الزم موقعك.. ملحمة مهمة العوجا    خادم الحرمين: تحديات العمل الإنساني لا يمكن تجاوزها إلا بتضافر جهود المجتمع الدولي    الارتقاء بصناعة الخير    السودان: قوات الدعم السريع تتحالف مع عدوها    خطة جوزيف بيلزمان لغزة تستثير الموقف العربي من جديد    ابن فرحان يستعرض مع ونستون العلاقات الثنائية    حجاب وعد.. قرار نهائي أم مرحلة جديدة من الجدل؟    الأسمنت الأخضر أحدث تحولات الطاقة النظيفة بالمملكة    «زينة رمضان» تكسو شوارع القاهرة استعداداً للشهر الكريم    محافظ الزلفي: يوم التأسيس تاريخ عريق    بلدية وادي الدواسر تحتفي ب «يوم التأسيس»    مخاطر العرض.. تدعم أسعار النفط    فعاليات متنوعة احتفاءً بيوم التأسيس بمحافظة عفيف    فحص حافلات شركات النقل استعداداً لموسم رمضان    أمير القصيم يستقبل سفير تايلند    القيادة تهنئ رئيس إستونيا    دونيس الخليج: الحظ والانضباط وقودنا لهزيمة الاتحاد    "الأحوال المتنقلة".. اختصار الوقت وتقليل الجهد    احتساب مبالغ الوساطة الزائدة على 5% ضمن ثمن العقار    مرات تحتفل بيوم التأسيس    وزير الشؤون الإسلامية يفتتح التصفيات النهائية على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم    الخرج.. صور تاريخية وفنون شعبية    جامعة الملك سعود توقع مذكرة تعاون مع مركز زراعة الأعضاء    طفلة محمد صلاح تظهر في مسلسل رمضاني    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحتفل بيوم التأسيس    رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية حريصة على نصرة القضايا العادلة    مسؤولية بريطانيا التاريخية أمام الدولة الفلسطينية !    منتدى الأحساء 2025    ما هذا يا جيسوس ؟    الرواية وجائزة القلم الذهبي    خطوة هامة لتعزيز الأمن الغذائي !    إسرائيل تتمادى في انتهاكاتها بدعم أمريكي    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير إدارة جوازات المحافظة    العروبة يعمق جراح ضمك في دوري روشن    محافظ الطائف يكرم الجهات المشاركة في كأس الطائف للصقور    "مفوّض الإفتاء بمنطقة حائل" يلقي محاضرة بعنوان "نعمة تأسيس الدولة السعودية"    جمعية الملك فهد الخيرية النسائية في جازان تحتفي بيوم التأسيس لهذا العام 2025م    وزير الخارجية ونظيره النيوزيلندي يبحثان العلاقات الثنائية    أقدم حفل موسيقي    النيابة العامة تحتفي بمناسبة يوم التأسيس    الزواج ليس ضرورة.. لبنى عبدالعزيز: الأمومة مرعبة والإنجاب لا يناسب طموحاتي المهنية    محللون ل«عكاظ»: السعودية تقود الممارسات الإنسانية عالياً    أمير الرياض يعزي جبران بن خاطر في وفاة والدته    عبادي الجوهر قدمني للناس كشاعر.. عبدالرحمن بن مساعد: أغنية «قالوا ترى» ساذجة    أمانة تبوك توفر 260 بسطة رمضانية في 13 موقعاً    "الشؤون الإسلامية" تنهي فرش 12 جامعا بمنطقة القصيم    بعد وفاة 82 شخصاً.. بريطانيا تحذّر من استخدام حقن إنقاص الوزن    الرياض: ضبط 4 وافدين لممارستهم أفعالاً تنافي الآداب العامة في أحد مراكز «المساج»    الاتحاد الأوروبي يُعلن تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا    وزارة الصحة تؤكد أهمية التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل أداء العمرة    زيادة تناول الكالسيوم تقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم    وقفات مع تأسيس السعودية وتطورها ومكانتها المتميزة    موجة برد صفرية في السعودية.. «سعد بلع» يظهر نهاية الشتاء    زياد يحتفل بعقد قرانه    مختبر ووهان الصيني.. «كورونا» جديد في الخفافيش    لماذا يحتفل السعوديون بيوم التأسيس ؟    برعاية مفوض إفتاء جازان "ميديا" يوقع عقد شراكة مجتمعية مع إفتاء جازان    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخوارزمي وديكارت وما بعدهما :"الاستعمار الجمالي للمخيلة"...
