجواء بعدد كبير جداً، وتعرضت طائراتنا السكاي هوك طوال عمليات ذلك اليوم لمطاردة من الطائرات العراقية لكننا لم نخسر اي من طائراتنا". ثم تركزت غارات العراقيين علينا في القاعدة بطائراتهم من نوع "سوخوي" و"ميراج"، وكنت في غرفة العمليات تحت الارض الساعة الخامسة مساء عندما سقطت قنبلة عنقودية عراقية في فتحة التهوية وتغلغلت في المبنى ولكنها لسبب ما لم تنفجر، مكثنا الليل في القاعدة وتقرر ان الوضع لم يعد مأموناً لاستمرار عمل القاعدة فبدأنا صباح الجمعة الاخلاء نحو السعودية، فأخرجنا 21 طائرة "سكاي هوك" وطائرات اخرى واقتحمت الدبابات العراقية القاعدة بعد ظهر الجمعة 3 آب اغسطس. بعد ان تجمعنا في الظهران تم نقلنا الى قاعدة خميس مشيط في جنوب المملكة ثم عدنا للظهران بعد شهرين ومكثنا حتى 17 كانون الثاني يناير حيث شاركنا في عمليات حرب تحرير الكويت، كنت والعقيد يوسف الضويان حالياً قائد القوة الجوية الكويتية برتبة عميد اول تشكيل ثنائي كويتي يعود الى الاجواء الكويتية وشاركنا في غارة ضد هدف عراقي مع 4 طائرات "سكاي هوك" اخرى الساعة الثامنة والربع يوم 17 كانون الثاني، الهدف كان سرية صواريخ ارض - ارض نوع "فروغ" روسية الصنع على بعد 70 كيلومتراً غرب الكويت، وكان سقف الغيوم على 15 ألف قدم فهبطنا حتى ارتفاع منخفض وميّزنا الهدف بصرياً وهاجمته طائراتنا الست، وألقت كل طائرة خمس حاويات قنابل عنقودية اي ما مجموعه ثمانية آلاف قنبلة صغيرة على الموقع العراقي واظن اننا دمرناه تماماً". الملازم اول صالح النمش طيار في السرب 34 - طائرات عمودية غزال قاعدة على السالم الجوية: "طائراتنا من نوع غزال متخصصة في الاستطلاع ومهاجمة الدروع ولذا كان يفترض ان نكلف بمهاجمة القوات البرية المعادية في وقت الحرب، التحقت بالقاعدة ليلة الغزو ومع اول ضوء الصباح هاجمت طائرات "سوخوي" العراقية القاعدة على دفعات غير ان عمليات سربنا لم تتأثر، كنا طوال الليل نظن ان عمليات القوات العراقية تقتصر على المنطقة الحدودية حول "العبدلي" لكن عندما اقلعنا في اول مهمة استطلاع وجدنا ان الجيش العراقي يتدفق باعداد ضخمة نحو مدينة الكويت وعلى محاور عدة". "حلّقت بطائرتي فوق منطقة "المطلاع" حيث تلتقي الطرق الثلاث القادمة من الحدود العراقية لاجد ان الطوابير العراقية تجاوزت قاعدة علي السالم نحو العاصمة ودخلت مدينة الجهراء التي كان يتصاعد منها الدخان، كان الارتباك سائداً في الجو فكنت ترى بقربك طائرة كويتية وقريباً منها طائرة عراقية ثم طائرة كويتية وراءها ثم عراقية… كان صعباً تمييز العدو من الصديق، كذلك تداخلت القوات البرية الكويتيةوالعراقية حول الجهراء وكان صعباً تمييز جبهة قتال واضحة، كنا نحمل صواريخ "هوت" المضادة للدبابات لكن الوحدات العراقية التي استطلعناها كانت من المشاة، ثم حلّقنا فوق قوة كنا نظنها كويتية واتضح انها معادية فأطلقوا علينا النار واصيبت طائرتنا وبدأ الدخان يتصاعد منها لكننا عدنا للقاعدة وهبطنا بسلام…". "وخلال ساعات طوق العراقيون القاعدة وصار اقلاع طائراتنا وهبوطها يتم في مرمى نيران العراقيين، فبدأنا باخلاء القاعدة من الطائرات، ونجحنا باخراج كل ما هو صالح فنياً للاقلاع، وكانت الفكرة اعادة تمركز الطائرات في قاعدة احمد الجابر وفي القاعدة البحرية لتنفذ مهماتها من هناك ضد الغزاة. توجهت بطائرة "غزال" ثانية غير التي اصيبت الى القاعدة البحرية في "الجليعة" لكن بمجرد اقترابي منها للهبوط ابلغت باقتحام العراقيين لها من البحر فتحولت جميع طائرات "الغزال" الى السعودية وهبطنا عند مقر امارة مدينة الخفجي قريباً من العاشرة صباحاً…".. "بعد ليلة في الخفجي تم نقلنا الى قاعدة الجبيل على بعد 200 كيلومتر جنوباً وتمركزنا