القاهرة - "الحياة" - بدأت القضية عندما تقدم الدكتور نصر ابو زيد الاستاذ المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة في صيف 1992 بانتاجه العلمي للترقي الى استاذ وضم انتاجه كتابي "الامام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية" و"نقد الخطاب الديني" فضلاً عن أحد عشر بحثاً ودراسة نشرت في دوريات علمية محكمة. وانتظرت اللجنة المنوط بها دراسة انتاج ابو زيد نحو سبعة أشهر قبل أن تعصف بتقارير مجلس قسم اللغة العربية ومجلس كلية الآداب التي سجلت جدارة انتاج ابو زيد وأحقيته في نيل درجته العلمية. فقد انتهز مجلس الجامعة فرصة اجتماع عقد في ظل الاجراءات التي كانت حكومة السودان قد اتخذتها ضد فرع الجامعة بالخرطوم، وهو اجتماع اتسم بالتوتر بالطبع، وتم تمرير تقرير عبد الصبور شاهين الاستاذ في كلية دار العلوم ووقع عليه 12 استاذاً هم شوقي ضيف واحمد هيكل ورمضان عبدالتواب ومحمد مكي وكمال بشر ومصطفي هدارة وعوني عبدالرؤوف وعبدالسلام عبدالعزيز ومحمود ذهني ومحمود حجازي ورفض التوقيع سيد حامد النساج. تجاهلت اللجنة الجامعية التقاليد العلمية الراسخة وأخذت بتقرير شاهين وحده ورفضت ترقية ابو زيد. وشاهين الى جانب آثاره الفكرية عمل مستشاراً شرعياً لإحدى كبريات شركات توظيف الأموال في الثمانينات. أما تقريره عن نتاج ابو زيد فتضمن عبارات "علمية" تصفه ب"الكذب والجهل والافتراء على الاسلام بمذهب هو خليط من فكر وايديولوجية وتطرف ونقد وجدلية". كما لا يعترف - شاهين بالدوريات التي نشرت ابحاث ابو زيد مثل مجلات "الهلال" و"إبداع" و"أدب ونقد" ومجلة جامعة اوساكا للدراسات الاجتماعية في اليابان ومجلة "ألف" التي تصدرها الجامعة الاميركية في القاهرة. من خلف اسوار الجامعة خرجت القضية الى الصحافة واستقطبت قطاعات واسعة من المثقفين والمفكرين وأثرت في القراء العاديين. وسرعان ما تحول الصراع الى صراع بين "رمز التيار الديني" السيد شاهين، و"رمز التيار العلماني" نصر أبو زيد، وتغيب في هذا السياق المحموم قضايا أخرى مثل حرية البحث العلمي وحدوده ومسألة التكفير ومخاطرها واللجان العلمية في الجامعة ومشكلاتها. وعندما خرجت القضية الى ساحة القضاء يجب أن نلاحظ أنه على رغم أن أبا زيد لم يمثل أمام القضاء بتهمة صريحة وواضحة كما لم يستوجب بشأن ما نسب إليه امام المحكمة. فقد اكتفت المحكمة بمجرد فحص بعض كتابات أبو زيد التي قدمها معسكر شاهين، ولم تناقش أبو زيد، فمن الوارد ان يكون هناك لبس او سوء فهم او تفسيرات غائبة عن هىئة المحكمة فنقاش المتهم أبو زيد وجوبياً هنا وليس من قبيل الترف. وفي 14 حزيران يونيو 1995 حكمت محكمة استئناف القاهرة بردة أبو زيد، وبالتالي التفريق بينه وبين زوجته، وهو الحكم الذي رفضته الزوجة ابتهال يونس، وفي الوقت نفسه لم يكف شاهين عن القاء مواعظه في جامع عمرو بن العاص لتأليب الناس على أبو زيد الذي اصبحت حياته مهددة وتم فرض الحراسة الشخصية عليه وعلى مسكنه من جانب الأمن. وهرباً من كل هذا، خرج أبو زيد وزوجته وطافا في مدن عدة أوروبية قبل ان يستقرا في