نشر في الحياة يوم 25 - 06 - 2000


-1-
يقول المفكر الفرنسي جان فرانسوا ليوتار، متحدثاً عن الثقافة الغربية: "أعطانا الغرب "روايتين"، وتركنا نتخبّط في قراءتهما، هما الثورة والتقدم". أما الثورة، فيعرف الجميع الى أين انتهت، وكيف. وأما التقدم فلا يزال يطرح إشكالات عديدة ومتضاربة.
وقد قرأت مؤخراً مقالاً لباحث فرنسي يقول فيه ما خلاصته أن أساس التقدم ويعني الحداثة هو في الوحدة التي أقامها الغرب بين التراث اليوناني والتراث العربي - ممثلاً على الأخص، بعلم الجبر الخوارزمي، توفي سنة 850. ويشدد هذا الباحث على الأهمية الحاسمة التي يمثّلها علم الجبْر في الكلام على الحداثة والتقدم، وذلك لأسباب أوجزها في ما يلي:
أولاً، لأنه علمٌ ليست له مرجعية في الواقع، فهو علم تجريدي أو شكلي. وهذا، في حد ذاته، يمثّل ثورة "معرفية".
ثانياً، استناداً الى هذه الثورة، تمكّن ديكارت من التأسيس عملياً للحداثة، بحدوسه حول الهندسة التحليلية، الأداة التي لا غنى عنها للسيطرة على العالم الطبيعي - الفيزيائي، بوساطة الفيزياء الرياضية.
ثالثاً، بدءاً من ذلك، انقسم الكون الى موضوع للدرس، من جهة، وذات دارسة من جهة ثانية.
رابعاً، توالت بعد هذا واعتماداً عليه الاختراعات والتغيرات لتحقيق تلك السيطرة:
أ - الكهرباء التي محت الفرق بين الليل والنهار.
ب - البيولوجيا التي حوّلت، ما كان يسمّى بسر الحياة الى حقل للمعرفة.
ج - تحوّل علم الفلك، فأصبح علم الفضاء.
د - صارت عناصر الجسم ومكوناته في يد الكيمياء.
خامساً، النظر الى الإنسان بوصفه مركز الكون.
سادساً، أدت هذه الاختراعات والتغيرات الى نشوء ثقافة جديدة أنهت ثقافة القدامة، هي ثقافة الحداثة. وهذه اليوم، آخذة في التراجع حيث ستحل محلها ثقافة أخرى أكثر إيغالاً في الابتعاد عن القديم، وأهم عناصرها الكومبيوتر والإنترنت.
سابعاً، نشأ مفهوم "جديد" للكون، ونشأت تبعاً لذلك، كونية جديدة.
ثامناً، لم يعد الكون "سرّاً"، كما كان القدامى يرونه، وإنما أصبح "سوقاً".
تاسعاً، لا تتهدم في هذه "السوق" ثقافات الشرق وحدها، وإنما تتهدم كذلك ثقافات الغرب.
-2-
تلك هي "الكونية الجديدة". وهي تتخذ الآن اسماً سياسياً - اقتصادياً هو "العولمة" وسوف تنضاف "الثقافة" الى هذا الاسم، إن لم تكن قد انضافت فعلاً.
ولا مفرّ من الدخول في هذه "الكونية".
ولئن كان هناك ما يُقلق في هذا الدخول "المحتوم" فهو لا يكمن في مجرّد التواصل أو التفاعل أو المشاركة في "ثقافة" كونية "واحدة" - إن صح تكوينها بالمعنى العميق. وإنما يكمن في ما أشار إليه الباحث الإتنولوجي بيدرو كوردوبا، Pedro Cordoba، وهو أن هناك، اليوم، "استعماراً جمالياً للمخيلة" يواكب الاستعمار السياسي- الاقتصادي للواقع.
والخطر الذي يمثله هذا "الاستعمار الجمالي" هو في أنه يطمس من الزمن بُعديْه اللذين لا تنهض الذاتية الثقافية أو الخصوصية الثقافية إلا بهما: بعد الماضي، أو الذاكرة، وبُعد المستقبل أو المخيلة. وفي أنه، تبعاً لذلك، يختزل زمن الثقافة في الحاضر- أي في ما يتبدّل ويتغير سريعاً وباستمرار، أي في "الثقافة" التي لا تكون إلا ترجمة أو مرآة للاستهلاك، اقتصادياً.
