مذكرة رئيس الجمهورية اميل لحود الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان كانت في محلها وجاءت مدروسة لتسلط الأضواء على خلفية التحفظ اللبناني عن مهمة الموفد الخاص للأمم المتحدة تيري رود لارسن، من زاوية ان لبنان يرفض خط الانسحاب الوهمي الذي حدده فريق العمل الدولي، والذي ترفض اسرائيل حتى الساعة احترامه، وتصر على انتهاكه في عدد من النقاط على رغم أنه يتعارض مع خط الحدود المعترف بها دولياً. وتأتي المذكرة الرئاسية تتويجاً للمعركة المشروعة التي يخوضها لبنان على صعيد المجتمع الدولي، من خلال لفت "أنان الى الاختراقات الاسرائيلية لحدوده التي هي في حاجة الى تصحيح من جهة، والى ضرورة اخذها في الاعتبار في تقريره الذي سيرفعه الى مجلس الأمن الدولي، من جهة ثانية خصوصاً ان الرفض اللبناني لخط الانسحاب الوهمي ينم عن مقاومته اي محاولة يراد منها تشريع الانتهاكات الاسرائيلية على طول خط الحدود الدولية. ثم ان توقيت ارسال المذكرة الى أنان يكمن في نقل معركة التثبت من الحدود الدولية الى مجلس الأمن الدولي الذي يفترض بأعضائه ان يكونوا تسلموا نسخة عنها، خصوصاً ان لبنان يعلق أهمية على دورهم في اعادة الحق الى نصابه ويطمح الى أن تؤدي فرنسا دوراً اساسياً لتصويب الخطأ الذي ارتكبه لارسن، وهذا ما كان مدار بحث في الاتصال الأخير الذي تم بين أنان والرئيس الفرنسي جاك شيراك. واستناداً الى المعلومات اللبنانية المتوافرة عن مضمون الاتصال بين شيراك وأنان، فإن الأول طلب منه التعاطي بانفتاح مع الاعتراضات اللبنانية، مؤكداً له "أن فرنسا ليست مستعدة لتوفير غطاء للانتهاكات الاسرائيلية وأن موقفها في هذا الشأن سيظهر جلياً من خلال المداولات التي سيجريها مجلس الأمن". وفي هذا السياق قالت مصادر لبنانية ل "الحياة" ان شيراك سيراعي الموقف اللبناني - السوري في قضية تثبيت خط الانسحاب من الحدود المعترف بها دولياً، وبالتالي سيربط موافقة فرنسا بزيادة عدد افراد قوتها العاملة في قوات الطوارئ الدولية بموافقة لبنانية - سورية. ولفتت المصادر الى أن المعركة الانتخابية المقبلة في فرنسا تخاض من فوق أرض الجنوباللبناني وتحديداً بين شيراك والحزب الاشتراكي الفرنسي الذي ذهب بعيداً في موقفه المتطرف المؤيد لاسرائيل لحسابات تتعلق بالمنافسة الانتخابية النيابية، غير آبه بالملاحظات التي أبدتها وتبديها الحكومة اللبنانية. وأكدت أن للموقف الفرنسي الذي عبرت عنه مجموعة من القياديين في الحزب الاشتراكي بالدعوة الى خروج القوات السورية من لبنان، علاقة مباشرة بالأصوات الأميركية التي أخذت تدعو الى خروجها بعد انسحاب اسرائيل من الجنوب. وأشارت الى أن الانسجام على هذا الصعيد لن يتجاوز حدود التلويح بورقة الوجود العسكري السوري الى تنظيم معركة سياسية لاهداف تبقى محصورة في حماية الانسحاب الاسرائيلي من ناحية، وفي توفير دعم لنشر القوات الدولية من ناحية ثانية. وفي هذا السياق قال مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت ل"الحياة" ان الادارة الأميركية والحكومة الاشتراكية في فرنسا في محاولة لتمييز موقف شيراك عنها ترفعان من حين الى آخر وتيرة المعارضة للوجود