يجتمع الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء ايهود باراك في برلين في نهاية الاسبوع، لاستكمال بحث بدآه على الهاتف عن تقدم المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين. والاضطرابات في المناطق الفلسطينية والانسحاب من جنوبلبنان حوّلا الانظار عن هذه المفاوضات، وعندما سحب باراك مفاوضيه من ستوكهولم احتجاجاً على الاضطرابات، ساد شعور بأن المحاولة الاخيرة فشلت ايضاً، وهو شعور عززه قول الرئيس ياسر عرفات لداليا إتزيك، وزيرة البيئة الاسرائيلية، ان المفاوضات العلنية والسرية "تعطلت"، مكرراً بذلك شعور قادة فلسطينيين، كان آخرهم السيد احمد عبدالرحمن، الامين العام للسلطة الوطنية، الذي قال إن المفاوضات انتهت الى صفر. ثمة معلومات اخرى تقول إن مثل هذه التصريحات هدفها تحويل الانظار عن الحقيقة فالواقع ان المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين انجزوا 99 في المئة من الاتفاق، وان الاساس ارسي في ايلات قبل اسبوعين عندما قدم الاسرائيليون "خريطة مصالح" اولية نصت على ان يعود الى الفلسطينيين فوراً، ثلثا الضفة الغربية وان تعود 14 في المئة اخرى بعد بضع سنوات، فيبقى لاسرائيل حوالى 20 في المئة تضم تجمعات المستوطنات. الخريطة هذه كانت اولية، اي قابلة للتفاوض، وما احرز في ستوكهولم بعد ذلك سيمثل صدمة للفلسطينيين والاسرائيليين، فالفلسطينيون يقولون بعناد انهم لن يتنازلوا عن شبر من ارضهم، الا ان الاتفاق النهائي يقضي باعادة 90 الى 92 في المئة من الارض، ما يعني تنازلهم عن ثمانية الى عشرة في المئة من ارضهم. اما الاسرائيليون الذين اعتقدوا دائماً انهم سيحتفظون بنصف الضفة، او 40 في المئة منها، فسيكتشفون انهم سيحتفظون بجزء بسيط، واهم من ذلك ان الاتفاق سيضمن وصول الفلسطينيين الى القدسالشرقية وعودة بعض اللاجئين. ويبرر باراك الاتفاق على القدس، مع احتفاظ اسرائيل بالسيادة عليها، بقوله دائماً ان اسرائىل لا تريد ان تحكم 150 ألف فلسطيني في المدينة المقدسة. اما عودة بعض اللاجئين فستجرى تحت شعار "لمّ الشمل"، اي جمع العائلات، ثم يعوض مالياً على الآخرين. باراك لا يزال يعتقد ان الاتفاق مع الفلسطينيين ممكن طالما ان كلينتون والسيد ياسر عرفات موجودان. لذلك فالارجح ان يسعى بعد اجتماعه مع الرئيس الاميركي في برلين الى تدبير اجتماع قمة لهما مع الرئيس الفلسطيني في الولاياتالمتحدة في الخريف. واذا سار كل شيء من دون عنصر مفاجئ يقلب الطاولة على رؤوس المتفاوضين فسيكون هناك اتفاق مرحلي مع الفلسطينيين في حزيران يونيو المقبل، يحاول الاسرائيليون ان يتزامن مع استئناف المفاوضات مع السوريين بعد مؤتمر حزب البعث في 17 من الشهر المقبل، عندما يؤمل ان يلعب الدكتور بشار الاسد دوراً مباشراً مهماً في المفاوضات. والواقع ان الاتصالات لاستئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية لم تتوقف يوماً واحداً، وقد قدم الاسرائيليون افكاراً جديدة لا تصل الى حد ما يطالب به السوريون، الا ان باراك يعتقد انه يستطيع ان يتجاوز الخلاف على "بضع مئات من الامتار"، من الخطأ الكبير ان نعرقل امكان السلام بين البلدين. وكان لافتاً عشية اجتماع كلينتون وباراك ان "نيويورك تايمز" النافذة قالت في افتتاحية نادرة ان اتفاقات 1993 التي صيغت بمساعدة الاميركيين، انطوت على خلل كبير، فهناك عدم تكافؤ واضح بين الطرفين الاسرائىلي والفلسطيني، ويجب ان تلعب الولاياتالمتحدة دوراً لاصلاح هذا الخلل، خصوصاً ان الفلسطينيين ينفذون التزاماتهم، وقد هبطت العمليات "الارهابية" بشكل ملحوظ بفضل جهود السلطة الوطنية الفلسطينية. باراك خرج قوياً من الانسحاب من جنوبلبنان، فعلى رغم مهانته، اظهرت الاستفتاءات كافة ان 75 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون مبدأ الانسحاب، وقال 54 في المئة منهم إنهم راضون، او راضون جداً، عن اسلوب تنفيذ الانسحاب. الا ان باراك يدرك ان قوته هذه قد تتلاشى اذا اشتعلت الجبهة مع لبنان من جديد، او اذا نفذت عمليات انتحارية ضد اسرائىل، خصوصاً مع تنامي الشعور بأن طريق حزب الله للتحرير، هو الطريق الوحيد، ودعوة حماس الى العودة للعمليات العسكرية. وهكذا ففي حين ان الاتفاق مع الفلسطينيين شبه مكتمل، وان الاتفاق مع السوريين ممكن، فهناك عوامل كثيرة قد تستبق الاتفاقات المرجوة، من صحة ابو عمار الى اشهر كلينتون الباقية في الحكم، الى العمليات الانتحارية ضد اسرائيل في الداخل، او العمليات العسكرية عبر الحدود مع لبنان.