خطوة جريئة أقدم عليها المؤلف الموسيقي الكويتي سليمان الديكان حين أعاد توزيع تراتيل من التراث الماروني السرياني هو الآتي من عمق الحضارة الإسلامية ليلوّن بموسيقاه التراث المسيحي. هذا الشاب الأسمر هو نجل المؤلف الموسيقي غنّام الديكان صاحب "الإيقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية" والكثير من المؤلفات الموسيقية والذي عايش تطوّر الفنون الخليجية عبر السنين. يتميز الى عزفه الحيوي على آلة الفلوت بحضوره المحبب على المسرح وهو صاحب شخصية قريبة جداً تجمع الى الحرارة الكويتية حسن الضيافة اللبنانية. كان الديكان في الصف الثاني ثانوي حين ألّف مجموعة كبيرة من المقطوعات الموسيقية المتميزة. قدم الكثير من البرامج في إذاعة الكويت ومنها "أوبريت" الأسرى "لا ما تحرّرنا بعد"، وألّف الموسيقى التصويرية لأكثر من 30 فيلماً حاصداً جوائز عدة. وحصل على تنويهات في مهرجانات سينمائية دولية في هولندا، اليابان والقاهرة والبحرين، وأحيا الكثير من الأمسيات الموسيقية التي تركت صداها الطيب ك"الأمل" للأمم المتحدة نال عليها جائزة و"المختلف" حفل بيت لوذان و"طرز الأساطير" في البحرين. "الحياة" التقت الديكان في بيروت بعد حفلته الموسيقية في جامعة الكسليك وأجرت معه الحوار الآتي: كيف تقوّم تجربة توزيعك ألحاناً لتراتيل مارونية سريانية، ألم تخف من صعوبة إيصال الروحانية المختزنة فيها؟ - منذ بداية حياتي الفنية حرصت على التراث واهتممت به. تحمل موسيقاي دوماً دعوات الى الأمل والحرية. حين جئت لبنان لم أكن أملك خلفية معرفية عن التراتيل، ولم ألبث أن تعرفت على القداس. وأتاحت لي دراستي مادة الألحان المارونية في جامعة الكسليك على يد الأب الدكتور لويس الحاج التعرف إلى هذا التراث، وشرعت بالأبحاث عن الألحان التراثية المارونية وقدمت طرحاً عنوانه "التحليل بالألوان" يقدم عرضاً تحليلياً لتطور ألحان التراتيل منذ القدم الى اليوم إضافة الى إنجازي قراءة حديثة لكل ترتيلة، هكذا قدمت الأمسية الموسيقية في الكسليك بعد تعمق وتأمل ودراسة. لماذا طغى الطابع الغربي على الشرقي في توزيعك؟ - شعرت أن من الإجحاف أن يبقى هذا التراث محصوراً في زاوية صغيرة فأسبغت عليه صبغة عالمية تجمع الى هويته الأصيلة صبغة كويتية خليجية، وهذه فرصة لتعميم هذا الفن، وأشير الى أنني لا أعتبر هذه الخطوط البسيطة التي وضعتها إضافات إنما هي خطوط للإبهار فقط تمكّن من الوصول الى العالمية. لم درست آلة الفلوت وليس آلة "شرقية"؟ - أحببت هذه الآلة منذ صغري لذا درستها خمسة أعوام في الكويت الى جانب البيانو. الفلوت آلة شديدة الحساسية وليست غربية تماماً لأن أصلها يعود الى آلة الناي، كما أن عزفها بإحساس يضيف إليها السحر الشرقي. نشأت في كنف والدك المؤلّف الموسيقي غنّام الديكان، ما الذي اكتسبته منه وكيف أثّر في مسيرتك الفنيّة؟ - تعلمت منه عشق التراث، إذ يعتبر والدي مؤلف الدولة وقد وضع كتباً عدة عن التراث، لذا جرى حب التراث الموسيقي في دمي منذ الصغر. كما اكتسبت منه المعالجة التراثية الأكاديمية وليس السطحية لأنها تفيد الباحثين وطلبة الجامعات. من يلفتك من الملحنين والموزّعين في عالمنا العربي؟ - الأخوان رحباني هما الأساس تلحيناً وتوزيعاً، إضافة الى الأستاذ زياد الرحباني وهو إنسان مهم جداً في الوطن العربي. هل تعرّفت اليه شخصياً؟ - نعم، منذ عامين، كنت في لبنان واستمع الى موسيقاي. وثمة فكرة مستقبلية بأن نقيم حفلة موسيقية مشتركة في الكويت. هل تلتقي به دائماً؟ - طبعاً، ولكن من الصعب إيجاده دوماً. وثمة أوقات أتصل به أو يتصل بي. ما الذي تستوحيه حين تؤلّف؟ - استوحي الحياة والحرية والأمل ولذا لدي ناحية "ثورية" في موسيقاي. أحب أن تكون موسيقاي لغة عالمية تفهم الجميع معاناتنا كشرقيين. حين أحتل بلدي وضعت نصب عيني تعريف العالم الى معاناة شعبي في أي عمل أنجزه ولا سيما في قضية الأسرى الكويتيين، في حفلتي الأخيرة في الكسليك ربطت بين قضيتي أسرى لبنانوالكويت في مقطوعة "بلدي" التي لحنها والدي عند خروج الاحتلال من بلدي والتي مثلت أيضاً خروج الاحتلال الإسرائيلي من لبنان. هل لحنت أغنيات؟ - نعم لحنت للمطربة الكويتية سناء الحرّاز أغنيتي "سلام يا وطني" و"أغلى من الروح" ولحنت ألبوماً كاملاً للطفل غنته الفنانة فتاة، ولحنت ترتيلة "الأجراس" و"الدلعونة". بمن أنت متأثر من الملحنين؟ - بالرّحابنة وبالأستاذ زياد الرحباني ومن مصر بالأستاذين عمّار الشريعي وعمر خيرت. ما هي الآلة التي تستعملها أثناء التأليف؟ - البيانو. لماذا؟ - أشعر أنها أساس للموسيقى الشرقية والغربية، ولا يعطيني العود سوى نغمة واحدة على عكس البيانو. ما رأيك في الألحان الرائجة اليوم على الساحة الفنية؟ - يمكننا أن نصنع مستوى أفضل. نحن في العالم العربي اهتممنا في الطقطوقة لكننا خرجنا عن نطاقها الحقيقي. وكيف تجد المستوى الفني في الكويت؟ - إنه جيد وثمة أسماء تلمع مثل عبدالله الرويشد ونبيل شعيل. ما مرد ازدهار الأغنية الخليجية اليوم؟ - سوف أتحدث عن الكويت حيث تم تأسيس أول معهد موسيقي عام 1970 ما يعني أن ثمة أناساً تخرّجوا بعد أن اختزنوا ثقافة موسيقية واسعة، وهم منفتحون على أنواع الموسيقى كافة. ما رأيك بدمج الموسيقى الشرقية والغربية؟ - إنه جميل إذا اتسم بالذوق والتناسق. الموسيقى هي تنوّع ثقافي، من الجميل الجمع بين الموسيقى اللبنانية مثلاً والإيقاعات الكويتية. هذا التوافق بين البلدين حاولت تجسيده موسيقياً في حفلتي في جامعة الكسليك. هل تجد أن الشعب العربي وصل الى مرحلة يقدر فيها الموسيقى الصافية أم أنه لا يزال شعباً يؤثر الأغنية؟ - لا لم يصل بعد الى هذا المستوى. من المطلوب الاهتمام الإعلامي الأكبر بالموسيقى ولا سيما التلفزيونات. يقع الخطأ على الوسائل الإعلامية التي تروّج للأغنية التجارية والإيقاعية كأنها هي الموسيقى الحقيقية. لمن تسمع؟ - أستمع الى أنواع الموسيقى كلها وأحب أصوات فيروز ووديع الصافي وماجدة الرومي وأحب كذلك أصوات جورج وسّوف وفضل شاكر. ما هي مشاريعك المستقبلية؟ - بعد شهرين سيصدر لي ألبوم موسيقي عنوانه "رد الحياة" يتضمن اغنيتين بأصوات علاء الموسوي وعبدالله الرويشد وسيصدر لي آخر السنة كتاب موسيقي يضم زهاء 20 مؤلفاً موسيقياً كويتياً، وثمة أمسية سأقيمها في الكويت في "بيت لوذان" مع الفنان عبدالله الرويشد. وسأقيم في تشرين الثاني نوفمبر أمسية في دار الأوبرا المصرية، وفي بداية السنة المقبلة عام 2001 سأحيي حفلات عدة في الكويت التي ستكون عاصمة الثقافة العربيّة.