} دعا الناطق باسم "المجلس الوطني للحريات" في تونس غير المرخّص له الدكتور منصف المرزوقي الى إعلان عفو تشريعي عام في تونس. وقال في مقابلة مع "الحياة" على هامش زيارة قام بها للندن هذا الأسبوع، ان المطلوب ان تُغيّر تونس تعاملها مع "ممثلي المجتمع المدني" وان تتوقف عن اعتبارهم "خارجين عن القانون". والمرزوقي من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في تونس. كان يرأس سابقاً الرابطة التونسية لحقوق الإنسان. وهو أسس مع آخرين "المجلس الوطني للحريات" الذي رفضت السلطات الترخيص له، بل رفعت دعاوى أمام القضاء ضد القائمين به. وبعد حملة شنتها منظمات حقوقية في دول عدة، بدا ان السلطات التونسية تنتهج سياسة مختلفة نوعاً ما مع قسم من معارضيها. إذ أعادت جواز السفر للدكتور المرزوقي ولناشطين حقوقيين آخرين، مثل خميس قسيلة، وسمحت لهم بمغادرة تونس. كذلك أكد رئيس الدولة زين العابدين بن علي الذي يزور الولاياتالمتحدة الشهر المقبل، "حق" التونسيين في الحصول على جوازات سفر. وفي ما يأتي نص المقابلة: لوحظ في الفترة الأخيرة ان الحكم التونسي غيّر في تعامله مع موضوع حقوق الإنسان. إذ أُعيد جواز سفرك وجواز سفر خميس قسيلة وسُمح لكما بالمغادرة. فما هو تقويمك لهذا التغيير؟ - أُريد تصحيح شيء في ما يخص جواز سفري. في البدء أُعطيت جواز السفر لكنني مُنعت من مغادرة تونس بحجة أن لدي قضايا عالقة. رفضت ذلك وقلت: ماذا أفعل بجواز السفر إذا كنت ممنوعاً من استخدامه. من بين القضايا التي بُرر بها منعي من السفر: نشاطي في ما يخص موضوع حقوق الإنسان في إطار "مجلس الحريات"، ورفض الجامعة التي أعمل فيها منحي إذناً بالمغادرة. وأتوقّع ان تحصل لي مشاكل مع إدارة الجامعة التي تتعسف ضدي، عندما أعود الى تونس. في أي حال، أعتقد ان السلطة تُعطي من اليمين وتأخذ من اليسار. تمنحك جواز السفر وتمنعك في الوقت ذاته من استخدامه. لذلك فإنني متشائم. المطلوب ان يتغيّر مستوى تعامل السلطة مع الذين تعتبرهم خصومها. يجب ان تعاملهم على أساس أنهم شخصيات سياسية وحقوقية، بينما النظام لا يزال يتعامل معهم كأعداء وكموظفين يخضعون لقانون الوظيفة العمومية. القضية ليست قضية منصف المرزوقي، بل هي قضية الغلابة المساكين الذين ليسوا تحت أضواء الصحافة العالمية. هؤلاء لا تزال حقوقهم مهضومة حتى الآن. لا يزال مئات منهم محرومين من جوازات السفر، وألف شخص يقبعون في السجون، وزعيم الحزب الشيوعي حمة الهمامي مطارد وملاحق ولم يسوّ وضعه، والالاف من الذين خرجوا من السجون لا يزلون من دون عمل ومرغمين على التوقيع في مراكز الشرطة ليل نهار، ولا تزال الصحافة في مستواها على رغم كل الكلام عن تحريرها، والمجلس الوطني للحريات لا يزال محظوراً. فإذا كانت هناك فعلاً إرادة للتغيير في هذا المجال، فإن الأشهر المقبلة هي التي تحكم على ذلك. ما هو المطلوب في نظركم لحصول التغيير المنشود؟ - المطلوب ان يتغير التفكير في رأس الدولة ليتعامل مع ممثلي المجتمع المدني على أنهم ممثلو المجتمع المدني. لكنه يتعامل معنا على أساس أننا خونة ومجانين أو مناوئون. نحن نخبة المجتمع المدني نطرح قضاياه من موقع الوطنية والمواطنة. فإذا تعاملت السلطة معنا بهذا المنطق فهذا شيء جيد، لكنها لا تزال تتعامل معنا على أساس أننا خارجون على القانون. ولكن رئيس الدولة نفسه قال ان جوازات السفر هي حق لكل مواطن. - هذا كلام جديد. إنه كلامنا نحن. في السنوات العشر الماضية تمتعت بجواز سفري قرابة سنتين فقط. صودر جوازي في العديد من المرات. في المرة الأخيرة سُحب مني ثلاث سنوات من دون أي تغطية قانونية لذلك. إذن، كلام رئيس الجمهورية كلام جميل وجديد كنا ننادي به منذ سنوات. لكن هل يُطبق هذا الكلام؟ لدينا تجربة مع السلطة: إنها تأخذ منا شعاراتنا وتُفرغها من محتواها. إن أبسط قواعد الديموقراطية غير محترم في تونس. إننا لا نريد خطابات، نريد أفعالاً. وعندما تتحقق هذه الأفعال سنقول عندها ان هناك فعلاً توجهاً جديداً. ولكي يكون هذا التوجه الجديد نهائياً يجب ان يتوضح فيه أمران: أولاً، طريقة التعامل مع المجتمع المدني. إذ يجب ان تتوقف طريقة التعامل الأمني معه، ويبدأ التعامل السياسي. هذه الخطوة الأولى. أما الخطوة الثانية فهي العفو التشريعي العام. هذه هي المطالب الرئيسية للمجتمع المدني. يجب إطلاق كل المساجين، سواء كانوا إسلاميين أو شيوعيين. كل من دخل السجون من أجل أفكاره يجب ان يخرج منها، لأن هذا أبسط حقوق المواطنة. لماذا الإصرار على العفو التشريعي العام، ما دام رئيس الدولة يقول انه مستعد أن يعفو عن كل من يطلب العفو؟ لماذا تجعلون من هذه النقطة عائقاً أمام تسوية الأزمة؟ - هذا غير ممكن. الذين دخلوا السجون غالبيتهم تعرّضوا للتعذيب، وغالبيتهم حوكموا أمام محاكم لا تتوافر فيها الشروط. هم ليس لهم ان يُطالبوا بالعفو. الدولة هي التي يجب ان تطلب العفو. تعريف العفو هو ان تطلب الدولة ان يُعفى عن المظالم التي ارتكبتها في حق هؤلاء الناس. الدولة يجب ان تعطيهم حقوقهم وتعتذر لهم. هؤلاء دخلوا السجون لأنهم مارسوا حقوقاً شرعية. الذين مارسوا العنف منهم لا يكادون يوجدون. الغالبية الساحقة من الذين دخلوا السجون، سواء من الإسلاميين أو الشيوعيين أو الديموقراطيين، دخلوا بسبب ممارستهم حقوقاً يضمنها الدستور. هؤلاء يجب الإفراج عنهم والإعتذار منهم والتعويض عليهم ومعاقبة الذين مارسوا التعذيب بحقهم. كيف نتوقع ان تطلب الضحية العفو عنها؟ يزور الرئيس بن علي الولاياتالمتحدة قريباً. هل ترى إرتباطاً بين الزيارة وطي موضوع حقوق الإنسان في تونس؟ - أتمنى ان لا يكون هناك ارتباط بين الموضوعين. يجب ان لا يربط التحسن في موضوع حقوق الإنسان في تونس بزيارة الى هذا البلد أو ذاك. هناك إشكالية في المجتمع التونسي تتمثّل في ان المجتمع مؤهل لممارسة الديموقراطية لكنه ممنوع منها. يجب ان يُرفع هذا المنع لكي يمارس شعبنا حقوقه المشروعة وسيادتنا الوطنية. السلطة تقول ان مفهوم السيادة الوطنية هو انه يحق للدولة ان تتصرف بمواطنيها كيفما تشاء. نحن نقول ان مفهوم السيادة الوطنية