"لن ينفع الانفتاح وعصر الفضائيات المجتمع السوري. فالسوريون تعودوا على الانغلاق ولا يمكن أن يفهموا منطق الحرية الشخصية كونهم انعزاليين لا يحبون التجديد" يقول زياد 21 سنة في حين تؤمن كاتيا 20 سنة "بأن الكلمات تستخدم للتعبير عن حرية الرأي ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الملابس التي تستخدم للتعبير عن حرية الرأي". زياد وكاتيا يدرسان في كلية الآداب في جامعة دمشق وهما يعيشان وفق النمط "الافرنجي" بكل تفاصيله وسائر مظاهره التي تجعل المجتمع ينظر اليهما على أنهما مختلفان. فلا يبدو مظهر زياد بشعره الطويل الى منتصف ظهره وجينزه الممزق ونظارتيه السوداوين مألوفاً. أما كاتيا فترتدي الجينز الممزق وتكشف عن خصرها لأنها "تفضل أن تعرض أنوثتها بشكل أفضل و"ليس هناك مانع يعوق الأنثى من أن تكون مثيرة طالما تعرف ما هي مقبلة عليه". هؤلاء الشباب كي تصادفهم خصوصاً بعد انتهاء موسم الدراسة عليك التوجه الى أماكن محددة لأن المجتمع السوري على رغم انفتاحه لا يقبل مثل هذه "الصرعات". لذلك قد تجد بعضهم في "قهوة المنشية" في فندق الميريديان أو "النيربين" في الشيراتون أو في أماكن المطاعم وحول المدرسة الاميركية في منطقة "أبي رمانة" أو "الغسانية" في باب توما حيث تشكل هذه الأماكن نموذجاً معروفاً لدى أولئك الذين يرغبون في قضاء أوقات مختلفة. وطالما كانت الملابس وقصة الشعر والتبرج أحد مظاهر الاختلاف بين الأجيال في سورية وربما داخل الجيل نفسه، فما هي ردة فعل هؤلاء أمام نظرات الآخرين في مجتمع لا يعترف بالحرية الشخصية كما يقول سيف أبو سعد 20 سنة "أجد نفسي أجمل بالشعر الطويل كما انني أكره الذهاب الى الحلاق ويشعرني هذا بالملل الكبير". ويضيف سيف "عندما ينظر الناس اليّ باستغراب تكون ردة فعلي مختلفة في كل مرة حسب مزاجي، أحياناً أدّعي الجنون ويصدق هؤلاء المستغربون جنوني وأحياناً أقوم بمشكلة وأصطدم معهم وأحياناً أخرى أضحك غير مهتم". وفيما يتفق معه ليث المفتي 22 سنة بحرية التغيير في الشكل حسب مزاجه الشخصي لكنه يرى "ان الأمر أسخف من أن ننتقده أو نتطرق اليه فلا مشكلة في ذلك" وهو يرى نفسه في الشعر الطويل أجمل ولا يعتبر ذلك تميزاً ولا يهتم لردة فعل الناس من حوله "فهذه قناعتي وأنا أتحمل النتائج". وتشكل مجموعة من الشباب السوري اليوم ظاهرة مستقلة عن غيرهم من اقرانهم يحاولون التميز بكل شيء في اللباس والأفكار وان كانوا يدعون أنهم يحاولون الهرب من دائرة الاهتمام "على العكس أبذل جهدي كي لا أكون موضع اهتمام لأن شكلي قد لا يعجب الكثيرين، ولكن لا أهتم ولا أفعل الا ما أرغب به" كما يقول عمار ميداني الذي يتمنى على الناس "أن يكونوا أكثر حضارة". لكن هذه الظاهرة الآخذة في التوسع والانتشار بين أبناء الطبقات الوسطى ايضاً لا تعبر بالضرورة عن انفتاح ليبرالي في الأفكار