موسيقي كويتي يقدم ألحاناً سريانية كنسية... ليس في الأمر ما يشبه، مثلاً، فيلم "بدوية في باريس"، أو "كروكودايل داندي". وليس فيه غرابة، ما دام سليمان الديكان كنه سر الموسيقى، لغة عالمية لا تعترف بحدود، و"مناجاة... ولقاء يتم من خلال فرح اللحن، ودعاء يردد في المعبد وخارجه"، على ما ورد في كتيب وزع في أمسية "من صدى الأجراس" التي قدمها مساء أول من أمس في جامعة الكسليك، بالتعاون بين كلية الموسيقى فيها ومحترف الفنون والحرف "بيت لوذان" الكويتي الذي تترأسه وتديره الشيخة أمل صباح السالم الصباح التي كانت في مقدم الحضور، ورعاها السفير الكويتي في لبنان محمد سعد الصلال. والديكان من مواليد الكويت عام 1971 هو نجل الفنان الكويتي غنام الديكان صاحب "الإيقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية"، والكثير من المؤلفات الموسيقية. تأثر بوالده وأحب الموسيقى وهو بعد طفل، وتخصص فيها في معاهد كويتية، ويتابع منذ سنتين "دبلوم" دراسات عليا، في كلية الموسيقى في الكسليك، فضلاً عن إجادته العزف على البيانو والفلوت الغربي، وتأليفه مقطوعات موسيقية لأوبريت وأفلام سينمائية، وإحيائه أمسيات في الكويت وبعض دول الخليج ومصر، ونيله جوائز عدة، وله ست أسطوانات في الأسواق... وطموحه أن يمثل الكويت في أمسية عالمية تظهر الألحان والإيقاعات الكويتية الغنية والمتنوعة والعريقة، وتسلط الضوء على تراثها عالمياً. قال الديكان ل"الحياة" إنه تعرف فعلاً إلى هذا النوع من الموسيقى، قبل نحو سنة، حين وزَّع ترنيمة لأحد الملحنبن، ومذذاك، وبحكم دراسته في الكسليك، بدأ يتعمق فيه، حتى كانت أمسية الجمعة الماضي، التي قاد خلالها فرقة موسيقية مؤلفة من عازفين كويتيين ولبنانيين، وخمس منشدات لبنانيات يتمتعن بأصوات جميلة جداً، ورافقها أحياناً على الفلوت، وتضمن فصلها الأول أربع تراتيل من التراث السرياني، إحداها باللغة السريانية، وثلاث تراتيل لكل من زياد الرحباني والأب ألبر شرفان والأب لويس الحاج عميد كلية الموسيقى الذي أشرف على الأمسية، وقد قدمها الفنان الكويتي الشاب بتوزيع جديد، ومقطوعة "فنتازيا الأمل، وهي من تأليفه. أما الفصل الثاني فتنوعت مواضيعه: أغنيتان بالفصحى للكويت وللأسرى الكويتيين في العراق، وإثنتان بالعامية اللبنانية "من صدى الأجراس" و"ع تلال بلادي" على دلعونا... وكلها من تلحينه وتوزيعه. وإلى السر الذي أظهر سليمان الديكان أنه قابض عليه، موسيقياً، استطاع أن يدرك العمق الذي تمتاز بها الموسيقى السريانية، هي التي تبدو لسامعها بسيطة متقشفة وغريبة الإيقاع، وبالتالي عفوية شعبية، كما هي حال الموسيقى والإيقاع الكويتيين. لذا، ربما، لم يصعب عليه التعامل، توزيعاً ، مع هذه التراتيل. فسمح لنفسه بأن يضعها في مناخات جديدة تنوعت بين الكلاسيكية الغربية والجاز والمودرن، مستغلاً غنى فرقته الموسيقية بالآلات الغربية والشرقية، ومحافظاً على النغم الأساسي لهذه التراتيل، من دون أن يمس بجوهرها. ولفتت في مؤلفات الديكان قدرته على الانتقال بين المقامات وتطويعها بسهولة بالغة لا تخدش أذن السامع، وهو أمر لا يقدر عليه إلا المتمكنون، وإن ضمَّن بعض جمله الموسيقية أبعاداً بين النوطات وخواتيم، خصوصاً على الطبقة الخفيضة، ليظهر حرفة عالية في التأليف. ولعله، إلى كل ذلك يدرك كيف يعامل جمهوره. فإذا كان دغدغ الحضور الكويتي بأغنيتين نوستالجيتين عن بلاده، لم يشأ أن يودع الحضور اللبناني إلا بما يجعله يحاكي ذاكرته الشعبية، فكانت "الدلعونا" بلحن وإيقاع مختلفين عن المألوف، لكنها كادت تقيم الناس عن مقاعدهم ليعقدوا حلقات الدبكة...