التخمير السريع تقنية ناجحة يطبقها معمل نموذجي في بلدة كفرصير اللبنانية لتسميد النفايات العضوية بعد فصلها عن الزجاج والبلاستيك والمعادن التي ترسل لاعادة الاستخدام. كفرصير، التي يبلغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة، هي المكان الوحيد في لبنان الذي لا يعاني من مشاكل النفايات البلدية الصلبة، بعد إنشاء مركز لمعالجة النفايات البلدية هو الوحيد في الشرق الأوسط الذي يستخدم تقنية التخمير السريع dynamic composting technology. ولت النيران التي كانت تضرم يومياً في الغابات والوديان لحرق النفايات. وانقشعت روائح العفونة وأسراب الذباب التي كانت تعايش أهالي القرية. واليوم، تُحوّل كفرصير 80 في المئة من نفاياتها الى مادة ممتازة لاغناء التربة. انها السماد العضوي. مركز معالجة النفايات في كفرصير، الذي بدأ تشغيله في أيار مايو 1999، هو "معمل" مساحته 300 مترمربع، يعالج كل يوم خمسة أطنان من النفايات البلدية الصلبة التي تجمع من القرية. وفيه مخمر اسطواني دوار هو الوحيد في الشرق الأوسط، يحتوي على مزيج انزيمي يلتهم الأجزاء العضوية من النفايات التي تدخله وينجز مهمته في ثلاثة أيام فقط. وللاسطوانة ثلاث مقصورات تنقل النفايات كل يوم من مقصورة الى أخرى. وبعد أن تمضي تلقيمة النفايات ثلاثة أيام داخل الاسطوانة، تتحول أجزاؤها العضوية بالكامل الى سماد يمكن استعماله في الزراعات الطبيعية الخالية من الكيماويات. كيف يعمل المركز؟ عندما تحضر شاحنة النفايات، يتفقد عاملان حمولتها ويزيلان منها المواد الصالحة لاعادة الاستخدام، وهي علب الألومنيوم المرطبات وقوارير البلاستيك المصنوعة من البوليثيلين قناني الشامبو وسوائل غسل الصحون وأواني البلاستيك وسواها وقناني البلاستيك المصنوعة من البوليثيلين تيترافثاليت PET مثل قناني المياه المعدنية والكولا. هذه تفرز وتفرم قطعاً صغيرة وتعبأ في أكياس لارسالها الى مصانع اعادة التدوير والاستخدام حالياً ليس هناك في لبنان من يعيد تدوير الPET. وتزال أيضاً القناني الزجاجية وتقدم الى حرفي محلي يصنع الأواني الزجاجية بالنفخ. وتستعمل العلب المعدنية الكبيرة والصغيرة، التي بقي شكلها حسناً كأوعية لزراعة النباتات، ويأتي مزارعون محليون الى المركز فيجمعونها لاستعمالها في زرع البذور. وتفرز النفايات المعدنية الأخرى وتخزن كي يأخذها جامعو المخلفات المعدنية مرة في الأسبوع. وما يتبقى هو نفايات عضوية وكثير من أكياس النايلون. والجزء الأكبر من الحمولة اليومية مخلفات غذائية ونفايات ورقية وكرتونية. نحو 90 في المئة من وزن الحمولة نفايات عضوية، وهذا أمر طبيعي في قرية ريفية مثل كفرصير. تفرغ المواد العضوية، ومعظمها في أكياس نايلون، على سير متحرك ينقلها الى خزان تلقيم يحولها الى المخمر الاسطواني الدوار. وتمضي كل حمولة ثلاثة أيام في الاسطوانة حيث تتخمر هوائياً فلا تنطلق منها روائح كريهة. ومن ثم تفرغ على سير متحرك آخر ينقلها الى غربال يتولى فصل السماد العضوي عن النايلون والمواد غير العضوية المتنوعة الأخرى. وتنتج عن عملية الغربلة ثلاثة أصناف مختلفة من السماد العضوي: صنف خشن يستعمل كفرشة أولية لاعداد قطعة أرض صخرية كي تصبح صالحة للزراعة، وصنفان متوسط وناعم يستعملان كمواد تغني التربة وكأسمدة معتدلة لزراعة أنواع الفواكه والخضر والأزهار حول المعمل. وحقق المعمل نجاحات في زراعة البقدونس والفجل والجرجير الروكا والنعنع والبندورة الطماطم والكوسى واللوبياء وأشجار البرتقال وعدد كبير من نباتات الزينة. وكل هذه المزروعات خالية من أي أسمدة كيماوية أو مبيدات حشرية أو عشبية. والمعمل مؤهل للحصول على شهادة تفيد أنه مزرعة عضوية. ما مدى سلامة هذا السماد العضوي؟ السماد العضوي الذي ينتجه المعمل يخضع لاختبارات منتظمة. والاختبار EPA503، الذي تفرضه وكالة حماية البيئة في الولاياتالمتحدة وينظم عمليات التخمير، يسمح بثلاث جراثيم سالمونيلا في كل أربعة غرامات من السماد العضوي الجاف. وتظهر الاختبارات المنتظمة التي تجرى للسماد العضوي الذي ينتجه معمل كفرصير عدم وجود أي جرثومة سالمونيلا فيه، لأن درجات الحرارة والمدة التي تبقى فيها النفايات العضوية في المخمر الاسطواني الدوار كافية للقضاء على السالمونيلا. والمعادن الثقيلة، وأكثرها شيوعاً الكادميوم والزئبق والزرنيخ والرصاص، أقل بكثير مما يسمح به نظام EPA503، ويصنّف السماد العضوي المنتج في كفرصير بأنه "نوعية ممتازة" وفق معايير وكالة حماية البيئة، مما يسمح باستعماله في الأراضي الزراعية من دون قيد أو شرط. ماذا يحدث لأكياس النايلون والمواد غير العضوية الأخرى التي لا يمكن اعادة تدويرها؟ في مركز معالجة النفايات في كفرصير، يتم طمر أكياس النايلون، ومن ثم تغطى بطبقة من السماد العضوي الناعم، ويستعمل المطمر كقطعة أرض زراعية. وتبذل جهود حالياً لبناء محطة لغسل أكياس النايلون المستعملة، لأن شركة لاعادة التدوير أبدت اهتماماً بالحصول على هذه الأكياس من أجل تقطيعها وتحويلها الى كريات صغيرة ليعاد استعمالها لاحقاً في انتاج أكياس نايلون من مواد معاد تدويرها مئة في المئة. ليس في القرية أسعد من عدنان ريحاني، شرطيها الوحيد. قال لنا مبتسماً: "كنت أتلقى عشرات الشكاوى يومياً عندما كنا نحرق نفاياتنا مثل القرى الأخرى. لم أكن أعرف ماذا أفعل. كنت أمضي معظم وقتي في الكشف على المكب واسترضاء الناس. لكن كيف يمكنني ايقاف الدخان والروائح؟ الآن انتهت مشاكلي وسارت الأمور على خير ما يرام. من المدهش كيف انتهت مشكلة الجميع بهذه البساطة. اني أذهب الى المعمل كل يوم لأرى ماذا يفعلون هناك". * ينشر المقال في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية"، عدد تموز/آب يوليو/اغسطس 2000.