سويسرا هي بلد المنظمات الانسانية والمصارف، كانت ولا تزال تعتبر من خلال انسانيتها وازدهارها محل ترحاب لأولئك الذين اضطروا لسبب أو لآخر الى فراق أوطانهم. وحتى قبل توقيعها على اتفاقية جنيف عام 1955 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1974، منحت سويسرا حمايتها للمضطهدين. فبعد الحرب العالمية الثانية، كان الهنغاريون عام 1956 والتشيكوسلوفاكيون عام 1968،يمثلون أولى موجات اللجوء الى سويسرا، اذ بلغ عددهم آنذاك زهاء 2700 لاجئ. والى جانب الملاحقين في بلادهم، حاول عدد متزايد من الأفراد الحصول على اللجوء في سويسرا مع ان شروط اتفاقية عام 1951 لا تسمح لهم بالحصول على صفة لاجئ. وقد كان هؤلاء، بالحقيقة مجموعة افراد يسعون الى الاستفادة من الثروات الاقتصادية التي تتمتع بها الكونفدرالية الهلفيتية. وهكذا ارتفع عدد طلبات اللجوء من 2500 طلب عام 1975 الى 11000 عام 1987، ثم الى 42000 عام 1991، حتى استقر عدد طالبي اللجوء بين 16000 و25000 طلب خلال سنوات عدة. التطور ومع وصول اعداد هائلة من الفارين من حرب البوسنة والهرسك بدأ استخدام تعبير "لاجئ حرب" ، وهذا التعبير ينطبق على كل من تعرض للعنف من دون ان يكون ذلك بصفة فردية أو من دون ان يكون تعرض للإساءة من قبل سلطات بلاده. وقد تسبب تفاقم الأوضاع في كوسوفو ومن ثم الحرب التي نشبت، في تحقيق اعلى ارقام لطلبات اللجوء في سويسرا خلال العامين الماضيين 41000 طلب عام 1998 و46000 طلب عام 1999. كما حصل عدد كبير من سكان منطقة البلقان، وغالبيتهم من المسلمين، على حماية موقتة في الأراضي السويسرية. وبذلك تكون سويسرا سجلت، بعد ليشنشتاين واللوكسمبورغ أعلى نسبة من طلبات اللجوء عام 1999 مقارنة مع عدد سكانها اذ بلغت النسبة 48.6 في الألف. الإجراءات من المعروف ان السلطات السويسرية تصلها أكبر نسبة من طلبات اللجوء، الا ان نسبة الطلبات الموافق عليها للحصول على صفة لاجئ تصل الى 10 في المئة فقط، وهي تعتبر نسبة صغيرة اذ ان اكثر من 40 الف اقامة محدودة تمت الموافقة عليها اثناء حرب كوسوفو. لكن الحكومة السويسرية قررت اخيراً الأخذ في الاعتبار هذا الكم الهائل لطالبي اللجوء، كما ارادت المحافظة على صورتها كبلد ذي تراث انساني، لذلك قامت بإعادة نظر شاملة لكل قوانينها المتعلقة بمسألة اللجوء. ومن باب حرصها على حماية الأشخاص المستهدفين فعلاً، تخلت السلطات السويسرية عن مبدأ الحماية الموقتة للاجئي الحرب وسّنت قوانين خاصة بطالبي اللجوء الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد. كما وضعت السلطات في المقابل أجهزة قضائية قادرة على منع المخالفات. ومع ان ميزانية كبيرة خصصت لمسألة اللجوء، الا ان تكاليف اللجوء التي تغطي المسكن والطعام ومصاريف الطبابة والتعليم ارتفعت بشكل كبير حتى انها تخطت ال 4.1 بليون فرنك سويسري للعام 1999. لذلك قررت الحكومة السويسرية خفض بعض الاعانات من اجل التركيز على المساعدات الخاصة بعودة اللاجئين. وقد اظهر نظام عودة اللاجئين فاعليته ابان حرب كوسوفو، اذ ان اكثر من 40 الف مواطن تمت اعادتهم الى موطنهم الأصلي. سياسة اللجوء الخاصة بالبلاد العربية يعتبر عدد طلبات اللجوء القادمة من البلدان العربية ضئىلاً اذ ان أعلى النسب تأتي من العراق 5.4 في المئة والجزائر 2.1في المئة. ونظراً الى الظروف الصعبة التي يمر بها هذان البلدان، فإن هذه الأرقام تعتبر منخفضة. الا ان العدد الأكبر من طالبي اللجوء في هذين البلدين يعانون مشكلات اجتماعية واقتصادية. اما بالنسبة الى رعايا الشرق الأوسط، فيبدو ان الاسباب التي تدفعهم الى طلب اللجوء هي ظروف الحياة الصعبة للاجئين الفلسطينيين والاقليات الكردية. لذلك تعمد السلطات السويسرية الى الأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة المتعلقة ببلد كل من يتقدم بطلب لجوء سياسي. ختاماً، يمكن القول ان الخبرة التي اكتسبتها سويسرا في هذا المجال، اضافة الى الأجهزة القضائية المختصة، قد ساعدتها في المحافظة على تقاليدها الانسانية من دون ان تكون عرضة للمخالفات. لكن وضع سويسرا كبلد غير منضم الى الوحدة الأوروبية يجبرها على تكييف هيكليتها والتأقلم مع القوانين الدولية والأحداث العالمية وحملات الهجرة.