احتفل المصريون هذا العام بعيد الميلاد التسعين لشيخ ادباء ومؤرخي الادب العربي الاستاذ الدكتور شوقي ضيف، رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة. اقام له المجلس الاعلى للثقافة احتفالية كرمه فيها وزير الثقافة المصري فاروق حسني، كما احتفل به مجمع اللغة العربية نفسه بندوة عنوانها "شوقي ضيف في المكتبات العربية والانترنت" تحدث فيها الدكاترة: كمال بشر وعلي الحديدي وسعد الهجرسي، والاساتذة سمير الألفي وكمال خفاجي، وكاتب هذه السطور، وذلك بعد أن تم تكريمه قومياً وعالمياً منذ ان حصل في مصر على جائزة الدولة التشجيعية عام 1955، وجائزتها التقديرية في الآداب عام 1979، ثم توج بجائزة الملك فيصل العالمية في الادب العربي عام 1983. ونحن هنا نحتفل به على طريقتنا من خلال استعراض - وإن كان سريعاً ومختصراً - لمؤلفاته التي قاربت طبعاتها مجتمعة على الثلثمئة طبعة لمدة ما يقرب من ستين عاماً منذ بدايات أربعينات القرن العشرين وحتى نهايته، مسجلاً رقماً ملحوظاً في غزارة الانتاج. عبقرية شوقي ضيف ليست في هذه الغزارة، ولكن في عمق كتاباته وجدتها وثرائها واضافاتها المهمة في مجالي تأريخ ونقد الادب العربي شعراً ونثراً. ولد أحمد شوقي عبدالسلام ضيف في قرية "أولاد حمام" بالقرب من بحيرة المنزلة في محافظة دمياط عام 1910، فقد عينه اليسرى وهو طفل صغير. حفظ القرآن كعادة اقرانه في ذلك الوقت في كُتّاب، ثم دخل المعهد الديني في مدينة دمياط عام 1920، وفي هذا المعهد بدأ حبه للغة العربية وبخاصة لنحوها. دخل معهد مدينة الزقازيق الثانوي عام 1926، وعلى العكس مما كان مفترضاً من دراسته الدينية، التحق شوقي ضيف بكلية الآداب في القاهرة عام 1930، ولكن بقسم اللغة العربية، وهكذا اتيحت له الفرصة ليتتلمذ على طه حسين وأحمد أمين والشيخ أمين الخولي والدكتور عبدالوهاب عزام من أعمدة الادب العربي الحديث، بل من مؤسسي الثقافة العربية الحديثة، لذلك فإن الدكتور شوقي ضيف يمثل آخر تلامذة جيل الرواد الكبار، وبعد شوقي ضيف سوف نفقد كل أثر حي على هذا الجيل، لتزيد علامات الانحطاط الفكري - الثقافي الذي نعيش فيه. بدأ حياته مع النشر عام 1934 في مجلة "الرسالة" العظيمة الاثر التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات، وفي العام التالي كان أول دفعته التي تخرجت من الكلية، ومن المفارقات أنه بدأ حياته العملية بعد تخرجه موظفاً صغيراً في مجمع اللغة العربية، وها هو يكاد ينهيها رئيساً للمجمع ذاته! عام 1936 عُين معيداً في القسم نفسه الذي تخرج منه، ولحظه الحسن كانت هذه اول مرة يعمل بها بنظام المعيد في الجامعات المصرية، والفضل لطه حسين الذي ادخل هذا النظام بعد ما انتخب عميداً لكلية الآداب، وظل ضيف في هذا القسم حتى خرج الى المعاش. حصل على الماجستير بإشراف أحمد أمين عام 1939، عن رسالته "النقد الادبي في كتاب الاغاني لأبي الفرج الأصفهاني"، وعام 1942 حصل بإشراف طه حسين على الدكتوراه عن رسالته "الفن ومذاهبه في الشعر العربي". أرايتم اي حظ لذاك الفتى؟ يشرف على رسالتيه أحمد أمين وطه حسين! شعلة من نور قرنت بين دراسات ضيف وماضي اللغة والادب العربيين وحضارتهما ومجتمعهما الذي منه المبتدأ وإليه المآل، قادته هذه الشعلة السرية السحرية الى تيسير وتبسيط النحو، بل وبتجديده، فحقق كتاب ابن مضاء القرطبي "الرد على النحاة" عام 1947، وصدرت منه ثلاث طبعات، وعرض ل"المدارس النحوية" عام 1968، وصدرت منه ثماني طبعات، وكتب داعياً ل"تجديد النحو" عام 1981 وصدرت منه اربع طبعات، وميسراً ل"النحو التعليمي قديماً وحديثاً مع نهج تجديده" عام 1986، وصدرت منه طبعتان. لذلك لم يكن غريباً ان يحصل الدكتور شوقي ضيف على جائزة مجمع اللغة العربية في وقت مبكر وهو في ريعان الشباب عام 1947. اكتسب شوقي ضيف وفي وقت مبكر أيضاً رصانة مزدانة بطلاوة في الأسلوب وجعلته الرغبة المستديمة في التيسير منبعاً لصور وخيالات لا تنتهي في كتاباته. هنا مكمن سحر الادب الذي سعى ضيف وراءه حثيثاً طوال عمره كله يعالجه بالمنهج ذاته: الشرح والتيسير والتحليل والتجديد والتطوير، منذ مقالته الاولى عام 1934 في مجلة "الرسالة" التي حاول فيها الكشف عن بعض اسرار "تقلبات الشعر بين الوضوح والغموض"، مدركاً البديهة الابداعية: وهي ان سحر الادب في الفن، فكرس ضيف جل وقته للبحث في الفن ومذاهبه متنقلاً بين "الشعر العربي" 1943 وصدرت منه اثنتا عشرة طبعة، و"النثر العربي" 1946، وصدر منه العدد نفسه من الطبعات، و"المقامة" 1954، وصدرت منه سبع طبعات، و"الرثاء" 1955، وصدرت منه طبعات ثلاث، و"الترجمة الشخصية" 1956، ثلاث طبعات ايضا، "والرحلات" في العام نفسه وعدد الطبعات نفسها، و"الحماسة" 1957 وصدرت منه طبعتان، و"البطولة في الشعر العربي" 1969 وصدرت منه ثلاث طبعات. كما اهتم بالبحث في فن النقد الادبي بشكل خاص، مستكملاً بذلك بحثه في الابداع الادبي، وكلاهما جناحا الادب الذي لا يحلق الا بهما معاً، فنشر كتابه العمدة "في النقد الادبي" 1962، وصدرت منه ثماني طبعات، وكتابه الآخر "النقد" 1963 وصدرت منه خمس طبعات، و"فصول في الشعر ونقده" 1971، وصدرت منه ثلاث طبعات و"البحث الادبي: طبيعته، مناهجه واصوله" 1972 وصدرت منه ثماني طبعات. تابع فنون الادب العربي عبر عصوره المختلفة منقباً بالاخص عن جوانب التجديد والتطوير، وتلكم هي الاضافة التي يمكن للباحث الواعي ان يفيد بها القراء والدراسين، فأعاد قراءة الادب العربي منذ "العصر الجاهلي" 1960 وصدرت منه ست عشرة طبعة و"التطور والتجديد في الشعر الاموي" 1952 وصدرت منه عشر طبعات، وخص في بحث آخر في العام ذاته "الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني امية" وصدرت منه خمس طبعات، ثم انتقل لدراسة "العصر العباسي الاول" 1966 وصدرت منه اربع عشرة طبعة، و"العصر العباسي الثاني" 1973، وصدرت منه ثماني طبعات، و"عصر الدول والامارات" هذا السفر الذي اصدره على اجزاء منذ 1980 وحتى 1992 ماسحاً فيه خريطة الادب العربي في ذلك العصر من الجزيرة العربية والشام حتى الاندلس وصقلية. وصل ضيف في مراجعته الرشيدة للأدب العربي الى "الشعر العربي المعاصر" 1953 وصدرت منه سبع طبعات، و"الادب العربي المعاصر في مصر" 1957، وصدرت منه احدى عشرة طبعة، وتوّج ابحاثه بالموسوعة الكبيرة "تاريخ الأدب العربي". لم يكتف بعناء هذا السير في روابي الأدب وبين