نال الوضع الداخلي الجزء الاكبر في خطاب القسم الذي القاه الرئيس بشار الاسد امس مع بدء ولايته الرئاسية الاولى التي تستمر سبع سنوات، داعياً الى تعميق "الفكر المؤسساتي" و"الفكر الديموقراطي" و"الشفافية" لمعالجة السلبيات الموجودة والبناء على الايجابيات القائمة. وأكد ان بلاده التي اتخذت "خياراً استراتيجياً" لصنع السلام "تستعجل تحقيق السلام لكنها لن تفرط" بأي من موضوعي "السيادة والارض" في شأن الجولان السوري، وقال إن "كرة السلام ثقيلة وحملها يحتاج الى رجال دولة قادرين على اتخاذ قرارات صعبة" بعدما أشار الى "تردد وتذبذب" المسؤولين الاسرائيليين. أدى الرئيس السوري الجديد بشار الأسد اليمين الدستورية في جلسة عقدها امس مجلس الشعب البرلمان في حضور اعضاء السلك الديبلوماسي الاجنبي والعربي وجميع اعضاء البرلمان باستثناء واحد مريض ونائبي الرئيس عبدالحليم خدام ومحمد زهير مشارقة ورئيس الوزراء محمد مصطفى ميرو والوزراء. وافتتح "الجلسة التاريخية" رئيس البرلمان عبدالقادر قدورة بالتمني بأن تكون الولاية "خيراً وعطاء على امتنا العربية من محيطها الى خليجها"، منوهاً بقدرات الرئيس العلمية واهتمامه بالعلم بحيث "ستبنون بعقول هذا الشعب علماً يجلب الرفاه له" بعدما كان الرئيس الراحل حافظ الاسد "رفيق التاريخ جلب الاستقرار والامان" لسورية. وجلس خدام على يسار الرئيس الجديد وعلى يمينه الامين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم السيد عبدالله الاحمر. وقال بشار واضعاً يده على القرآن الكريم: "اقسم بالله العظيم ان احافظ مخلصاً على النظام الجمهوري الديموقراطي الشعبي وان احترم الدستور والقوانين وان ارعى مصالح الشعب وسلامة الوطن وان اعمل واناضل لتحقيق اهداف الامة العربية بالوحدة والحرية والاشتراكية". وما ان انتهى من اداء القسم حتى علا صوت النواب "بالروح بالدم نفديك يا بشار". ونقل التلفزيون السوري الجلسة على الهواء مباشرة في المحطتين الارضية والفضائية. كما ان محطتي "سي. ان. ان" الاميركية و"بي. بي. سي" البريطانية بثتا الخطاب حياً مع ترجمة فورية للخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري. بدأ بشار خطابه ب"الشكر الخاص لأبناء شعبنا بكل فئاته"، على نتيجة الاستفتاء التي اسفرت عن فوزه بنسبة 29.97 في المئة من اصوات المقترعين، ذلك ان هذه النتيجة "تعبير عن ارادة الشعب ولا املك الا ان استجيب لها واقبلها راضياً وان احمل الامانة التي تفرضها وان انهض بالاعباء واضطلع بالمهام المتعلقة باداء ذلك الواجب في هذه الظروف البالغة الدقة والحساسية التي يمر فيها وطننا وامتنا والعالم بصورة عامة ساعياً لقيادة الوطن نحو مستقبل ننشد جميعاً ان يكون محققاً لآمال الشعب وتطلعاته وطموحاته المشروعة". وشغل الوضع الداخلي ثلاثة ارباع مدة الخطاب الذي استمرت نحو ساعة، وذهبت الدقائق الاخرى لعملية السلام والوضع العربي والعلاقة مع لبنان ومع الاممالمتحدة و"العولمة". وقال الرئيس السوري ان المهمات امامه "صعبة بمقدار ما هي سهلة: وسهولتها تأتي من كون القائد الاسد هيأ لنا ارضية صلبة ... اما صعوبتها فتأتي من حقيقة ان نهج القائد الاسد كان نهجاً متميزاً وبالتالي فان الحفاظ على هذا النهج ليس بالأمر السهل وبخاصة اننا لسنا مطالبين فقط بالحفاظ عليه وإنما بتطويره أيضاً" دون ان يؤدي ذلك الى "التخلي عن ثوابتنا الوطنية والقومية". وشدد على انه لم