قبل نحو العامين عاشت شاشات التلفزة في لبنان مفارقة لافتة. أعلنت احدى المحطات الفضائية أنها تملك الحق الحصري لنقل مباريات كأس العالم في كرة القدم التي جرت وقائعها في فرنسا. وفي الوقت نفسه، تولى التلفزيون الرسمي نقل تلك المباريات وعضد بثه بتعليق تولاه المذيع المصري مدحت شلبي، وهو لاعب سابق ومدرب، مما أعطى البث الرسمي جاذبية خاصة. هل تشهد الشاشات العربية مفارقة مماثلة، مع إضافة مسألة التكلفة والعلاقة "المالية" "اذا جاز التعبير" بين الأقنية الفضائىة والمشاهد العربي؟ منذ أسابيع قليلة، تدأب إحدى الفضائيات على بث إعلان عن "قناة" مخصصة لنقل مباريات الأمم الأوروبية في كرة القدم للعام 2000، مع التأكيد على الحق الحصري الذي حازته تلك الفضائية في البث إلى الشرق الأوسط. وتطلب الفضائية من مشاهديها أن يدفعوا اشتراكاً خاصاً لمشاهدة تلك المسابقة، وكذلك شراء جهاز وبطاقة خاصين لتلك "القناة"، وذلك بالإضافة إلى ما يدفعونه أصلاً لقاء إشتراكهم في تلك الفضائية، وما سبق لهم شراؤه من أجهزة فك التشفير!! الأنكى أن جمعاً من الأقنية في "الشرق الأوسط" اياه بادر إلى الإعلان عن قيامها بالنقل المباشر لمباريات "أوروبا - 2000" ومنها قناة الرياضة في تلفزيون دبي ونظيرتها في أبو ظبي، كما تنقل محطتان حكوميتان على الاقل هما "تي أل" TL اللبنانية، والقناة الرياضية المصرية المسابقة عينها ومجاناً! كيف سيتصرف مشاهدو القناة الفضائية التي يبدو أنها لن تكون وحيدة في نقل المباريات؟ هل سيلجأون إلى المطالبة بتفسير مقبول ومقنع لهذه المفارقة؟ ماذا لو طالب أحدهم أو جمع منهم باسترداد الأموال؟ وما الذي يضمن أن تلك الملابسات، التي يدفع ثمنها الجمهور وحده، لن تتكرر في مناسبات أخرى؟ بالطبع، يقود النقاش إلى السؤال حول دور الدولة والمؤسسات المحلية وعلاقاتها مع الشركات "العابرة" للحدود، لكن هذه العجالة ليست بالمقام المناسب لذلك القول. ثمة استطراد: ما هو المقصود "بالشرق الأوسط"؟ من الناحية السياسية، ينطبق هذا التعبير، في بعض المؤسسات الدولية، على دول مثل تركيا وإيران مثلاً، وفي كل الأحوال فإن اسرائيل هي دوماً ضمن الحدود الجغرافية لهذا التعبير. هل تنطبق الحقوق الحصرية على ما تذهب إليه حدود الجغرافيا السياسية أم أنها تحتفظ بحدودها الخاصة؟