-3-
أجد أن من البداهة القول إن الذات الواعية العارفة هي التي "تتأثر". دون هذا الوعي وهذه المعرفة، تكون مجرد "ناقلة" أو مجرد "محتذية". لنقل، بتعبير آخر: إن وعي الذات بهويتها، بكينونتها الخاصة المتميزة، وباختلافها، شرط أوليٌّ لائتلافها - أي لتفاعلها الخلاق مع الآخر، عطاء وأخذاً.
غير أن وعي الذات لهويتها، اختلافاً وائتلافاً، لا يتم إلا انطلاقاً من ينبوعين - جذرين: الذاكرة الرائية، المتحركة، والمخيلة الخلاّقة المتجاوزة. وهما بالضبط، ما يعمل "النظام الثقافي العربي" على طمسها، بشكل أو آخر، تارة باسم ذاكرة دينية جامدة وماضوية، وتارة باسم حاضر سياسي لا يرى من الثقافة إلا ما يخدمه، أي حاضر يقوم عضوياً على القمع والرقابة، حاضر لا تعني له كلمة الحرية أي شيء خارج حريته هو، أو حرية القائمين عليه، سياسياً.
وفي هذا ما يخلق هوة هائلة بين حركية المجتمع والمؤسسة السياسية التي تهيمن عليه، بحيث تبدو الثقافة دمية أو تزييناً، أو دعاوة تُفرضُ من فوق. بينما الثقافة، في كل مجتمع حي بناءٌ يشارك فيه المجتمع كله، بحرية كاملة. وكل بناء ثقافي يتضمن التفكيك أي النقد، تعديلاً وإضافة وتجاوزاً، وهو تفكيك يتضمن بدوره إعادة البناء. فالثقافة حركة متواصلة من البناء والتفكيك وإعادة البناء، أي من الجدل بين الواقع والفكر واللغة، وبين القوى المتنوعة المتعددة في المجتمع، وبين الماضي والحاضر والمستقبل. وهي حركة لا تتم، طبعاً، إلا بالحرية، وباحترام الآخر، وفي إطار التنوع والتعدد.
-4-
لكن، ما الممارسة السائدة في هذا المجال؟ نعرف جميعاً أننا لا نكف عن ترداد القول: "العرب هوية ثقافية واحدة"، ولا يكفّ بعضنا عن التوكيد على خطر "العولمة" على هذه الهوية. لكن، لننظر ماذا يحدث "داخل" هذه الهوية:
الهمّ الأول لدى المؤسسة العربية هو: ماذا "نراقب" وليس "ماذا أبدعنا، أو نبدع"،
وهذه المؤسسة مأخوذة بابتكار "الحواجز"، من كل نوع، تلك التي تُعيق حركة التواصل الثقافي بين العرب، وتعرقلُ حيويتهم ونشاطهم وتفتحهم،
وهي لا تُعنى بالمبدع العربي إلا بوصفه "وسيلة" يمكن أن تفيد منه بشكل أو آخر،
ولا يشغلها وضعه - عملاً، أو حرية، أو تنقلاً. ولا تأبه لحاجاته النظرية والمادية، على تنوعها وضرورتها،
وبما أن المبدع إنما هو الفرد، وليس "الأمة"، أو "المؤسسة"، وكان "عمله" لا عمل هذه أو تلك، هو الذي يُفصح عن الهوية الثقافية، ويعززها، ويصونها - فإن التضييق على هذا الفرد المبدع، لا يؤدي في التحليل الأخير، إلا الى "خنق" هذه الهوية.
والسؤال هو: كيف يمكن ثقافة تحاصرها الرقابة، ولا تقدر أن تنتقل حرة في "وطنها الواحد" داخل "هويتها الواحدة"، ثقافة "مخنوقة" - و"تعمل" ضد هويتها، وضد تاريخها، كيف يمكن ثقافة هذا شأنها، وهذا مستواها، أن تجابه "العولمة"؟ لا تجابَه العولمة بعزلة "السجين"، وإنما تجابَه بالإبداع وبالحرية.
و"الواقع" الفاجع حقاً، هو أن هذا "الوطن الواحد" المغْلق في الداخل على أبنائه، مجروفٌ شاء أم أبى بقوة "الخارج" "مفتوح"، شاء أم أبى، على هذا "الخارج".
ولئن استمر الوضع الثقافي على هذه الشاكلة في هذا "الوطن الواحد"، فسوف يقتصر دورنا نحن العرب على إعطاء نكهة خاصة للعولمة: نكهة، ربما سيكون اسمها: الغبار العربي في هواء العولمة، أو "الريشة" العربية في هذا الهواء، لكي نكون أقل قسوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.