ازدهر اقتصاد روسيا ودبت الحركة في مصانعها وغدت مزارعها تدر غلالاً تنقل الى اسواق مستقرة لا تعكر المافيا صفو الحياة فيها. وسويت المعضلة الشيشانية وساد الوئام القوقاز وعادت كلمة موسكو رنانة مسموعة في العالم. هذه الصورة الخيالية قد تتكون لدى من لا يعرف روسيا إلا من خلال وسائل إعلانها التي تصحو وتنام على اسم فلاديمير غوسينسكي صاحب مؤسسة "موست" المالية الاعلامية الذي تجرأت السلطة على حبسه احتياطياً لمدة ثلاثة ايام لإثنتين وسبعين ساعة بتهمة النصب وسرقة أموال الدولة. فاعتقال هذا الغوسينسكي ويعني حرفياً الوزي أقام الدنيا ولم يقعدها: الولاياتالمتحدة تدخلت واسرائيل احتجت ووسائل الاعلام نعت حرية الصحافة أو بالأحرى حرية الامبراطورية التي يملكها المحبوس والتي تضم تلفزيون "ان.تي.في" واذاعة "صدى موسكو" وصحف ومجلات في روسيا واسرائيل. ولا شك ان لغوسينسكي ميزة تجعله "أفضل" من مئات الآلاف من المعتقلين، عن حق أو عن غير وجه حق، في البلاد. فهو رئيس للمؤتمر القومي اليهودي في روسيا ونائب لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي. وفوق هذا وذاك، أو قبلهما، هو مواطن اسرائيلي الى جانب كونه من أساطين المال في روسيا. ولذا فإن نشرات متتالية كانت تذاع كل يوم عن الحال الصحية للمعتقل الذي زودت زنزانته بمكيف للهواء وثلاجة وتلفزيون، فيما ينحشر سائر المعتقلين في ردهات تغص بنزلاء مرضى بالسل ولا يجدون من يسأل عنهم في واشنطن أو في تل ابيب. والمؤكد ان قرار حبس غوسينسكي لم يصدر بدوافع العداء للسامية، خصوصاً انه اتخذ بتحريض من يهود متنفذين ينتمون الى مجموعات منافسة ل"موست" ولها مصلحة في تقويض الامبراطورية التي شيدها "الوزي" بمنقار اعلامي ناهش. والأغلب ان الحكم شن معركة استطلاع لاختبار قوة خصومه وقياس ردود الفعل المحتملة على تحرك هدفه الحد من عمليات النهب والسرقة المكشوفة واعادة الهيبة أو مظاهرها على الأقل الى السلطة. بيد ان الاستطلاع جعل "الوز" يخرج من المعركة بطلاً فيما انكفأ الدب الروسي مخذولاً مهاناً يلعق جرحه النازف منذ سنوات. وقد أُبلغ رئيس الدولة رسالة مفادها ان عضلاته لم تنتفخ بعد الى حد يؤهله لمصارعة "الوز" والتطاول على "المحرمات" ومناطحة أصحاب الحول المالي والقوة الاعلامية خصوصاً اذا كانوا يحملون جوازات سفر اسرائيلية.