أبناء الشخصيات البارزة ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً، هل يحملون رسالة مماثلة لرسالة آبائهم أو أمهاتهم، وللبيوت التي نشأوا أو تربوا فيها؟ أين يتشبهون؟ وأين يستقلون؟ وكيف يرون المستقبل؟ الواقع هذا ما نحاول تلمسه مع شيرين محفوظ الأنصاري 28 عاماً التي تخرجت في قسم المسرح في الجامعة الأميركية في القاهرة، والتي اختارت مجال رواية أو قص الحكايات أو "الحواديت" بعد تجربة مسرحية لم تستمر طويلاً. ووجدت في رواية الحكايات، وخصوصاً قصص ألف ليلة وليلة، فضاء رحباً لتحقيق أحلامها. نبدأ من الأسرة والمحيط العائلي، وتحديداً شخصية الوالد، كيف لعب دوره في حياتك، لا سيما في ظل اهتماماته الثقافية والفنية؟ - يمثل محفوظ الأنصاري بالنسبة إلي القدوة والمثل الأعلى، وأذكر أنه حين كنا نعيش في فرنسا حيث كان يعمل أبي مراسلاً صحافياً لوكالته أنباء الشرق الأوسط، كنت أقرأ له الجرائد الفرنسية، إذ كان يحب أن أقرأها بصوتي، وكنت أقلده تماماً كي أكون صورة مصغرة منه، فكنت أرتدي النظارة الطبية وأقص شعري مثل قصة شعره، وأحمل الكتب الى كل مكان، ومن طريقه تعرفت أيضاً الى فناني السينما العالميين ومنه اكتسبت حب الفن، أما عن القراءة، فقد كنت أقرأ منذ الصغر، وجمع بيني وبينه حب الروائي الروسي دوستويفسكي، والشيء الذي أذكره، أنه كان يتعجب من القراءات التي كنت أختارها وأنا صغيرة، ويتعجب من اهتمامي بمثل هذه المفاهيم المعقدة، كما فتح عيني على كيفية قراءة الفن السابع: كيف أدى الممثل دوره، كيف كان الديكور موفقاً، كيف تحكّم المخرج في إدارة طاقم التمثيل والمساعدين والفنيين. لقد قاد خطاي إلى الفن من دون أن يشعر، لكنه كان يرغب أن أفهم آليات التلقي من دون أن أصبح ممثلة، وتعلمت منه الجدية والالتزام والمثالية، ومساعدة الآخرين والحرية ومواجهة العالم مهما حدث برؤية أخلاقية، فلا مكان للتراجع. لماذا لم يقع اختيارك على مجال الصحافة مثل والديك؟ - كان الجميع يعتقدون أنني سأصبح صحافية مثل أبي وأمي، وكنت في الفترة التي قضيتها في فرنسا شديدة الاهتمام بجميع الصحف وما يصدر من أخبار، وكان والدي يعارض أن أصبح صحافية، نظراً لمعرفته الكبيرة بمخاطر وهموم هذه المهنة الممتعة والشاقة في الوقت نفسه، لكن ما باليد حيلة، انتصر الفن في داخلي على الأشياء وأصبح هو وحده سيد قلبي. وكيف كان دخولك مجال الفن، خصوصاً التمثيل والمسرح، وهل وجدت معارضة من الأهل؟ - منذ الصغر، وتحديداً في مرحلة التعليم الابتدائية بزغت بذرة الفن داخلي، فالتحقت بفريق التمثيل في المدرسة، وشاركت في عروض عدة، وما ان أنهيت دراستي في المرحلة الثانوية حتى أردت السفر الى فرنسا لدراسة التمثيل هناك، ولم يجد هذا القرار لدى الأسرة سوى الرفض التام فرضخت لهذا المأزق بعض الوقت وقرر أبي إلحاقي بالجامعة الأميركية، فوافقت، وانفرجت الأزمة عندما افتتح بها قسم جديد للمسرح، وأرسلني أبي الى صديقه الكاتب لويس جريس مسؤول العلاقات العامة في الجامعة وقتها، ليغير رأيي، لكنني وجدته مختلفاً تماماً فقال لي افعلي ما تريدينه، وضرب لي مثلاً بنفسه إذ كان أبوه يريد أن يلتحق بكلية غير الإعلام، لكن جريس هادن ودخل التخصص الذي يحبه، وفعلت مثل فعله. وأحببت لويس جريس بشدة منذ تلك اللحظة، ورضخت الأسرة في النهاية للأمر على مضض، وقال لي أبي: "سعيد بمحاربتك من أجل تحقيق ما تريدينه". وبعد كل هذه السنوات من العمل في التمثيل المسرحي وقص الحكايات، بماذا تفسرين معارضة الأهل؟ - أستطيع أن أفسر المعارضة الكبيرة جداً التي تعرضت لها عندما أردت الالتحاق بقسم المسرح، كانوا يخافون عليّ من صعوبة هذا المجال، فهو مجال مرهق ولا يتضح هذا إلا بعد التجربة والممارسة، وأذكر أنهم كانوا دائماً يقولون إنني سأتخصص في الإخراج للأهل والأصدقاء حتى يخففوا من حرج الموقف، وأعود الى أيام الدراسة الجامعية، فأقدر حجم المعاناة التي تحملتها الأسرة من أجل إرضائي فكنت أخرج في الصباح المبكر، ولا أعود إلا في منتصف الليل، ففي الصباح محاضرات القسم، وبعد الظهر بروفات العروض، وفي المساء كنت أشارك في ورش عمل الأوبرا المسرحية. لكنك تركت المسرح من أجل رواية "الحواديت"، ما السبب؟ - كان ترك المسرح صدمة تالية للأسرة، خصوصاً والدي، لم يحقق المسرح ما كنت أحلم به، فالمسرح عبارة عن علبة، سجن، فأردت تحقيق طموحي وشوقي العارم الى الحرية خارجه، فالهواء الطلق أرحب وقص الحكايات أفضل. قضيت في فرنسا فترة ليست قليلة من عمرك، عشر سنوات في الصغر، وسنتين في الكبر، علاوة على زياراتك المستمرة، كيف ترين الوطن من هناك؟ - على رغم أنها قد تمثل لي المثل الثقافي، فإنه من هناك يمكن رؤية الوطن "مصر" في صورة أفضل، عندما تكون في الخارج تتعلم أشياء كثيرة وتزداد إمكاناتك. في فرنسا أحببت مصر أكثر من أي وقت مضى، ففي مصر كل شيء على طبيعته يتميز بالفطرة والتلقائية، وفي الشارع المصري تكتشف كل يوم جديداً، فهنا في مصر تمارس حريتك كما تشاء، على عكس فرنسا يبدو فيها كل شيء منسقاً ودقيقاً للغاية، ويفتقر الى الروح. ما طموحك للمستقبل؟ - أحاول أن أكتب حكايات مؤلفة على نهج ألف ليلة وليلة، وأتمنى أن أكمل مشروع ألف ليلة وليلة، وأن أخاطب من خلاله الجميع من كل الطبقات، فهدفي إشاعة الحلم بين الناس، كذلك أرغب في أن أخرج فيلماً روائياً طويلاً. هل لديك رغبة في التمثيل في السينما أو التلفزيون؟ - أرفض التعامل مع التلفزيون، حتى أنني لا أحب أن تُصور حكاياتي أو حتى أن أضع "الميكروفون" بين ثيابي حتى لا يُحدث ما يقلق المستمع، فأجمل ما في هذه العروض التي أقدمها هو جوها الحي الذي ينتمي الى المعيشة لا الآلية، كذلك أرفض السير في الطرق الممهدة، فهناك مليون طريق آخر لم تُطرق بعد. ممن تعلمت فن الحكواتي؟ - في المسرح توصلت الى فن الحكاية، وهو خليط من أشياء عدة من التمثيل المسرحي والرقص الإيقاعي والمايم يشبه البانتومايم وأحاول تقديم هذا الفن بجهود فردية. وما هواياتك الأخرى؟ - الرقص الإيقاعي، والقراءة المستمرة في كل المجالات، والسباحة، والمشي لمسافات طويلة. تحدثنا عن دور الوالد في حياتك بإسهاب، فماذا عن دور الوالدة؟ - أمي هي أول من أخذني الى المسرح في فرنسا، وأعتقد أنها عندما ذهبت الى فرنسا للمرة الأولى كانت تبحث عن المسرح، وتعلمت منها أيضاً عادة التنزه والمشي، وكذلك الذوق وأصول الاتيكيت. وأذكر أنني كنت أصحبها وأنا صغيرة لشراء الانتيكات، وكنت أحب هذه الأشياء على عكس إخوتي الذين كانوا يتضايقون من مشاهدة هذه الأشياء المملة في رأيهم، وأهم ما يميز أمي أنها حالمة ومثالية ونشطة، وكانت تحضر كل العروض سواء قبل أن توافق على عملي في الفن أو بعدما وافقت، فلم تترك عرضاً من دون أن تشاهده منذ كنت تلميذة صغيرة في المدرسة الابتدائية، ومن طريقها انزلقت قدماي الى بئر الفن. ما رأيك في مستقبل فن الحكاية في مصر أو العالم العربي عموماً، وهل يمكن مقارنته بمثيله في الغرب؟ - لا نزال في البداية وأمامنا فترة كبيرة حتى نحقق أو نقطع شوطاً في هذا المضمار، ولا يمكن المقارنة بأي حال من الأحوال بين الغرب المتقدم في هذا المجال، ونحن في مرحلة الإعداد، وأتمنى أن تحدث طفرة من أجل رفعة هذا الفن ودفعه الى الأمام في المستقبل، من خلال ممارسيه وجمهوره ومدارسه ودراسته أكاديمياً والتنظير له، وأتمنى أن يحدث هذا قريباً.