والاعتقادات، فهؤلاء انفسهم ما زالوا تقليديين في قضايا أساسية. ويؤكد زياد "أنا لا أرضى أن تخرج اختي لتقيم علاقات مع الشبان لأني أعرف ما يحصل وكل انسان يسعى الى الأفضل لأفراد عائلته". وعن الانفتاح والمساواة والديموقراطية يقول "نعم لكن ليس في كل شيء. هناك أشياء متخلفة في تفكير أهلنا ولكن هناك أشياء جيدة وأنا أتمسك بها". لكن أبو أسعد يخالفه الرأي "أنا مع فكرة عيش شاب وفتاة في بيت واحد قبل الزواج ولا اؤمن بورقة الزواج التي تسمى العقد، فالعقد موجود بيني وبينها"، ويرى أن هذه العلاقات موفقة أكثر من الزواج "ففي حال الانفصال يكون انفصالاً سلمياً ويبقيان اصدقاء عكس ما اذا كان هناك زواج. وفي المقابل يجد من الخطأ الربط بين مظهره الاستثنائي وبين اخلاقه "فالربط هو ربط سطحي وهناك الكثير من الشباب الذين لهم شكل مختلف لكنهم غير متحررين اطلاقاً". أما فؤاد حسن 22 عاماً - سنة رابعة نقد مسرحي فهو يطيل شعره لأنه لا يحب الذهاب الى الحلاق، كما يقول، ولا تهكه طريقة تعامل الناس معه. وردّت فعله الدائمة تكون ب"التطنيش". وهو كما يقول من طبقة اجتماعية مثقفة وحالته المادية متوسطة. ويعتبر ان العلاقة بين الشاب والفتاة ضرورية قبل الزواج، ولكنه لا يحبذ أن تكون طويلة. في المقابل يتشدد الشباب الذين يشكلون اختلافاً في مجتمعهم لكن لجهة الافراط في المحافظة في الثياب حيث تقول سامية "ان حجابها والخمار الذي تلبسه هو حماية وسترة وهو يجب ألاّ يكون غريباً عن مجتمعنا لأننا مجتمع اسلامي مفروض عليه هذا اللباس وليس العكس". أما ناديا التي قررت التحجب وارتداء المانطو نتيجة ضغوط أبيها وأخوتها بعد طلاقها من زوجها "لأنه أصبح لي وضع خاص ولا يجوز أن ألبس الجينز" فتؤكد "انه على رغم أن طبيعة عملي كصحافية تتطلب مني التنقل بحرية والحجاب سبب لي مشكلة في البداية حيث كانت نظرات الناس الذين أقابلهم مترددة أحياناً لكني كنت أخبرهم أن الحجاب لا يشكل عائقاً أمام انطلاق الأفكار والتحرر". وعلى رغم أن هؤلاء يشكلون جزءاً من المجتمع السوري غير أنه صغير ولا يشكل تياراً. فمن يراهم يتشددون في كل شيء أي في اللباس والأفكار يظن أن تحولاً كبيراً يلوح في الأفق لكن الحقيقة تقول عكس ذلك. فهو ما زال جيلاً يشبه الآباء والأجداد الى حد كبير. وتكاد آراء أفراد تنتمي الى مجموعة مختلفة من الشرائح الاجتماعية تجمع على أن مشهد هؤلاء الشبان والشابات المتطرفين في ازيائهم ما زال غير مقبول في المجتمع السوري المنفتح لكن بهدوء على المجتمع الغربي ويعتبرونها "تقليعة". فيما يعتبر البعض القليل جداً ان الأمر ناتج من اعراف بدأت تترسخ نتيجة "حتمية التطور". أما معظم أولياء الأمور فيستنكرون هذه الظاهرة وينتظرون بدء الموسم الدراسي الذي يضطر معه بناتهم وأولادهم لارتداء الزي الرسمي والكف عن تقليد ملابس مشاهير المطربين والمطربات.