غابت المفاجآت عن الدورة ال15 لرالي تونس للسيارات. فقد حصد الفرنسيون الألقاب كلها، كما غيب الموت أحدهم في رمال الصحراء التونسية المتحركة، وكان للتوانسة شرف المشاركة ولبعضهم رمزية الوصول الى نهاية السباق بصرف النظر عن ترتيبهم العام، ولعل الأهم من ذلك تعزيز الحضور النسائي للتونسيات. فبعد "هند الشاوش" أو كوبرا الصحراء كما يحلو لزملائها مناداتها، والتي أصبحت العلامة التونسية المميزة لهذا الرالي، حملت "دورة 2000" مشاركة نادية القمودي ضمن فريق ثنائي ضمها الى غيلان بعزيز الذي تمكن من بلوغ خط النهاية والحصول على المرتبة الثالثة في الترتيب العام. وكان التوانسة أجمعوا في استفتاء نهاية عام 1999 على ان البطل الأولمبي محمد القمودي هو رياضي القرن العشرين والأسطورة الوحيدة التونسية دولياً. ومحمد القمودي سليل مدينة "قمودة" في محافظة سيدي بوزيد وسط تونس وهي منطقة تتميز بأرضها المنبسطة ونيتها الريفية، ما يسمح بممارسة رياضة العدو ولا شيء غيرها تقريباً، ومن قمودة الى نابولي الايطالية حيث أحرز الميدالية الذهبية سنة 1963 ليرفع رصيده الى 4 ذهبيات وبرونزية واحدة في الألعاب المتوسطية، ومن طوكيو 1964 الى ميونيخ 1972 ، حصد القمودي ميداليتين ذهبيتين في الدورات الأولمبية. ولعلها الميداليات التونسية الوحيدة في القرن العشرين. وإذ لم ينل القمودي من العلم الأكاديمي إلا القليل فإن انتسابه صغيراً الى الجيش التونسي، وحسن توظيفه لرأسماله الرمزي "قدميه" دفعاه الى الدخول الى التاريخ وارتقائه الى رتبة ضابط في الجيش التونسي، والتحول من مدينة قمودة الى العاصمة تونس مركز القرار والأضواء، ليدير مشاريعه الخاصة ويسهر على تربية ابنتيه "صابرين" و"نادية". كان حضور نادية القمودي الى معهد الصحافة وعلوم الاتصال في الجامعة العربية للعلوم حيث تدرس، يدفع بالمناخ العام في هذه الجامعة الأهلية الى "الاستنفار" وحدوث كثير من الارتباك لدى الطلاب وبعض المدرسين، فنادية بكل المقاييس تتمتع بجمال صارخ: تناسق جسدي لافت، وعينان خضراوان تعبران عن الأنوثة والدلال من دون اسفاف أو تصنع... ولكن صورة الأب وانتصاراته المتعددة في ربيع العمر، ربما دفعا نادية لمغادرة مقاعد الدراسة والالتحاق مباشرة بعالم الواقع حيث الأضواء والكاميرا عبر تلفزيون عربي يبث من أوروبا، ولكن تعطش "الساحرة" كما تسميها الصحافة التونسية لم يشفه اغراء الشاشة الصغيرة، فاندفعت نحو عالم الموضة والأزياء بتأثير جلي من والدتها، فالسيدة القمودي التي تمكنت من بين نساء تونس من اختطاف قلب البطل تسهر على دقائق وجزئيات حياة "صابرين" و"نادية" ليمثل هذا الثلاثي النسائي صورة متقدمة وجلية لنساء تونس الطامحات في زمن ما بعد الحداثة. تقول نادية "انها صدفة... والصدفة لعبت دوراً مهماً في حياتي" في تعليقها عن مشاركتها في رالي تونس للمرة الأولى. وتضيف "أنا رجل على الحصان وداخل السيارة... وإذا أردت التأكد من ذلك اسأل غيلان رفيقي في السباق". كثيرات هن النساء اللاتي سرن على خطى والدهن من أنديرا غاندي الى بنازير بوتو الى ليلى محمد علي كلاي، ولكن نادية ابنة المدينة حيث الفضاءات مسلحة بالاسمنت ومحركات السيارات، وعلى رغم أن مدينة قمودة في الذاكرة، فإنها بعيدة... لذلك تحولت نادية الى ضاحية قصر السعيد لتبدأ رحلتها مع الحصان، الى أن توجت مع أختها بطلة لتونس في الفروسية... وبين عروض الأزياء وأضواء التلفزيون وركوب السيارات تسعى نادية الى تحدي الزمن. لكنها تعتقد أنه "مستحيل أن يصل المرء بهذه السرعة الى مستوى الوالد البطل لأنه استثناء. قد آخذ منه الشعلة لأتابع التألق لكن أن أزيحه من الذاكرة الرياضية فهذا مستحيل".. نادية لم تتجاوز بعد ال25 ربيعاً، وهو زمن تكون فيه الحياة مفتوحة على أبواب اللانهاية.