السوري، في محاولة لإيهام بعض الأطراف اللبنانيين بأنهما جادتان في المضي في هذه المعركة، بينما هما في الحقيقة تتطلعان الى أهداف لا تلتقي في المضمون مع طموحات بعض الداخل اللبناني. وأضاف ان المجتمع الدولي يدرك جيداً أن لسورية دوراً فاعلاً وأساسياً في تأمين انسحاب هادئ وآمن لاسرائيل من جنوبلبنان، لم يترك اي اثر سلبي في العلاقة بين سكان الجنوب، مؤكداً ان الاستقرار الذي ينعم به الجنوب ما هو إلا نتاج قرار سياسي سوري - لبناني مشترك وان ما حدث في اليومين الأولين بعد الانسحاب من اشكالات، لم يقلق الغرب الذي أبدى ارتياحه الى الوضع السائد هناك. وتابع ان الاستقرار في الجنوب لم يكن ثمرة مباشرة لحجم القوى الأمنية اللبنانية التي ادخلت المنطقة، من حيث انسحبت اسرائيل، بمقدار ما أن فرض الأمن تحقق بفضل قوة القرار السياسي اللبناني المدعوم من سورية. وهذا ما أمن للبلدين صدقية لدى المجتمع الدولي الذي ظل يراقب الوضع عن كثب الى أن تأكد له ان كل شيء على ما يرام. واعتبر ان من حق شيراك السؤال عن ضمانات للجنود الفرنسيين الذين سيلتحقون بالقوة الدولية، بغية قطع الطريق على أي طرف داخلي يحاول استغلال حصول أي طارئ امني في الجنوب. وكشف المصدر الديبلوماسي النقاب أن الرئيس الفرنسي كان أول من عارض تحويل قوات الطوارئ الدولية يونيفيل قوة رادعة، انصياعاً لرغبة الادارة الأميركية التي تريد "بالواسطة" اجراء تعديل جذري على مهمة قوات الأممالمتحدة. وأوضح المصدر ان لا صحة لما اشيع في بيروت، لدى الحديث عن زيادة عدد قوات الطوارئ، أن لفرنسا شرطاً في مقابل الموافقة على الزيادة يقضي بتكليفها الانتشار في المناطق الجنوبية ذات الغالبية المسيحية. وقال إن شيراك ينظر الى الدور الفرنسي في الجنوب من منظار التوافق اللبناني- الدولي، ولا يرغب في تكليفه خصوصية أمنية على نحو يوحي أن لدى بعض الفئات اللبنانية، من طائفة أو مذهب معين، مخاوف مستقبلية تتعلق بأمنها، اضافة الى وجود رفض رسمي لبناني لمثل هذا الادعاء الذي يقلل من تعاطي الدولة اللبنانية، مع مواطنيها على قدم المساواة، فضلاً عن ان مثل هذا التوزيع ل"يونيفيل" يسهم في تصوير الوضع في الجنوب على غير حقيقته ويظهره كأنه يتوزع على خطوط تماس غير قائمة. وأبدى المصدر ارتياحه الى عزم الحكومة ارسال قوة أمنية مختلطة من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي تتمركز في بلدتي مرجعيون وبنت جبيل، وتتولى مساندة القوى الأمنية المنتشرة في القضاءين اللذين يحملان اسمي البلدتين المذكورتين، وتعمل على التدخل لمساعدتها في حال حصول أي اشكال أمني. وفي انتظار ما سيقرره مجلس الأمن الدولي بعد انتهاء فريقي العمل الدولي واللبناني من التثبت من الحدود الدولية، فإن التقارير الأمنية لم تسجل بعد مضي نحو ثلاثة اسابيع على الانسحاب الاسرائيلي حدوث اي خلل أمني، واذا كان هناك من "خلل" فانه يعود الى انهاء الأممالمتحدة الانتهاكات الاسرائيلية وهي محط اجماع جميع اللبنانيين الذين يرفضون التسليم بخط انسحاب وهمي "يمنح" اسرائيل ارضاً جديدة من الكيس اللبناني، خصوصاً انها ترفض حتى الاعتراف به كلياً وتحاول ادخال تعديلات عليه.