منذ أول عملية زرع قلب جرت العام 1967 وحتى أوائل الثمانينات كان المرضى يموتون بعد أيام من إجراء العملية، حتى تمكن جراح اميركي من "إطالة عمر" نصف عدد المرضى المزروعة قلوبهم إلى ما بعد العام. وإلى اليوم لم يتمكن مريض واحد من العيش طويلاً بقلب مزروع لأن الأنسجة الجسمانية لكل إنسان تحمل مجموعة فريدة من ال"انتيغن"، أو مولدات المضادات التي، فور أن تستشعر وجود العضو الدخيل، تشرع في مهاجمته بشراسة. من هنا كان حرص الأطباء على إعطاء المريض جرعات كبيرة من مشتقات الكورتيزون لمنع الجسد من لفظ القلب الغريب وإضعاف المقاومة لوجوده. غير أن هذا الإضعاف الذي ينال من جهاز المناعة يؤدي أيضاً إلى الإصابة بأمراض وفيروسات تنهي حياة المريض. تخبرنا قوانين الطبيعة إذاً أن رد الفعل الطبيعي لجسم الإنسان هو مقاومة الأنسجة الشاذة الدخيلة، وأنه يستحيل مهما زادت جرعات الكورتيزون أن يطبع الجسد علاقته مع القلب الأجنبي المزروع فيه. على نقيض عمليات الزرع التي يُستبدل فيها قلب تالف بآخر سليم، فإن ما جرى منذ نصف قرن للجسد العربي - واستكمل العام 1967 - كان انتزاعاً قسرياً لقلب سليم واستبداله بآخر فاسد. وعلى رغم جرعات العدوان والضغوط والتهديدات والابتزازات لقتل مقاومة الجسد، فإن هذه الجرعات لم تفلح في الإجهاز على جهاز المناعة. والأمراض التي حلت بالجسد المنهك الضعيف لم تقض عليه، والدليل كان يظهر بين الحين والآخر حرب رمضان - الانتفاضة - المقاومة اللبنانية - مقاومة التطبيع. وإذا كانت السلطة الفلسطينية اليوم تسعى إلى استرداد ربع، وربما خُمس القلب السليم، فهي تصر على أن يشمل هذا الجزء الضئيل نصف مدينة القدس التي هي بمثابة الشريان الأورطي القادر على إمداد أعضاء الجسد وأطرافه بالدم والأوكسيجين النظيف. غير أن إسرائيل تصر ليس فقط على أن تحتكر بنسيجها الصهيوني السيطرة على إمداد الجسد بالدم، ولكن أيضاً على حرمانه من الشريان بأكمله حتى لا يصل إليه سوى الدم الملوث بفضلات استهلاكها للأوكسيجين خيرات الأرض والسوق العربيتان. وهي بذلك تضمن أن يبقى الجسد العربي عليلاً. كما أن المريض يطيل معاناته باستسلامه لما يحقنه به الطبيب - الذي أجرى عملية الزرع القسري - من جرعات الكورتيزون الفكري والثقافي وأوهام مناهضة الطبيعة. هل يقنع إذاً الجسد العربي بخُمس القلب ونصف الأورطي ويتوقف عن مقاومة ما يتبقى من نسيج شاذ، أم أن خريطة الجينات المكتشفة أخيراً والتي تفتح أبواباً مخيفة، إعادة هندسة الخليقة والتلاعب بها، سيظهر مثيل لها على الساحة العربية يُمكّن المتآمرين من إفساد الفطرة القويمة وابتداع انسجة عربية جديدة أكثر توافقاً مع الصهيونية وخضوعاً لها؟ * كاتب مصري