هولندا حيث تلقى أبو زيد عرضاً بالعمل في جامعة لايدن التي تضم قسماً عريقاً للعربية. الفصل الأخير هو صدور حكم محكمة النقض - أعلى سلطة قضائية - بتأكيد حكم الاستئناف في آب اغسطس 1996 على رغم وصول رسالة موثقة من السفارة المصرية في هولندا يقول فيها ابو زيد أنه "مسلم ابن مسلم ولم يتطاول أبداً على صحيح الاسلام ولم يقصد الاساءة إليه". في العام الماضي أصدر الدكتور عبد الصبور شاهين كتابه "أبي آدم" وهو دراسة تأويلية حول موضوع الخليقة. الكتاب أثار عاصفة مدوية ضده من جانب حلفاء المؤلف السابقين ممن يوصفون بپ"الإسلاميين" ولم يتورعوا عن إقامة دعاوى قضائية ضده بل تهديده بتطليقه من زوجته. وأشارت الصحف الى أن شاهين يشرب من الكأس التي أجبر أبو زيد على الشرب منها، فالأيام دول، وها هو شاهين يقف في القفص، وحتى لو لم يصبه السهم هذه المرة، فإن حلفاء الأمس مصرون على النيل منه بعد أن تحولوا إلى أعداء. الكتاب صدر في العام الماضي ويقول شاهين إنه بدأ في كتابته منذ 30 عاماً "فقد كنت أحاول دائماً أن أرد نفسي عن القول في كتاب الله، وأريد أن أتثبت وأنا أنظر واتأمل مواقف العلماء والأئمة والمفسرين حتى وقفت أمام قضية الإسرائيليات"، ويضيف: "وجدت أن نكبة هذه الأمة الفكرية جاءتها من هذه الزاوية، فقلت إذاً لاپبد أن يخرج هذا الاجتهاد ما دمنا قد مكنا في أيدينا وثائق تؤكد الكذب على رسول الله وصحابته". الدعوى ضد شاهين أقامها كل من الشيخ يوسف البدري ومحام يدعى جبر ابراهيم جبر. وعندما تم تحويل الكتاب للأزهر لإبداء الرأي أفاد الشيخ سامي الشعراوي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية في 11/5/1999 بضرورة منع الكتاب لما احتواه من مخالفات وتأويلات باطلة، ثم صدر تقرير آخر في آب اغسطس بعدم موافقة المؤلف على اجتهاده وعلى الكثير من تأويلاته. وصرح الشيخ يوسف البدري حليف شاهين بالأمس موجهاً حديثه لشاهين: "لهثنا معاً وراء نصر أبو زيد حتى هرب خارج البلاد وإذا لم تتب فسوف ألاحقك بنفس الطريقة". واضاف: "لو وافقت النيابة فسوف تتحول القضية الى قضية تفريق بين شاهين وزوجته". وعلى رغم أن شاهين قد كسب هذه الجولة وحصل على حكم بالبراءة بسبب محاباة الأزهر له، فتقرير الأزهر في شأن الكتاب أشار إلى مآخذ في الكتاب وليس أخطاء تصل إلى "الكفر". على رغم ذلك فما زالت المعركة طويلة أمام شاهين بعد أن تأكد أن كلاً من الشيخ البدري والمحامي جبر ابراهيم جبر سيستأنفان الحكم. وفي نيسان ابريل الماضي بعد صدور الحكم عقدت ندوة في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حضرها عدد من المثقفين الذين وصفهم شاهين بالعلمانيين ليدافعوا عن حقه في التفكير والاجتهاد ويدينون محاولة مصادرة كتابه. والمفاجأة أن نصر أبو زيد أرسل برقية من منفاه في هولندا هذه الرسالة: "أقولها بملء الفم يا دكتور شاهين أنا على استعداد أن أدفع حياتي دفاعاً عن حقك في إعلان رأيك. فهل أنت على استعداد لمجرد الاعتراف بما ارتكبت في حق امرأة شريفة استاذة مثلك يا دكتور شاهين في الجامعة نفسها؟ ما أشجع الرجوع الى الحق".