هناك شهوراً حتى بداية حرب التحرير، وبعد الهجوم العراقي على الخفجي تم تكليفنا القيام بدوريات استطلاع على امتداد حدود الكويت ضمن واجب مشترك مع المارينز الاميركيين الذين كانوا يستخدمون طائرات "سوبر كوبرا" العمودية القتالية، وعندما بدأت العمليات البرية انتقلنا الى مطار المشعاب الاقرب للجبهة، وتم تنظيمنا ضمن قوة خليجية موحدة بقيادة ضابط سعودي، حيث كان الاماراتيون يقودون طائرات غزال مثلنا، وكنا نقلع في مهمات استطلاع ضد الدروع لكن كان الانهيار العراقي سريعاً والجنود كانوا يستسلمون بالآلاف، ووقع اشتباك بين طائراتنا والوحدات العراقية في مناسبات قليلة خصوصاً على امتداد الشريط الساحلي". النقيب ناصر فهد الدويلة ضابط في الكتيبة السابعة دبابات اللواء 35 المدرع "كنا في معسكر اللواء صباح الأربعاء الأول من آب نتابع تطورات التوتر مع العراق والمباحثات الجارية في جدة بين سمو الشيخ سعد العبدالله الصباح وبين عزة ابراهيم نائب الرئيس العراقي، وطلبنا من قيادة اللواء رفع درجة الاستعداد تحسباً لما يمكن ان يحدث، لكن طلبنا رفض انسجاماً مع موقف الحكومة بعدم مواجهة الاستفزازات العراقية بتصعيد من جانب الكويت، كان اللواء 35 موزعاً على أنحاء متفرقة من الكويت في واجبات حراسة للمنشآت ما عدا كتيبتنا السابعة التي كانت في معسكر اللواء على بعد 70 كيلومتراً غربي الكويت، وفي الخامسة والنصف عصراً عدت الى المنزل. قبيل منتصف الليل جرى استدعاء كل ضباط جنود اللواء مرة اخرى وعند الواحدة والنصف فجراً وصلتنا معلومات باختراق العراقيين الحدود من محاور عدة، وبدأنا نسابق الزمن في تجهيز دباباتنا وتذخيرها وحمل المؤن في ظل نقص كبير في عدد الأفراد، وعند الرابعة والنصف صباحاً علمنا بوصول دبابات "تي 72" من الحرس الجمهوري العراقي الى مفرق المطلاع عند مدخل مدينة الجهراء وتصدى لواء المشاة الثمانون الكويتي لها بمدرعات عنيفة من نوع صلاح الدين وأحدث بها اصابات في ظل معركة غير متكافئة، ثم جاءت أخبار سيئة تفيد تغلغل العراقيين الى مواقع حيوية في مدينة الكويت وتطويقهم قيادات عسكرية وبدأنا نشاهد طائرات "سوخوي" العراقية تمر فوقنا وهي تهاجم قاعدة جوية مجاورة ما جعلنا نفكر بسحب ما هو متوافر من وحدات اللواء 35 الى السعودية. ثم اتصلت رئاسة الأركان تؤكد صمودها وتطلب منا قطع طريق المطلاع لوقف التدفق العراقي نحو مدينة الكويت، جهزنا الكتيبة السابعة وأجزاء من الكتيبتين 8 و57 لأداء هذا الواجب وكانت الجسور القائمة على مفترق طرق المطلاع هدفنا لعمل مكمن للعراقيين وتبعد 25 كيلومتراً عن اللواء، تركنا طريق الأطراف السريع تحاشياً لطوابير الدروع العراقية وتسللنا شرقاً عبر طريق صحراوي ونصبنا المكمن للعراقيين جنوب مدينة الجهراء وعند الساعة السادسة والربع صباحاً دارت هناك أول معركة نظامية بين الجيشين الكويتيوالعراقي. كان العدو "فرقة حمورابي" المدرعة ذائعة الصيت خلال حرب العراق مع ايران، واصطفت مئات من دباباتها تي 72 وعربات القتال بي ام بي فوق الطريق السريع من دون ان تشعر بمكمن قواتنا، وفتحنا النار على بعد 2000 متر وحققنا عشرات الاصابات المباشرة قبل ان يطلق العراقيون الطلقة الأولى، كانت دباباتنا الثلاثين من نوع تشيفتين الانكليزية الصنع دقيقة في رمايات مدافعها على رغم المشاكل الميكانيكية الكثيرة في محركاتها، اعتقد ان القائد العراقي المواجه لنا كان بطيئاً جداً في المناورة بقواته وسيء القرارات وهو أمر جنوده المشاة ان يهاجموا دباباتنا ركضاً على أرض مكشوفة وقتل منهم كثيرون وأسرنا بعضهم. كانت مهمتنا حتى ذلك الوقت ناجحة فنحن قطعنا محوراً رئيسياً لتقدم الحرس الجمهوري وتكلفنا خسائر بسيطة جداً وكانت المشاكل الميكانيكية