أخرج الرئيس الأميركي بيل كلينتون خلال احتفال اقيم في مدينة فيلادلفيا الأميركية الجمعة الماضي من محفظته بطاقة ذكية ودسها في جهاز كومبيوتر، فظهر حقل يسأله كتابة كلمة المرور، فكتب "بادي" اسم كلبه، وبعد لحظات ظهرت على الشاشة عبارة تقول "مشروع قانون التوقيعات الالكترونية اصبح الآن قانوناً". وذيلت العبارة بتوقيع الرئيس الأميركي وختمه تحت اسمه الكامل ويليام جفرسون كلينتون. الاحتفال اقيم في قاعة كونغرس ولاية فيلادلفيا بالقرب من القاعة التي وقع فيها جون هانكوك وثيقة اعلان استقلال الولاياتالمتحدة الأميركية العام 1776 باستخدام قلم من ريش الطيور. وبعد 224 عاماً لم يتمكن كلينتون من الاستغناء عن القلم، فحفلة التوقيع الأخيرة لم تكن الكترونية مئة في المئة اذ استخدم الرئيس الأميركي قلماً في اقرار القانون المذكور تحسباً لأي مشكلة قانونية قد يثيرها استخدام البطاقة الذكية قبل اقرار التوقيع الالكتروني. وتكتسب قوننة التواقيع الالكترونية في الولاياتالمتحدة أهمية خاصة في عالم الأنترنت والتجارة الالكترونية لوجود أكثر من نصف ملاحي الشبكة الدولية ومستخدميها في أميركيا ويتجاوز عددهم حالياً ال120 مليون شخص. والتوقيع هو رمز يتفق عليه طرفان أو أكثر ومن الممكن ان يكون علامة أو اشارة مكتوبة مرفقة أو مرتبطة بعقد أو وثيقة ومعتمدة بنية الالزام. ويجعل قانون "التوقيع الالكتروني في التجارة العالمية والوطنية" الذي وقعه كلينتون، التوقيعات الالكترونية صحيحة وملزمة مثل التوقيعات الورقية. وجاء القانون بعد سنتين من المناقشات داخل الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ، واسفرت المناقشات ومشاركة الشركات التجارية الالكترونية وشركات الكومبيوتر عن توافق اميركي شبه تام بشأنه، اذ لم يعارضه أي من الشيوخ ال 89 الذين شاركوا في جلسة اقراره بغض النظر عن كونهم جمهوريين أو ديمقراطيين، وعارضه اربعة نواب فقط مقابل 426 نائباً أيدوه. ويزيل القانون الموانع القانونية امام استخدام التكنولوجيا الرقمية لصوغ التعاقدات وتوقيعها وتسلم المستندات وتخزينها وارسال الاخطارات واستقبالها. وسيمهد الطريق لعصر جديد من التجارة الالكترونية يمكن فيه للشركات اكمال الصفقات عبر الانترنت بدلاً من المقابلات المباشرة. وتجدر الاشارة الى ان اي معاملة مالية لا تكتسب صفة قانونية في الولاياتالمتحدة في حال كانت تفوق قيمة المبلغ المتداول خلالها الخمسمئة دولار، ما لم تذيل بتوقيع خطي. ولذلك تتم عمليات الشراء عبر شبكة الانترنت ببطاقات الاعتماد أو الشبكات البريدية والحوالات، الأمر الذي يعتبر حلاً معقولاً للتجارة الالكترونية، لكن حقل موافق الموجود في أسفل طلبية الشراء لا يعتبر من الناحية القانونية توقيعاً ملزماً لأي من طرفي العقد. ويتيح قانون التوقيع الالكتروني للمستهلكين والشركات توقيع الشبكات بنماذج الكترونية واكمال طلبات الحصول على قروض أو خدمات اخرى مثل توكيل محامٍ أو اكمال طلب الحصول على رهن عقاري أو عقد تأمين أو قرض لشراء سيارة من دون الحاجة الى توقيع خطي من ظل ضمان حماية كافية مماثلة للحماية القانونية المتوافرة عند استخدام الأوراق والتواقيع الخطية بوجود الشهود. وعليه ستصبح المصارف والمؤسسات المالية تعمل على مدار الساعة يومياً. وعادة ما كانت تستغرق هذه المعاملات اياماً طويلة لانجازها. وكان على سبيل المثال يتعين على المستهلكين والشركات ملء الاستمارات وتوقيعها وارسالها بالبريد وبعد معالجتها ترسل مجدداً بالبريد. ومن المتوقع ان توفر شركات التأمين والمصارف والمؤسسات المالية بلايين الدولارات مع انتفاء الحاجة الى المعاملات الورقية ونقلها وتخزينها. وطبقاً للقانون الأميركي الجديد سيخير المستهلكون بين اجراء معاملاتهم ورقياً أو الكترونياً شرط ان تتأكد الشركات المعنية من ان المستهلك يملك الوسائل التقنية اللازمة من كومبيوتر وبرامج مخصصة لإجراء المعاملات الكترونياً. ويستثني القانون بعض المعاملات من العالم الالكتروني ومنها اشعارات الغاء عقود التأمين من قبل الشركات كما يمنع تنفيذ اي وصية الكترونياً. وسيصبح القانون نافذاً بدءاً من مطلع تشرين الأول اكتوبر المقبل. على ان تبدأ الشركات التجارية باعتماده على نطاق واسع مطلع آذار مارس العام 2001. وأعلنت شركات التجارة الالكترونية انها بدأت فعلاً ومن الآن بتجهيز البنى اللازمة لتطبيق القانون المذكور، وحذت بعض المصارف حذو هذه الشركات وحضرت سلفاً طلبات قروض