منذ الثلثاء الماضي عندما بدأت قمة كامب ديفيد، اكتفى الفريق الأميركي برئاسة الرئيس بيل كلينتون بتوجيه كلمات التشجيع لرئيسي الوفدين الفلسطيني ياسر عرفات والإسرائيلي ايهود باراك مع الإعراب عن أطيب تمنياته لهما بالنجاح في حل مشكلة يدرك الجميع أنها من أصعب وأعقد المشكلات الدولية القديمة. ولكن، تحت ضغط عامل الزمن الذي صار بالنسبة إلى كلينتون الآن بضاعة نادرة نفيسة، وبسبب الفجوات الواسعة التي تفصل بين مواقف الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن من المؤكد أن يعمد الرئيس الأميركي قريباً إلى التدخل بعرض أفكار أميركية أملاً بزحزحة الفريقين عن مواقفهما التقليدية وحملهما على القبول بحلول وسط يخسر فيها كل منهما شيئاً من بعض مطالبه القصوى لقاء كسب أمور في قضايا أخرى أكثر أهمية له من وجهة نظره. وبالطبع، فإن الجانب الأميركي بات مطلعاً على أدق تفاصيل القضايا الجوهرية الجاري بحثها، وهي القدس واللاجئون والحدود والمستوطنات وترتيبات الأمن وغيرها، وعلى مواقف الطرفين منها والخطوط الحمر التي رسمها كل منهما لنفسه أمام جمهوره. والأميركيون جاهزون بأفكار وأفكار بديلة في كل موضوع، ويقال إن فريقهم أجرى تدريبات استمرت يومين قبل القمة الحالية لمواجهة تطورات المفاوضات. من هنا، وبالنظر إلى أن الرئيس كلينتون تواق إلى احراز نجاح في عملية السلام في الشرق الأوسط يضمن له مكانة مرموقة في سجل تاريخ الرؤساء الأميركيين والعالميين، فإن الإدارة الأميركية لن تدخر جهداً أو وسيلة في سبيل دفع الجانبين إلى عقد اتفاق شامل وشبه نهائي، إن لم يكن نهائياً، و"عادل"، كما قال الرئيس كلينتون أول من أمس. ومن المؤكد أيضاً أن عرفات وباراك يحدوهما الأمل بالتوصل إلى اتفاق مهما صعب على كل منهما تصور أنه يمكن أن يتنازل عن موقف طالما تشبث به. ذلك ان الفشل يمكن أن يؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة لا يعلم أحد كيف وإلى ماذا سينتهي. ولكن على رغم كل التمنيات الطيبة للقمة، وسعي الأميركيين الجاد إلى انجاحها، فإن من المستحيل المساواة في معرض الحديث عن حلول وسط و"تنازلات" بين مواقف إسرائيل التي اعتدت على قرارات الشرعية الدولية وأدامت ل33 عاماً احتلالها لأراض بالقوة، وبين مواقف الفلسطينيين وحقوقهم التي يعتبرها القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة غير قابلة للتصرف. لقد أوهم الإسرائيليون أنفسهم، كما كتب المعلق الصحافي الإسرائيلي حيمي شاليف أمس، ل33 عاماً، بأن بوسعهم أن يتوصلوا إلى سلام مع الفلسطينيين ويحتفظوا بالقدسوبالضفة الغربية من دون أن يقروا بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وقد أصاب شاليف بقوله إن على باراك إذا أراد التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ان يسلم عملياً بحق اللاجئين في العودة وبحقهم في أن تكون القدسالشرقية عاصمتهم وبحقهم في استرداد 95 في المئة من الضفة الغربية لقاء تعويضهم عن ال5 في المئة الباقية بأراض من داخل إسرائيل. إن أي حلول تتجاهل هذه الحقوق الفلسطينية أو ترجئ احقاقها ليس من شأنها إلا أن تزيد الصراع تفاقماً. ويؤمل بأن يكون الأميركيون مصممين على مساعدة الجانبين في التوصل إلى اتفاق تاريخي بالمعنى الحقيقي لهذه العبارة.