وتناقص كميات الذخيرة أهم مصاعبنا، ثم جاءنا في الساعة الثامنة صباحاً أمر من رئاسة الأركان بوقف اطلاق النار، ولم يبد الأمر مفهوماً بالنظر للمكاسب التي حققناها. وساد الظن ان مصالحة تمت بين حكومتنا والحكومة العراقية ثم جاء بعد ذلك امر مناقض بالاستمرار في القتال، ووقعت مناوشات بين مشاتنا ومدرعاتنا وبين العراقيين لساعات عدة تضمنت الاشتباك بالايدي وبالمسدسات احياناً…". "… الى ان رأينا قوة عراقية ضخمة تتقدم من الغرب عند الساعة الثانية عشرة ظهراً وكانت هذه الفرقة المدينةالمنورة من الحرس الجمهوري وتضم 300 دبابة، وكدنا نتعرض لتطويق كامل لولا ان طائرات "سكاي هوك" الكويتية هاجمت الدبابات العراقية وعطّلت تقدمها حتى العصر، ثم ادرك قائد اللواء العقيد سالم مسرور انعدام التكافؤ العددي مع الجانب العراقي وقرب نفاد ذخيرتنا، فاتخذ قراراً حكيماً بتنفيذ عملية انسحاب منظّم لقواتنا نحو السعودية وتركنا مجموعة من الدبابات والآليات خلال الانسحاب بسبب الاعطال الميكانيكية، ووصلنا مركز "الجبو" الحدودي السعودي عند مغيب الشمس، ووجدنا ترحيباً ووفادة من الاشقاء السعوديين…". "اعدنا في اليوم التالي ترتيب القوة المنسحبة ثم قمنا في الايام التالية بعمليات تسلل تحت جنح الظلام نجحنا خلالها بسحب عدد كبير من آلياتنا المعطّلة في الصحراء وجلب تموينات من معسكر اللواء وايصال سلاح للمقاومة الكويتية في الداخل، ثم اصبحت القوة التي سحبناها للسعودية نواة القوات الكويتية التي اعادت تنظيم نفسها وشاركت في ما بعد في حرب تحرير الكويت…". ملازم اول حمدان العدواني ضابط دفاع جوي - الكتيبة 47 قيادة لواء الدفاع الجوي في "صبحان": "كنت يوم الاربعاء 1 آب اغسطس في اجازة عادية لانه لم يكن هناك عند قواتنا اي نذير بالحرب، وآويت بعد منتصف الليل الى الفراش لكن اتصالاً هاتفياً ايقظني الساعة الرابعة فجراً حيث كان الامر بالالتحاق باللواء. توجهت فوراً وانا غير مصدّق ان البلد في حرب وان بلداً صديقاً مثل العراق يمكن ان يعتدي علينا بهذه الطريقة، وصلت اللواء لاجد ان طائرة هليكوبتر عراقية اسقطت بالفعل وهي تحاول انزال جنود قرب مدخل المعسكر…". "كانت شاشات رادارات الرصد في القيادة مليئة بالأهداف المعادية وخصوصاً الطائرات العمودية التي زجها العراقيون بأعداد هائلة، وصرنا نسمع من بطاريات صواريخ "هوك" ارض - جو في جزيرة فيلكا وفي الاحمدي وفي الادعمي جنوباً بلاغات عن اسقاط طائرات مقاتلة وعمودية عراقية، لكن هذه البطارات كانت مزودة ذخائر وصواريخ بأعداد قليلة وعلى اساس عدم وجود طوارئ، كنا في الكتيبة 47 في طور ادخال نظام "سكاي غارد" المؤلف من صواريخ ارض - جو قصيرة المدى ومدافع مضادة للطائرات في الخدمة، ولم تتكامل اجهزة هذا النظام ولم نستفد منه في ذلك اليوم، لذلك اقتصر عملنا في اللواء على الدفاع المحلي بصواريخ "سام 7" ستريلا المحمولة على الكتف ذات المدى القصير…"... "في السادسة صباحاً حلّقت طائرة هليكوبتر عراقية من نوع "ميل - 8" فوقنا ثم بدأت مناورة لقصف المبنى الذي كنت فيه بالقذائف، لكن لحسن الحظ فإن رامياً في وحدة الستريلا القريبة عاجلها بصاروخ فانفجرت في الجو وهوت محترقة على بعد أقل من كيلومتر واحد امامنا. تفقدت الحطام بعد ذلك كان بينه 7 جثث محترقة وبعضها لضباط عراقيين برتب عالية، لم يكن منظرهم جميلاً". "مكثنا في مقر اللواء حتى مساء الجمعة ثم جاءنا توجيه بالانسحاب وبعض العسكريين اسره العراقين خلال طريقه الى منزله، لكنني سلكت طريقاً مأموناً. عدت الى اللواء يوم السبت ثم يوم الاحد مع آخرين واخذنا كميات من السلاح الخفيف، ولم يدخل العراقيون الموقع قبل يوم الاثنين، لا ادري ما الذي أخّرهم اذ كان اللواء فارغاً من الجنود".