انه يحق للشعب، داخل حدود دولته المعترف بها دولياً، ان يكون له الحق في تقرير مصيره وممارسة حريته بما فيها حرية الرأي والتعبير وحرية اختيار من يريد. هم يريدون سيادة الحكومة على الشعب ونحن نريد سيادة الشعب على الحكومة. علاقة تونس بأميركا لا تهمنا. هي علاقات دولة بدولة. إشكاليتنا هي علاقة الدولة مع المجتمع. الدولة متخلّفة والمجتمع متقدم يريد ان يعيش في عصره. النظام التونسي في سعيه الى معالجة فشل الأنظمة الإستبدادية العربية لجأ الى تزييف الديموقراطية وقال اننا لسنا نظاماً إستبدادياً وانما نظام ديموقراطي. فخلق ديموقراطية مزيفة وأحزاباً معارضة مزيفة ومنظمات مزيفة. الأنظمة العربية الإستبدادية مُطالبة بأن تتماشى مع عصرها وتصبح ديموقراطيات فعلية أو ان تختفي. ما هو تعليقك على مقولة ان النظام التونسي نجح على رغم كل ما يُقال عن انتهاكه حقوق الإنسان، في تحقيق إنجازين: تفادى ان تُصبح أراضيه جزائر أخرى، وحقق رخاء إقتصادياً لمواطنيه؟ - المقولة الأولى لا أقبلها لسبب بسيط هو ان تونس على رغم انها ملاصقة للجزائر فإنها تختلف عنها تماماً في كل خصائصها. تونس بلد مفتوح، ليس فيه جبال وهضاب، وليس فيه مجتمع عاش حرباً وانتج ناساً عنيفين، وتونس ليس فيها المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي يواجهها الشعب الجزائري الشقيق الذي نتألم لمأساته. إذن لا شيء يختلف عن الجزائر قدر اختلافها مع تونس. فحتى لو سُمح للأحزاب الإسلامية بالعمل في تونس فإن أقصى ما كان يمكن ان يكون عليه وضعها هو ان تكون على الطريقة الأردنية، أي ان يكون تمثيلها محدوداً في البرلمان. حظ تونس ان الإسلاميين فيها معتدلون. إذ على رغم الكثير من العنف الذي مورس عليهم فإنهم لم يلجأوا الى العنف. ان التونسيين في طبيعتهم يتفادون العنف. أما قضية التحسن الإقتصادي، فالنهضة الإقتصادية لم تبدأ بالظهور في عهد الرئيس بن علي بل في آخر عهد بورقيبة في إطار ما يُسمى "الإصلاحات الإقتصادية". بورقيبة أعطى لتونس شيئين مهمين: التعليم وحقوق المرأة، مع ما يعني ذلك من تناقص في عدد الولادات ومشاركة النساء في العمل. نحن جنينا في الثمانينات والتسعينات ما زُرع في عهد بورقيبة في الستينات. الحكم الحالي ورث من عهد بورقيبة إرتفاع مستوى التعليم ونقص عدد الولادات. كذلك استفادت تونس - وأقول هذا بشيء من الذنب - من المشاكل التي عصفت بالجزائر العنف منذ 1992 وبليبيا العقوبات الدولية منذ 1992 أيضاً. لكن المشكلة أن ما زرعناه في التسعينات من مشاكل سنحصده في السنوات العشرين المقبلة. وأهم هذه المشاكل تراجع مستوى التعليم، وتفشي اللامبالاة والإنتهازية في المجتمع، والفساد الذي ينتشر في كل طبقات المجتمع. سنعاني من كل هذا في المستقبل. كذلك فإننا عندما نتحدث عن رفاه إقتصادي فيجب ان نحدد أي طبقة يطالها هذا الرفاه. انه يطال طبقة معيّنة فقط من المجتمع. ومثلما هي الحال في المغرب، فإن عندنا أيضاً مشكلة الشباب العاطل عن العمل. عندنا مشاكل إقتصادية ستتفاقم يوماً بعد يوم.