توقّع الكترونياً. وقال النائب الأميركي سبنسر ابراهم جمهوري ان القانون سيشكل ثورة في اداء المستهلكين والشركات والحكومات لما سيوفره من تكاليف مالية ووقت. وأوضح ان العقود أصبحت ممكنة من دون الحاجة الى جمع طرفيها تحت سقف واحد. وأضاف ابراهم ان القانون سيزيل الخلل الحقيقي الوحيد الذي كان يواجه التجارة الالكترونية الا وهو اعتبارها غير قانونية الكترونية فقط. ومع انتشار المواقع المخصصة للمزادات التجارية عبر الانترنت ستصبح التجارة بين الشركات وهي القطاع الأبرز الكترونياً أسهل بكثير مع اقرار قانون التوقيع الالكتروني. فشركات السيارات مثلاً وعبر مواقع مخصصة تعرف اين تجد القطع اللازمة لها وبأرخص الاسعار وبامكانها الآن عقد الصفقة فوراً ومن دون الانتظار لاتمامها بعد انجاز المعاملات الورقية. كما سيسهم التوقيع الالكتروني في دفع الشركات التقليدية الى دخول مضمار التجارة الالكترونية كونها ستصبح مع التعديلات القانونية الجديدة سوقاً مهيمنة. ولن تبقى عمليات تبادل المعلومات حكراً على الشركات التي تملك الامكانات المالية لشراء التقنيات الضرورية. وأصبح بمقدور الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الآن توقيع اتفاقات اندماج الكتروني لتعزيز شبكة اعمالها وتوسيعها عبر الانترنت بغض النظر عن اماكن توزعها ووجودها! كما سيتيح التوقيع الالكتروني تقليص كميات الأوراق المطلوبة لانجاز المعاملات الحكومية، بعد ان تصبح الاستمارات والطلبات والأذون متاحة عبر الأنترنت. وغالباً ما تكون كمية هذه الأوراق محبطة للصناعات. وتقول طرفة صناعية "انك لن تستطيع تصنيع طائرة وحملها على الطيران حتى تكون قد انجزت معاملات ورقية يوازي وزنها وزن الطائرة نفسها". وكانت المؤسسات المالية الرسمية الأميركية عممت منذ سنوات على الشركات ان ترفق مستنداتها الورقية بنسخة الكترونية محفوظة على قرص لتسهيل عملية حفظها، أما اليوم فستكتفي المؤسسات الحكومية والرسمية بالنسخة الالكترونية مما يوفر مساحات تخزين واسعة. وبالطبع لن يوفر التوقيع الالكتروني حلولاً سحرية وفورية للتجارة عبر الانترنت. فطرفا الصفقة اياً كان نوعها بحاجة الى التدقيق بحسابات بعضهما بعضاً ومعرفة وضعهما المالي ومدى صدقيتهما. فشروط العقد وخصوصاً اذا كانت للأقراص ستبقى هي هي. ويبقى ان اي طرف مقبل على توقيع صفقة ما الكترونياً بحاجة الى ان يتأكد من ان الطرف الأخر حقيقي وليس مجرد متسلل استطاع الوصول خلسة الى حاسوب شركة ما. وبالعودة الى بطاقة كلينتون الذكية، فإن حفلة فيلادلفيا لم يكن المرة الأولى الذي يشهد استخدامها. اذ لجأ اليها الرئيس الأميركي في العام 1998 خلال زيارة لمدينة دبلن الايرلندية وقع خلالها عبر بطاقة مماثلة اتفاقاً تجارياً مع رئيس الوزراء الايرلندي بيرتي اهيرت. وقبل تشريع القانون في الولاياتالمتحدة، خطت بريطانيا خطوة مماثلة قبل اشهر وواجهت ملكتها اليزابيث الثانية المشكلة نفسها الذي واجهها كلينتون واضطرت لاستخدام القلم لتوقع القانون خطياً قبل ان توقع الكترونياً. وفي الأشهر السبعة الأخيرة شرعت اربع مقاطعات كندية باستخدام التوقيع الالكتروني ومن المتوقع ان يصبح قانوناً اتحادياً بنهاية العام الجاري. وأثار القانون على رغم الاجماع على ضرورته عدداً من المخاوف من ان يؤدي الى اشكال جديدة من عمليات الاحتيال وتزوير الوثائق وانتحال الصفة. لكن شركات الكومبيوتر أكدت ان انظمتها المستخدمة في توقيع الوثائق الالكترونية مجهزة بصورة تسمح لأجهزة الكومبيوتر المستخدمة في المعاملات بتعطيل اي وثيقة في حال تم رصد الرسالة الالكترونية التي تنقلها من قبل طرف ثالث أو جرت محاولة ما لتحوير او نسخ اجزاء منها. وتقول مارغو ساوندرز من المركز الأميركي الوطني لقوانين المستهلك ان المشرعين الأميركيين لم يأخذوا في الحسبان سبل حماية المستهلكين عند توقيع القانون المذكور. وأعربت عن خشيتها من ان يتمكن الهاكرز وبسهولة من تزوير التواقيع الالكترونية لاستخدامها في مجالات متعددة مثل الشراء عبر الانترنت أو الحصول على بطاقات ائتمان لأن المستندات الورقية غير مطلوبة. وبما ان المستهلكين قلقون عادة من سهولة التسلل الى شبكة الانترنت، أصبحت شركات الكومبيوتر ومزودو خدمات الانترنت ملزمين وبصورة أكبر بتشديد وسائل الحماية. خصوصاً ان فضاء الشبكة سيُحمّل وبشكل مكثف بمعلومات أكثر دقة عن ملايين المستهلكين مما يعيد الى السطح قضية الخصوصية وانتهاكها في العالم الالكتروني.