يكن يسعى "إلى منصب ولا اهرب من مسؤولية. فالمنصب ليس هدفاً، بل هو وسيلة لتحقيق الهدف. انني تبوأت هذا المنصب ولكنني لم اتبوأ الموقع، أي ان المنصب تبدل لكن الموقع بقي ذاته ولم يتغير منذ خلقت. هذا الموقع الذي لا يتبدل يوماً من الايام هو خدمة الشعب والوطن... يقول قائل ان المنصب يعطى الشرعية لكن الشرعية هي قبل كل شيء ارادة الشعب ورغباته وأهمية تصويتكم على قرار الترشيح تأتي من كونه يمثل استجابة لرغبات الشعب الذي تمثلونه بشرائحه المختلفة... ان المسؤولية هي مصلحة الشعب والشرعية هي رغبته وارادته والمنصب هو الاطار الذي يجمعهما وينظم علاقتهما معاً. وبالتالي فإن ما اضافه هذا المنصب الى موقعي هو حمل كبير فيه محبتكم وثقتكم وطموحاتكم وآمالكم سأكون قادراً على حمله بإذن الله بدعمكم ومساندتكم". ودعا بشارالذي انتخب اميناً عاماً لحزب البعث في 20 الشهر الماضي ورشحته القيادة القطرية للحزب رسمياً للرئاسة قبل ان يطرحه البرلمان على استفتاء عام جرى الاثنين الماضي، كل مواطن "يحمل نفسه المسؤولية وان يؤمن بالشرعية حتى لو لم يكن في وضع يسمح له بتطبيق افكاره. فالمنصب لا يعطى المسؤولية بل العكس هو الصحيح. هو يأخذها من الانسان الذي يمتلكها ويسمح له فقط ان يمارسها من خلال الصلاحيات التي يمنحها له"، مشيراً الى ان "الحالة المثلى تفترض ان يكون الكل مسؤولاً" والى ضرورة "غربلة اداء المجتمع بشكل مستمر باتجاهين من قاعدة الهرم الى قمته وبالعكس لأنه اذا اختلت وظيفة القاعدة انعكس ذلك على اداء القمة واذا شذ من في القمة اساء الى القاعدة". كذلك دعا الجميع الى المشاركة "في مسيرة التطوير والتحديث"، موضحاً وجود ثلاثة محاور تقوم على "طرح افكار جديدة في المجالات كافة، وتجديد افكار قديمة لا تناسب واقعنا مع امكان الاستغناء عن افكار قديمة لا يمكن ان نجددها ولم يعد ممكناً الاستفادة منها بل اصبحت معيقة لادائنا، وتطوير افكار قديمة تم تجديدها لكي تتناسب مع الاهداف الحاضرة والمستقبلية وكل عمل بحاجة الى قياسات لتحديد نسبة الانجاز والتقدم فيه ومن المفيد في هذا المجال ان نستند الى مجموعة من المعايير"، مع ضرورة الاخذ في الاعتبار عوامل "الزمن" "وطبيعة الواقع" و"الامكانات" و"المصلحة العامة". وبعدما شدد على ضرورة اعتماد "الفكر المتجدد"، قال ان ذلك ليس مرتبطاً ب"السن ذلك ان بعض الاشخاص يدخل سن الشباب وتحجر عقله باكراً. والبعض الآخر من كبار السن يفارق الحياة وعقله لا يزال يضج بالحيوية والتجدد والابداع". النقد البناء ولاحظ الرئيس السوري اهمية "النقد البناء" و"الموضوعية" و"المساءلة" و"وضع استراتيجية عامة" ذلك ان "الاستراتيجية السياسية" السورية اثبتت "نجاحاً كبيراً. اما في المجالات الاخرى وكما نعرف جميعاً فلم يتماشى الاداء فيها مع الاداء في المجال السياسي لأسباب عديدة"، خصوصاً في المجال الاقتصادي حيث كان الاداء "يتموج ويتبدل بحدة نتيجة لتبدل الظروف. وكانت المعالجة تتم من خلال اصدار قوانين ومراسيم وقرارات تتسم أحياناً بالتجريبية وأحياناً اخرى بالارتجال وفي البعض منها كانت تأتي كرد فعل على حالة معينة". وشدد على اهمية "الشفافية" وفق "مواجهة جريئة مع انفسنا ومع مجتمعنا وهي مواجهة حوارية نتحدث فيها بصراحة عن نقاط ضعفناً وعن بعض العادات والتقاليد والمفاهيم التي اضحت عائقاً حقيقيا في طريق أي تقدم"، داعياً الناس الى عدم الاتكال على "الدولة ولا تدعوا الدولة تتكل عليكم بل دعونا نعمل سوية كفريق عمل واحد". وكرر تأييد "تغييرات اقتصادية متدرجة من خلال تحديث القوانين وازالة العقبات البيروقراطية امام تدفق الاستثمارات الداخلية والخارجية وتعبئة رأس المال العام والخاص معاً وتنشيط القطاع الخاص". وركز على موضوع الديموقراطية واهمية "الفكرة الديموقراطية لتعزيز الفكر والعمل المؤسساتي". وبعدما تساءل :"الى اي مدى نحن ديموقراطيون وما هي الدلائل على وجود الديموقراطية او عدمها؟ هل هي في الانتخاب ام في حرية النشر ام في حرية الكلام ام في غيرها من الحريات والحقوق؟"، قال: "لا واحدة من كل ذلك. فهذه الحقوق وغيرها ليست الديموقراطية بل هي ممارسات ديموقراطية ونتائج لها وهي تنبني جميعها على فكر ديموقراطي. وهذا الفكر يستند على اساس قبول الرأي الآخر وهو طريق ذو اتجاهين حتماً وبشكل أكيد أي ما يحق لي يحق للآخرين وعندما يتحول الطريق باتجاه واحد يتحول الى انانية وفردية". ويعتبر هذا موقفاً جديداً في عقيدة "البعث" الحاكم الذي يعتمد "الديموقراطية الشعبية". وقال بشار:"الديموقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل ان تكون حقاً لنا. الفكر الديموقراطي هو الاساس والممارسات الديموقراطية هي البناء. وبكل تأكيد، جميعنا يعلم ان الاساس عندما يكون ضعيفاً، فإن البناء يكون مهدداً بالتداعي والسقوط عند اول هزة او من دون اي سبب ظاهر. وبمعنى آخر ان كل اساس صمم لبناء معين ليناسب ما سيحمله، اي هذا الاساس لهذا البناء وذاك الاساس لذاك البناء أي تبديل بين الاساسين يعني انذاراً بالخطر". ودعا الى عدم "تطبيق ديموقراطية الاخرين على انفسنا. فالديموقراطيات الغربية على سبيل المثال هي محصلة تاريخ طويل، لذلك علينا ان تكون لنا تجربتنا الديموقراطية الخاصة بنا المنبثقة عن تاريخنا وثقافتنا وشخصيتنا الحضارية والنابعة من حاجات مجتمعنا ومقتضيات واقعنا. وعندها ستكون النتيجة بناء متيناً قادراً على الصمود في وجه الهزات مهما كانت شدتها والتجارب الهدامة ماثلة امام اعيننا في دول مختلفة قريبة عنا وبعيدة". وإلى "الفكر المؤسساتي والديمقراطي والشفافية"، اكد الرئيس الجديد "احترام القانون، وعلينا ان نكافح الهدر والفساد مع الاخذ بعين الاعتبار ان كل عمل فيه نسبة من الخطأ غير المقصود التي يجب الا تقلقنا انما المطلوب منع تكرارها" مع وجود الابتعاد عن "فكرة نسف الواقع برمته" ذلك ان لا احد "منا يملك عصا سحرية لحل كل المشكلات دفعة واحدة". النموذج السوري - للبناني وعن الوضع العربي، اتخذ بشار خطاً جديداً في اللغة ذلك انه "لم يعد خافياً على احد ما آلت اليه حال امتنا العربية من ضعف الروابط بين دولها خلال العقود القليلة الماضية" بسبب "طغيان" الاهتمام بالمصالح "القطرية على القومية فأصاب الوهن الجسد العربي وضعفت الامة وتشتت وتفرقت دولها ومن ثم تعودت وتأقلمت مع حلتها الجديدة واصبح ما هو طارئ طبيعياً". وقال :"بات الحديث عن القومية العربية او التضامن العربي رومانسياً او مضيعة للوقت"، داعياً "مبادرات وقائية او علاجية لا تستند الى حسابات الربح والخسارة على المستوى القطري بل على المستوى القومي". واعتبر العلاقة مع لبنان "نموذجاً للعلاقة بين بلدين عربيين، لكن هذا النموذج لم يكتمل بعد وبحاجة للكثير من الجهد لكي يصبح مثالياً بحيث يحقق المصالح المشتركة بالشكل الذي نطمح اليه في كلا البلدين". وعن عملية السلام، اكد ان