"الفرصة بنت جميلة، راكبة عجلة ببدال، شعرها بيطير قدامها، بيداري علينا جمالها، والعاقل لو يلحقها، يتبدل به الحال". كلمات معبرة اداها محمد منير في أغنية حملت اسم "الفرصة"، لكنها في الواقع العملي للحالمين بالنجومية أخذت معنى آخر. الفرصة بالنسبة اليهم ضربة الحظ وحزمة الظروف التي رفعت مجموعة من الممثلين الشبان إلى عنان السماء وانفتح باب النجومية على مصراعيه امامهم. وهذا ما جعل من التمثيل حلماً لكثيرين من الشباب والفتيات. والنجومية، في معناها المتخلف، هدف بعيد المنال يتلألأ أمام اعينهم بغض النظر عن كونهم يملكون المقومات والموهبة لأن يصبحوا ممثلين انطلاقاً من لا شيء، او من دون ان تكون لديهم ادنى قدرات لتحقيق هذا الحلم. المهم أن يصبحوا ممثلين، كغيرهم، لكن محمد هنيدي وعلاء ولي الدين واشرف عبد الباقي واحمد السقا لم يأتوا من فراغ، وإن اختلفنا على ما يقدمون من اعمال: هنيدي تخرج في معهد السينما - قسم الانتاج، كذلك كريم عبدالعزيز الذي درس الاخراج في المعهد. اما اشرف والسقا فتخرجا في المعهد العالي للفنون المسرحية - قسم التمثيل، حتى ان البعض منهم، الذي لم يتابع دراسة اكاديمية بدأ العمل في مجال التمثيل قبل سنوات من شهرته. اما الشباب الجدد الذين يرون في هؤلاء قدوة فانهم لم يقدّروا معنى الدراسة او الخبرة. كل ما يرونه في الأمر هو الصورة الخارجية البراقة: الشهرة والثراء واغلفة المجلات، وتتضخم هذه الاحلام مع الفتيات وخصوصاً من تتوسم منهن في نفسها الجمال معتبرة انها ليست اقل من منى زكي او حنان ترك جمالاً. روافد اما الروافد التي يأتي عبرها هؤلاء فمتعددة، ابرزها الاعلانات والفيديو كليب ومكاتب "الكاستنغ" التي انتشرت في القاهرة لتواكب الاحلام الوهمية. اما الرافد الأهم لتفريخ الأوهام فهو مسلسلات الفيديو التي تنتج سنوياً بمئات الساعات ما يجعل مُعبئي هذه الأشرطة يلجأون الى بشر كثر لا يملكون أي حد من الموهبة أو حتى التناسب الشكلي مع الشخصية التي يؤدونها للوقوف أمام كاميرات الفيديو الدائمة الدوران. ونتيجة منطقية لهذه الفوضى أن يأتي إليك العشرات، بل المئات، اثناء اختيارك الممثلين لأدوار فيلم ما. كل منهم يردد سيرته الذاتية كالببغاء، وهي تتكون عادة من اعمال عدة. وحين ترغب في اختبارهم لقراءة مشهد ما، تجد بعضهم لا يستطيع مجرد قراءة الكلمات، والبعض الآخر يفتقد إلى ادنى ابجديات التمثيل. لذا يجد المخرجون الجادون صعوبة شديدة في اختيار الممثلين وهم في صدد اخراج اي عمل نظراً إلى الصعوبة التي يواجهونها لفرز الغث من الثمين. يقول اسامة فوزي عن تجربته في اختيار الممثلين لفيلمه "جنة الشياطين": "كانت مرحلة الكاستينغ من اصعب المراحل، وهي التي استغرقت جهداً ووقتاً كبيرين. وقد ساعدني فيها هاني خليفة. كان يختار مشهداً محدداً من الفيلم ويطلب من كل واحد من المتقدمين ان يقرأه ويؤديه أمام كاميرا فيديو من دون توجيهات، اخترت بين المتقدمين ثلاثة شبان، اكتشفت انهم زملاء واصدقاء، وانهم عملوا معاً في ورشة مسرحية أيام دراستهم في الجامعة الاميركية، وكنت سعيداً لانني وفقت في هذا الاختيار". ويضيف "كانت الوجوه بالنسبة الي في غاية الأهمية. كنت اريد وجوهاً لا تبرر تصرفات أصحابها خصوصاً الشبان الثلاثة بوسي وننة وعادل. كانت معرفة اللغة العربية مشكلة اثنين من الثلاثة الذين اخترناهم، وكان لا بد من ان أتأكد من قدرتهم على التعامل مع هذا الحوار غير العادي. وفوجئت بهما بعد اسبوع واحد يأتيان وقد حفظا الحوار كما هو مطلوب". وقد عاون اسامة في تدريب الممثلين، المخرج المسرحي محمد عبدالهادي الذي احترف تدريب الممثلين الجدد في الافلام السينمائية بحكم ما لديه من خبرة في هذا المضمار. هو لم يعمل فقط في "جنة الشياطين" بل ايضا في "عمر 2000" لأحمد عاطف و"الآخر" ليوسف شاهين و"المدينة" ليسري نصرالله. وكانت النتائج في كثير من الاحيان موفقة، خصوصاً في "جنة الشياطين" و"المدينة"، وعلى الاخص مع باسم السمرة وعمرو سعد. استوديو الممثل تطور مشروع عبدالهادي ليتحول ما يعرف باسم "استوديو الممثل". وهو مشروع حقق نجاحاً وإقبالاً من الممثلين الشباب على الالتحاق به. ويعتبر خطوة جادة نحو إيمان المواهب الحقيقية، لا الزائفة، بأهمية الدراسة العلمية العملية للتمثيل، وأيضاً أهمية التدريب في صقل موهبة الفنان وتنميتها. ولكن هل يستطيع عبدالهادي أن ينتقي المواهب الحقيقية، لتدريب اصحابها أم يتسلل إلى الاستوديو الخاص به الواهمون الحالمون بالأضواء؟ نعرف جيدا أن عبدالهادي يجري اختباراً قبل إلحاق أي عضو جديد بورشته. ولكن إلى أي مدى يصلح هذا الاختبار للحكم على موهبة ممثل ما؟ على رغم هذه المخاوف يظل ما صنعه عبدالهادي إنجازاً كبيراً وأداء لرسالة سامية يحسب له، مثلما يحسب لشركة "البطريق" التي وقفت خلف المشروع إلى أن رأى النور. الصورة الصورة ليست قاتمة تماماً، ولكن دوماً يطغى اللون الأسود على أركانها وينطبع على قرنية العين. في الصورة العشرات من الموهوبين الذين لو استغلت طاقاتهم لتغير وجه السينما المصرية وتجددت دماؤها، يملكون المقومات، وينمون قدراتهم ويبحثون عن الصدق في ما يؤدونه من شخصيات. إذا حاولنا الوقوف على بعض الأسماء والمحطات فسنجد: - أحمد عزمي الذي أدى ببراعة الدور الرئيسي لشاب مراهق إبان حرب الخليج في "الأبواب المغلقة" لعاطف حتاتة، و"علامات إبريل" لأحمد ماهر، ومحمد نجاتي في "عرق البلح" لرضوان الكاشف، هو الرجل الطفل الأوحد في قرية خلت من الرجال، وهو المطرب الشعبي في "المدينة" ليسري نصرالله. - في "المدينة" برز وبقوة باسم السمرة، وعمرو سعد الذي يملك عينين معبرتين، وقد رأيناه سابقاً في "الآخر" ليوسف شاهين. - ماهر عصام بدأ بالتمثيل طفلاً في "اليوم السادس"، و"النمر والأنثى" وبرز شاباً في "أولى ثانوي" و"الأبواب المغلقة". - مصطفى شعبان في "القبطان" و"رومانتيكا" و"فتاة من إسرائيل" و"الشرف". أدوار تعكس قدراته على التنوع وتطوير الذات. - محمود عبدالغني الشاب الصعيدي في "عبود على الحدود" بعفويته وصدقه الذي ينبئ بميلاد ممثل موهوب. - ولا نستطيع أن ننسى ثلاثي "جنة الشياطين" عمرو اكد وسري النجار وصلاح فهمي. الفتيات أما الفتيات الموهوبات فقد برزت اخيراً منال عفيفي في "عفاريت الأسفلت" و"عرق البلح" أثبت أنها ممثلة متعددة الجوانب واستطاعت تجاوز قيد أدوار الإغراء. وكارولين خليل في "جنة الشياطين" تحمل وجهاً مصرياً وتستطيع الدخول في عالم الشخصية ما يمكنها من أداء الشخصيات المركبة. ومعتزة عبد الصبور في "كرسي في الكلوب" تأسرك ببساطتها وتلقائيتها وتساندها خبرتها المسرحية، بينما لديها مؤهلات ممثلة كوميدية من الطراز الأول. وعزة الحسيني شاهدناها قبل سنوات في "يوميات امرأة عصرية"، و"قانون إيكا". وتعود لتقف أمام الكاميرا في "أيام السادات"، وعلى خشبة المسرح في مسرحية "سعد اليتيم". وبسمة فى "المدينة" والآن تقوم بالدور الرئيسي في "الناظر صلاح الدين". وصفوة في "أرض الخوف" و"جنة الشياطين". ودنيا في "الجراج". وجيهان سلامة في "لحم رخيص" و"أرض أرض". أما الوجوه الآتية من الإعلانات والفيديو كليب، فلم تكن جميعاً سيئة، بل يحمل بعضها درجة من القبول وقدراً من الموهبة، لكنها تحتاج إلى التدريب والصقل لينتج عنها ممثلون جيدون منهم إبراهيم صالح وياسمين عبدالعزيز ونسرين القاضي ولؤي عمران. ومن الفيديو جاءت وجوه مبشرة نتمنى ألا يحرقها تكرار الظهور على الشاشة الصغيرة ومنها: حلا وهبة أبو الخير وأحمد رزق. كل هذه الأسماء تشي بوجود بارقة أمل في المستقبل، وعلى رغم وجود الأدعياء ومنعدمي الموهبة، نعلق الأمل على الشباب الواعي الذي يدرك رسالة الفن عموماً والتمثيل خصوصاً، والطريق واضح وهو الصدق والعمل الشاق والتدريب وتثقيف الذات والقراءة الدؤوبة ومشاهدة الأفلام. كل هذا سيثمر حتماً حين تتوافر الموهبة. يقول ستانيسلافسكي في كتابه "فن التمثيل... الدروس الستة الأولى": "من يريد أن يملك ناصية الفن لا بد من أن يكون صاحب موهبة. والموهبة إما أن توجد لدى المرء واما الا توجد. قد تستطيع تنمية الموهبة بالعمل الشاق، لكن خلقها من العدم أمر مستحيل". هذه الكلمات تجعلنا نعيد النظر والحسابات والاسئلة عن وجود موهبة لدى الواقفين أمام الكاميرا هذه الأيام. كم ممثلاً أو ممثلة يملك الموهبة الحقيقية؟ كم ممثلاً لديه الموهبة ولا يستطيع تنميتها؟ الأنه لا يرغب في بذل جهد أم لأنه لا يجد من يساعده؟ كيف يمكن استثمار هذه المواهب في شكل يثري السينما المصرية بدلاً من أن تصبح قنبلة تنفجر في وجهها في أي وقت؟".