سهوله ووديانه وقفاره وجباله، فشاء عن حب ان يقف مع بعض اعلامه الكبار حقاً ك"ابن زيدون" 1953، وصدرت منه اثنتا عشرة طبعة، حتى "العقاد" 1963 وصدرت منه خمس طبعات ماراً ب"البارودي رائد الشعر الحديث" 1963، وصدرت منه ثلاث عشرة طبعة. اي ان ما قدمه الاستاذ الجليل شوقي عبدالسلام ضيف من بحوث ودراسات في الادب العربي من مواضيع وعصور واعلان يعد - بلا جدال - موسوعة جامعة واضحة للادب العربي ينوء بكتابتها العديد من الاساتذة المتخصصين، وحملها الدكتور ضيف وحده. هناك جانب آخر لا يقل اهمية عما سبق الحديث عنه من مجالات في علم الدكتور ضيف وأدبه الفياض، وهو مجال نعنى به في دار الكتب والوثائق القومية أيما اعتناء، ألا وهو تحقيق المخطوطات وكتب التراث العربي. وهنا حدث بنعمة ربك التي اسبغها على ضيفه الذي عندما يحقق يختار الاصعب في التحقيق، روح التحدي لمصاعب الحياة التي خاضها الدكتور مبكراً جداً واعتاد عليها حتى فقدت المصاعب قسوتها لديه، فعدا "الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبي، شارك في تحقيق "رسائل الصاحب بن عباد" 1947 و"خريدة القصر" للعماد الاصفهاني 1951، و"المغرب في حلي المغرب" لابن سعيد الاندلسي الذي صدر على اجزاء عام 1951 و1953 و1955 و"الدرر في اختصار المغازي والسير" لابن عبد البر 1966. وبعد على رغم كل ما استعرضت... نسيت وما حيلتي في غزارة فيض علم أدب الدكتور شوقي ضيف؟ هل اتيت على "الادب العربي في مصر من الفتح الاسلامي الى نهاية العصر الايوبي" و"الادب والنصوص" و"الادب والنصوص والبلاغة" و"الايضاح في علل النحو" ودراسته المهمة في "تاريخ وتطور البلاغة" 1965 التي صدر منها سبع طبعات، و"تاريخ الادب العربي في العصر الاسلامي" و"تحريفات العامية والفصحى" و"الحب العذري عند العرب" و"الحضارة الاسلامية من القرآن والسنة" و"دراسات في التربية الإسلامية" و"ديوان الشاعر العراقي إبراهيم أدهم الزهاوي" و"الرؤية الرومانسية للمصري الإنساني" و"السبعة في القراءات" و"سراج الملوك" و"سورة الرحمن وسور قصار" و"الشعر وطوابعه الشعبية على مر العصور" و"عالمية الإسلام"، و"عجائب وأساطير" و"العصر الإسلامي" و"الفكاهة في مصر" و"في التراث والشعر واللغة" و"وصف الطبيعة وتطوره في الشعر العربي" و"الوجيز في تفسير القرآن". هل نسيت؟؟ نعم، كتابين خاصين في الذكر والذكرى: ما كتبه عن "مجمع اللغة العربية في خمسين عاماً" قبل أن يتشرف - المجمع والضيف - كل منهما بالآخر ويرأس شوقي ضيف المجمع. و"معي"... سيرته الذاتية العطرة التي تحتاج الى مقام ومقال خاصين. وبعد كل ما نسيت واستدركت، فليسامحني من يكتشف انني انهيت... ونسيت. خطّ الأستاذ الدكتور شوقي ضيف ببنانه الكثير، وأمدنا بفيض من علمه، وبقي علينا وعلى الاجيال الشابة من الباحثين والادباء والكتاب ان نفي هذا المعلم حقه، بتأمل عطائه، ودراسته، والكتابة عنه بما لا يقل عن الغزارة التي كتب بها، بل وأكثر، فهذا منطق أمور الفكر والثقافة، كما يبقى من المهم بمكان أن نجمع مقالاته وبحوثه المتناثرة في الصحف والمجلات العربية المتنوعة. * رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق المصرية - القاهرة.