تحرير الجولان السوري المحتل منذ العام 1967 "هدف اساسي وموقعه في المقدمة من سلم الاولويات الوطنية". وقال إن أهمية التحرير توازي "أهمية السلام العادل والشامل الذي اعتمدناه خياراً استراتيجياً، لكن ليس على حساب ارضنا ولا على حساب سيادتنا"، مذكراً ان "الارض والسيادة هما قضية كرامة وطنية وقومية ولا يمكن، وغير مسموح لأحد، ان يفرط بهما او يمسهما". وفي مقابل "الوضوح السوري" لاحظ الرئيس بشار "التذبذب الاسرائيلي ووضع العراقيل" امام انجاز السلام. وقال ان مفهوم الاسرائيليين ل"المرونة" التي يطالبون بها دمشق هي ان "تكون الارض مرنة. بالتالي يضغطون على حدودها ويقلصونها بالشكل الذي يناسبهم ويناسب مصالحهم". واضاف ان مبعوثين دوليين اقترحوا باسم الاسرائيليين "ان نوافق على خط معدل عن خط الرابع من حزيرانيونيو وكأن الاختلاف هو على التسمية.ثم يقولون لنا خذوا 95 في المئة من الارض وعندما نسأل عن ال5 في المئة الباقية يقولون هي ليست مشكلة. بضعة امتار يجب الا تكون عائقاً في وجه السلام. واذا كانت هذه البضعة امتار ليست مشكلة ولا يجب ان تكون عائقاً في وجه السلام لماذا لا يعيدون خط الرابع من حزيران ويعطوننا خمسة في المئة من الجانب الغربي من البحيرة؟". وهنا قاطع النواب الرئيس بالتصفيق الحار و"بالروح بالدم نفديك يا بشار". وكانت واحدة من 27 مرة صفق فيها النواب خلال الحديث مع قيام خمسة منهم بالقاء الشعر وآيات قرآنية تأييداً للرئيس الجديد الذي قال عن الاسرائيليين "راهنوا على اشياء كثيرة: على صحة القائد الاسد، ونسوا ان القادة الوطنيين الذين يدخلون التاريخ من بوابة الوطن يدخلون الى عالم الخلود من البوابة ذاتها ولا يدخلونها من بوابة التفريط والتنازلات. راهنوا على القوة العسكرية ودحروا في لبنان. راهنوا على وحدتنا الوطنية وافشل شعبنا هذا الرهان. ان الرهان الوحيد الذي يمكن ان يكتب له النجاح هو الرهان على ارادة الشعوب في استعادة حقوقها وذلك من خلال استعادة الارض الكاملة حتى الرابع من حزيران 1967. وعندها فقط يمكن الانطلاق باتجاه السلام العادل والشامل". ودعا الولاياتالمتحدة للقيام بدورها بشكل كامل كراع لعملية السلام "بشكل حيادي ونزيه، اذ لابد من ممارسة التأثير المطلوب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بما نصت عليه من حقوق للشعب اللبناني والسوري والفلسطيني... اننا مستعجلون لتحقيق السلام لكننا غير مستعدين للتفريط بالأرض ولا نقبل لسيادتنا ان تمس. اننا نستعجل السلام لأنه خيارنا والشعب العربي السوري شعب محب للسلام عبر التاريخ. ولاننا مشتاقون لكي يعود الجولان كاملاً ويعود اهله الى الوطن وغير مستعدين للتفريط بالارض لاننا لا نقبل بها منقوصة او على حساب السيادة الوطنية... كرة السلام التي يلقونها في الملاعب المختلفة حسب مزاجهم هي كرة ثقيلة، وحملها يحتاج الى رجال دولة قادرين على اتخاذ قرارات صعبة وليس لمجرد مسؤولين في أي موقع كانوا فيه كلما حملوا معهم هذه الكرة مالوا ومالت معهم المناصب"، دعا الاممالمتحدة كي "تقوم بمهامها". وبعدما حيا "قواتنا المسلحة رمزا للشرف والانضباط والسلوكية الوطنية والقومية التي ستكون دائماً موضع عنايتنا واهتمامنا لتبقى قادرة على القيام بمهامها عندما يدعوها الواجب" و"المقاومة الوطنية الباسلة"، ختم: "الانسان الذي اصبح امس رئيساً سيبقى هو نفسه الطبيب والضابط وقبل كل شيء المواطن بشار الاسد".