لورانس ديونا ترجمة محمد مستجير مصطفي. صور حيّة من ايران: أوروبية في بلاد الملالي. دار سطور، القاهرة. 1999. 186 صفحة. لورانس ديونا الكاتبة والصحافية السويسرية المعروفة، اعتاد قراؤها أن تأتيهم بالجديد من مغامراتها في الشرق وآسيا وأفريقيا. فبعد كتب عدة منها "نساء مقاتلات من أرض الرمل"، وهي رحلة في سورية وفلسطين والعراق والكويت، ثم كتاب "امرأة في ريبورتاج" حيث تحدثت عن المرأة الشرقية والكواليس، صدر لها هذا الكتاب الذي هو نتاج رحلات الى ايران بين 1985 و1998. والكاتبة تأخذنا الى مداخل ايران ومجاهيلها. تنقلنا الى أيام الثورة ثم الحرب مع العراق، تدخلنا الى الكنائس وتزور الطوائف والأقليات، وتذهب الى المتاحف وتتعرف على الفن الايراني. وتصف كل ما تراه بدقة متناهية يحملها خليط من الريبورتاج والرواية وتجميع الذاكرة. تحدثنا عن زهور ايران وموسيقاها ثم عن الشمس. وتعود الى زواريب المدن تنقل لنا صورا وانطباعات وتأملات وأسرارا وأصواتا تخطف بها القارئ وتُسكنه صفحات كتابها وتسرد عليه احداث حياة الاشخاص الذين قابلتهم. وتتوقف فتعود بالقارئ الى النقطة ذاتها حين خطفت نفسها وذهبت بها الى الوراء، لتعود الى قصتنا وتسأل السؤال ذاته الذي انتظرناه طوال سفرها الى الماضي أو الى المستقبل. خيالها يجول ويصول بين التاريخ والوصف فتقص لنا، مثلا، قصة مهدي الذي فقد ساقه واعيد لأمه بعد عامين على الاعتقال، ولا تلبث ان تموت الأم بعد يومين على اللقاء. كذلك تصف الكنيسة التي يدخلها أسرى عراقيون وتسمح لهم الدولة بإقامة قداس ليلة رأس السنة فيغنون بالعربية ليسوع، بما يتعارض مع التأويل الديني في ايران. لورانس تتدخل في كل شيء وتبدي رأيها سواء سألت أو لم تسأل. انها تعطي رأيها بكرم ايران حيال اللاجئين الافغان. وتصف عذابها مع الحجاب وعشرات الأمتار من القماش الذي كاد يكلفها حياتها عندما وقعت عن السلم فمدت يدها الى رجل وهي في الطريق الى الهاوية لكنه رفض ان ينقذها لأنه لا يريد لمس يد امرأة. وفقط حين رمت له لورانس حزام آلة التصوير انقذها، فتتساءل ما اذا كان الاسلام يمنع انقاذ حياة امرأة!؟ رغم رغبتها في إبداء رأيها دائماً في ما ترى، فهي لا تمنع القارئ من تكوين فكرته الخاصة به. ولا تنقص لورانس الفكاهة الممنوعة في ايران. فحين تزور مكاتب مجلة "جولاغا" تلاحظ صغر صندوق الشكاوى، وتجد من يجيبها. وذلك يعود الى انه ليس في ايران محل للشكوى. وتفقد لورانس حيادها حين يدور الحديث عن المرأة في ايران، كما تفقد رزانتها تماماً عندما يدور الحديث عن الحجاب. هذا الكتاب هو جمع لذكريات لورانس ديونا عن الثورة والحرب، وذلك من خلال شهادات رسمية ومصادفات ومخاطرات عكست معاً صورة لبلد شاسع لا يمكن تغطيته في كتاب وإن امكن تقديم صورة عن اجزاء منه. وهي لم تقسمه فصولا أو أبوابا وانما رحلات أو طلعات أو لقاءات، كما يقول العنوان. والكتاب هذا الذي ينطوي على 178 عنوانا في 186 صفحة، يمكن ان يكون دليلاً صغيراً عن بلد كبير، لكن لورانس تنفي عنه صفة الدليل. لكن الحاسم ان القارئ يستطيع، من خلاله، ان يعرف عن ايران ويحفظ صورة لهذا البلد في ذاكرته لا بد ان تسعفه اذا ما زاره ذات مرة. فالكاتبة تحول المجاهيل الى قصة على طريقة الحكواتي الذي ما زالت آثاره باقية في ايران الملالي. والكتاب الذي ترجم الى عدد من اللغات، مثله مثل سائر كتبها، تميز، مثلها ايضا، بأسلوب الريبورتاج فحفل بالوصف الرشيق كالنقش على فسيفساء شرقية. وهكذا تشكلت رسوم جميلة لرحلة امرأة شمالية الى الجنوب.