يتقاسم الأكراد والعرب الجغرافيا والتاريخ والدين بينهما أكثر من القواسم المشتركة التي تحتم عليهما التكيّف الشاقولي والأفقي لإقامة علاقة عربية - كردية. فالندوات والحوارات الكثيرة التي اجتمعا عليها في اللقاءات المحلية والإقليمية والدولية، وخصوصاً الأنتلجنسيا المثقفون الكردية والعربية في إطار العلاقات التصالحية كثيرة وعلى الطرفين أن يمتلكا الشجاعة لتجاوز القرارات والأفكار الشاذة التي تحول دون التوصل الى حلول للطرفين. على الأنتلجنسيا أن ترمي وراء ظهرها تلك المفاهيم العالمية كفهوم القوميات وتداعيات الأمن القومي والخوف من إنشاء دولة كردية الى ما هنالك. لم تكن العلاقات الكردية العربية يوماً مبنية على أرضية سليمة، ما خلا بعض الفترات التاريخية. ولو نبشنا كتب التاريخ لوجدنا أن بعض الفترات التي مرت على الشعبين فيها نوع من الاحترام المتبادل كاحترام اللغة والعادات والثقافة واحترام وجود الآخر. حتى تكون العلاقة المتبادلة صحيحة وبعيدة عن الحق والنظر بعقلانية وموضوعية الى الآخر، فهذا يتطلب في الدرجة الأولى جهداً من الطرفين لرأب الصدع ومعالجة الحال الصدامية، والاعتراف بأن الاثنين شركاء وأشقاء في الأرض والتاريخ. إن هذه العزلة السائدة وعدم الثقة المتبادلة، منذ تشكلت الحكومات العربية في فترة الخمسينات والستينات بعد حصول دول المنطقة على استقلالها دفعت بهذه السلطات الحكومات الى تشديد الحصار على الشعب الكردي، وفرضت عليه حياة اغترابية في داخل الوطن والمنافي. وإن لتكوين حال سديمية بين الشعبين على رغم أن التاريخ يحدثنا عن التعايش المشترك حين شكلا قوة حكمتْ المنطقة ردحاً طويلاً من الزمن عند توحدهما في وجه الغزوات الشرقية تتار - مغول والغزو الغربي الافرنجي. وعلى رغم مرور سبعة قرون على ذلك العصر، بدأنا نحارب للآخرين ومن أجل الآخرين. على الأنتلجنسيا العربية الكردية فهم هذه الحقيقة وتغيير نظرتها لنبدأ من جديد ببناء حياة مشتركة قائمة على الأخوّة والشراكة في الوطن. الآن، على رغم استمرار الإنكار للشعب الكردي، وخصوصاً عدم بيان السبب في انعقاد المؤتمر الثاني للحوار العربي - الكردي، تحت مظلة لجنة التضامن المصرية بمبادرة أحمد حمروش وهو المؤشر الأبرز والأخطر كونه يعطي دلالات واضحة عن العلاقات الكردية - العربية والمرحلة المقبلة. على كل حال، وبعيداً عن كل المبررات التي يدعيها طرفا العلاقة فإن الهدف النهائي هو إنهاء معاناة الشعب الكردي وإعادة اللحمة الى العلاقات وفك عقدة عدم استيعاب البعض للآخر. وفي سياق الحوار العربي - الكردي كانت هذه اللقاءات مع عضو المكتب السياسي ومسؤول مكتب دمشق للحزب الديموقراطي الكردستاني غازي زيباوي، والكاتب في الشؤون التركية - الكردية نظام مارديني، والباحث في الفكر السياسي عبدالرزاق عيد. * كاتب كردي كيف تنظر لمستقبل العلاقات العربية - الكردية، وهل تؤمن بصيغة الحوار العربي - الكردي؟ - هناك شقان للسؤال: الأول، يجب الاعتراف ونحن على أعتاب الألفية الثالثة، وفي خضم تحولاتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، أن هناك من المشكلات وتراكماتها ما يعكر آفاق الاستقرار داخل المجتمع الواحد ويهدد بالخطر تطلعات هذا المجتمع للحاق بركب التطور والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذه المشكلات يجب أن تجابه برؤية حضارية هادفة وإلا سيبقى مجتمعنا يعيش أسير التهميش والتفتت، ليس على صعيد المسألة الكردية فقط بل وعلى صعيد كل الفئات الإثنية والمذهبية، التي يتكون منها مجتمع الهلال الخصيب. الثاني، إن الأكراد هم جزء أصيل من تكويننا الاجتماعي - الإثني في الهلال الخصيب، الذين شاركوا في تكوين حضارته وقيمه وأسسه. أما الحوار فيجب أن يكون بين مجتمع الهلال الخصيب والأكراد الذين هم على تخوم هذا الهلال في "كردستان". فالأكراد على ما هم في موقعهم الآن فلكونهم ضحايا السياسات الصفوية والعثمانية وتقسيمات الانتداب الفرنسي - البريطاني وهم أيضاً ضحايا الأنظمة التي قامت على أنقاض سايكس - بيكو. ألا ترى أن هناك خصوصيات ثقافية لكل مجموعة اثنية حتى داخل مجتمع الهلال الخصيب؟ - في غياب الهوية الواحدة للمجتمع دعنا نقول إن الخصوصيات الثقافية تبرز كهويات دفاعية للمجموعات التي تخشى التهميش وطغيان الثقافات الأخرى داخل المجتمع، والمبالغة في الحديث عن الخصوصيات الثقافية تؤدي في كثير من الأحيان أن تكون أدوات بيد السلطة لمنع انطلاق الحرية والديموقراطية والتعددية والحديث عن حقوق الإنسان. أيضاً هناك نقطة أساسية لمسألة خصوصية الثقافة، نعم هناك خصوصية ثقافية للجماعات لكنها لا تلغي الخصوصية الأتم، أي الهوية الواحدة، فهل تلغي الجداول النبع؟ كيف تحدد نقاط الضعف والقوة في مسألة الحوار...؟ - ... الحوار هو أحد أساليب التعرف على الحقائق داخل المجتمع، بعيداً عن الاتهامات بين الجماعات المتحاورة... بمعنى، لم يعد ممكناً التغاضي عن الجماعات الاثنية والمذهبية بذريعة أن ذلك يشكل خطراً على الأمن القومي. فمن جهة علينا الاعتراف أن وحدة الجماعات ضمن بيئة محددة وهوية واحدة تشكل الضمانة الأساسية لقوة المجتمع، ومن جهة ثانية علينا وعي أن مسألة الحوار داخل المجتمع تصح على منظومة قيم وأحزاب ومبادئ ونظريات، هذا الحوار هو الذي يغني المجتمع بجماعاته المتعددة والمختلفة داخل الهلال الخصيب. الحوار والحقيقة إذاً هما شيئان متلازمان وهذا تحصيل حاصل، وعندما تطرح العلاقة بين العرب والأكراد، فإن إشكاليات عديدة يمكن أن تطرح على هامش هذه العلاقة التاريخية التي يشوبها الكثير من الهزات السياسية والأمنية نتيجة أسباب متنوعة وعديدة. حاول بعض الباحثين العرب مناقشة إشكالية هذه العلاقة وظروفها وأسباب ترديها في كثير من الأحيان إلا أنه لم يقارب السؤال الجوهري حول هذه الأسباب الكامنة وراء تدهور العلاقة، ودور انظمتنا السياسية ودور القوى الخارجية بسبب مصالحها العليا. وأدى ذلك الى جدار عال من العقد النفسية والعنصرية والاجتماعية وخلق انقسامات عمودية وأفقية داخل مجتمع الهلال الخصيب. يقال إن للعولمة تأثيرها على مسألة الحوار العربي - الكردي وعلى بقية الفئات داخل منطقة الشرق الأوسط؟ - دعنا من هذا الكلام الاتهامي، صحيح أن العولمة جاءت في ظل ترد انساني في منطقة الشرق الأوسط وربما ساهم هذا المناخ الموضوعي من التردي في تخويف جماعات الهلال الخصيب. وأعتقد من خلال موقعي أنه آن الأوان ليقوم المفكرون الأكراد والأشوريون والسريان والعرب وبقية الفئات، بدور تنويري يقوم على توضيح الحقائق من دون خوف من أصحاب الشعارات التخوينية ورجالات محاكم التفتيش الذين ينصبون المشانق لكل من يخالفهم الرأي ولكل من يريد جرنا للوراء في عالم جديد لا ثابت فيه إلا التغيير. إن ثقافة الحوار يجب أن تكون المقدمة الضرورية لإشاعة الثقافة الديموقراطية والعولمة وإن مقاربة ظاهرة العولمة لا تكون بمقاتلة العالم، بل بالتفاعل مع العالم كما يقول إدوارد سعيد. ما تقدم يستدعي الدخول في صلب موضوع الديموقراطية والحريات والتعددية، أي أن للحوار مستلزمات كيف تحدد هذه المستلزمات وما هي؟ - المسألة الكردية برأيي هي قضية الجماعات عموماً في مجتمعنا وهي مسألة ترتبط بالديموقراطية وهي المسألة التي تحتجب فيها حقوق الجماعات حين تتوارى حقوق الإنسان. ولسنا بحاجة الى التأكيد على أن التعددية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان هي أدوات ثقافة المواطنة وثقافة المواطنة ليست على أساس الدين أو العنصر، لأنها حتى ولو كان ذلك فإنها تفسر بمذهبية دينية وعنصرية، لكن المواطنة على أساس حقوق الإنسان. إذاً، كيف يمكن معالجة القضية الكردية داخل مجتمع الهلال الخصيب...؟ - هناك مجموعة أفكار تتشكل منها خطة العمل لمعالجة المسألة الكردية خصوصاً ومسألة الجماعات الأخرى في مجتمعنا عموماً، وأهم الأفكار هي: - اجتماعياً: إنشاء احتكاك تعارضي بين أوساط اجتماعية مختلفة منتخبة والوسط الكردي، والتوغل في عمق المتحدات الكردية. - حقوقياً: الإعلان عن الحقوق الأساسية للمواطنين عموماً وما هو مسلوب من الأكراد خصوصاً والدفاع عن هذه الحالات في المحاكم المختصة في دول الهلال الخصيب، من جهة الحقوق المذكورة والتوعية في الأوساط الكردية الى وجود حقوق مجتمعية بالمقابل لفئات أخرى من الشعب واجب احترامها في مناطق الانتشار الكردي المكثف. - إعلامياً: إحضار الشأن الكردي الى دائرة الاهتمام العام كأمر ملحّ وصوغ مصالحة نفسية معه واحتضانه وتسليط الضوء على مسائل الشمال شمال الهلال الخصيب عموماً، والقسم الكردي منها خصوصاً ومهاجمة وتصويب الآراء والطروحات التي تعزل الأكراد عن مجتمعهم وتحرمهم من الحقوق المدنية. وتشترط الشروط الخاصة عليهم وتحميل هذه الجهات الأنظمة و الأحزاب مسؤولية إضرام حرب أهلية مجرمة على طراز ما جرى في شمال العراق.