أثيرت في الآونة الأخيرة قضية ادعاء "الموساد" ان ثلاثة من نجمات التمثيل في مصر انما هن عميلات لها، وحيث أن لي تجربة طويلة مع العدو الصهيوني في هذا المضمار. اثناء كتابتي موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" 8 مجلدات وجدت أنه قد يكون من المفيد أن أروي قصتي. فهي تبين تنوع الأساليب التي يتعامل بها الصهاينة مع من يكرهون. أولى نقط الاحتكاك كانت العام 1977 في الولاياتالمتحدة، حينما كنت أعمل مستشاراً ثقافياً للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأممالمتحدة في نيويورك. ولوحظ أن بيوت اعضاء الوفد تعرضت الى سرقات أو حرائق الواحد بعد الآخر. وكان بيتي في نيوجيرسي في المدينة الجامعية التابعة لجامعة رتغرز حيث كانت تدرس زوجتي. وكان كل شيء باسم زوجتي. بما في ذلك الهاتف، ما جعل من الصعب على الصهاينة التوصل لعنواني. ولكن حدث مرة ان كتب الطلاب العرب رسالة احتجاج على الدولة الصهيونية نُشرت في مجلة الجامعة بتوقيع الدكتورة هدى حجازي زوجتي، باعتبارها رئيس النادي العربي، نيابة عن كل الطلاب كما تتطلب لوائح الجامعة. وكان هذا هو بداية الوصول اليّ، ولم تمر ستة شهور إلا وقد سُرق من منزلي كل شيء، كل ما أملك من متاع الدنيا، بما في ذلك مكتبتي الخاصة ومسودات الكتب والمقالات التي كنت أعدها للنشر وكل ملابسنا وأوراقنا الخاصة والاجهزة الكهربائية وبعض الأثاث، ونسخة أطروحة الدكتوراة الوحيدة التي كتبتها زوجتي وكانت قد خبأتها في الموسوعة البريطانية. آلمتنا عملية السرقة هذه وسببت لنا كثيراً من الدهشة، فبيتنا لم يكن يحتوي على نفائس تستحق السرقة. فأخبرنا بعض الاخوة العرب، ممن تمرسوا في هذه الأمور، ان من قام بها هم في غالب الأمر عملاء صهاينة. ومثل هذه العمليات الاجرامية الصغيرة التي تأخذ شكل سرقة منزل عادية ويُسرق معها كل شيء بما في ذلك الاوراق والكتب ذات الاهمية السياسية، تغطي هدفاً سياسياً أكبر هو الارهاب النفسي وافقاد التوازن. ونجحت هذه الجريمة في تحقيق غرضها، فقد افقدتنا توازننا بعض الوقت - ولكن بعض الوقت وحسب، والحمد الله. اما الواقعة الثانية، فكانت مع مائير كاهانا. فبعد وصولي الى الرياض بأشهر عدة للتدريس في جامعة الملك سعود ابتداء من العام 1983 بدأتُ في تلقي سيل من الرسائل من جماعة "كاخ" الارهابية الصهيونية التي كان يتزعمها في ذلك الوقت مائير كاهانا تطلب مني التوقف عن نشاطاتي المعادية للصهيونية وإلا قاموا بقتلي.وأرسلت الجماعة ست رسائل الى عنواني في القاهرة ثم ستاً أخرى الى عنواني في الرياض. كما ارسلوا بعض رسائل لمدير الموسوعة الاولى الاستاذ محمد هشام. ولم أهتم بالرسائل كثيراً الى أن تلقيت الرسالة الثالثة عشرة بعد وصولي من الرياض الى القاهرة في اجازة قصيرة، وجاء فيها: "نعلم بوصولك، وقد أعددنا لك قبراً"، فاتصلت بسلطات الأمن المصرية التي قامت بوضع حراسة على منزلي الى أن عدت الى السعودية. واذا كانت الواقعتان السابقتان من فعل "متطرفين"، فالواقعة التالية، وهي التي تهمنا، هي من فعل "المؤسسة". فقد كشفت جريدة "العربي" القاهرية في عددها الصادر في 11 تشرين الاول اكتوبر 1993،أنها حصلت من داخل السفارة الاميركية في القاهرة على رسالة موجهة من المركز الاكاديمي الاسرائيلي الى السفير الاميركي يشكو فيها الاسرائيليون من فشلهم في محاولات التطبيع داخل مصر، لأن بعض الصحف والكتُاب المصريين يعمدون الى تشويه كل نشاطات المركز الاكاديمي الاسرائيلي في القاهرة ويتهمونه بالتجسس ويصفون المتعاملين معه بالعمالة والخيانة "بما يؤثر في صورتنا لدى الرأي العام في مصر". وتقترح الرسالة تجاوز المأزق الاسرائيلي باقتراح خطة "بسيطة وماكرة" حسب ما جاء في الرسالة وهي أن يقوم ماركس الملحق الثقافي الاسرائيلي بإعداد اوراق تثبت أن هناك علاقة بين المركز الاكاديمي الاسرائيلي وبين عدد من رموز القوى السياسية في مصر التي تعادي السلام، ثم تقول الرسالة بالحرف الواحد: "إن تسرب معلومة كهذه سوف يثير جدلاً لكنه في الوقت نفسه سوف يثبت الشكوك حول مواقفهم، وحتى لو أفرطوا في تكذيب هذه المعلومات. فإنها بلا شك سوف تبث كثيراً من الثقة في نفوس المتعاونين معنا حقاً، خصوصاً إذا تم الكشف عن هذه المعلومات بالطريقة التي يكشف بها عن اسماء المتعاونين معنا فعلاً. وأحب ألا تنظر الى هذه الفكرة باعتبارها ساذجة أو بدائية، وأريدك أن تفكر فيها". وورد اسمي في هذه الرسالة كمثال على الأشخاص الذين يمكن تشويه سمعتهم بهذه الطريقة. وبدأت الشائعات تنتشر من حولي فعلاً فاتصل بي أحد التطبيعيين يهنئني "باختياري" رئيساً لوفد ثقافي مسافر الى اسرائيل، فأخبرته انني لا أستحق التهنئة لأنه لم يخبرني أحد باختياري أولاً ولأنني لن أوافق على رئاسة الوفد ثانياً. ثم اتصل بي أحد سماسرة العقارات ليستأجر مني عقاراً أمتلكه. وعرض عليّ مبلغاً خيالياً. وحين سألته عمن يريد استئجاره قال لي إنه أحد موظفي السفارة الاسرائيلية، فرفضت بطبيعة الحال. ولكن، يبدو ان انكشاف أمر هذه الرسالة هو وحده الذي جعلهم يحجمون عن الاستمرار في هذا المخطط الصغير الخبيث. ومع هذا يبدو أنه موجود في أدراجهم وجاهز لاستخدامه ضد كل من يتصدى لهم. بهذا يجب أن ندرك مكر العدو ومحاولاته الدائمة المتنوعة لإرهاب أعدائه وتشويه سمعتهم، كما فعل مع الممثلات المصريات الثلاث. ومنذ شهر أقام مركز البحوث والدراسات السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ندوة عن موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، وحينما حضر مندوبون عن المركز الثقافي الاسرائيلي، منعهم الحرس الجامعي من الدخول، وأوضحت الدكتورة نازلي معوض، مديرة المركز، للصحافيين سياسة الجامعة الخاصة بمنع ممثلي الدولة الصهيونية من دخول الحرم الجامعي. فنشرت الصحف الاسرائيلية وقائع الحادث، وأضافت أنني قمت بدعوة المندوبين، مع أنني لم أقم بدعوة أحد لا عرباً ولا صهاينة ولا مسلمين ولا يهوداً فهذه ليست مهمتي. يبدو أن إشاعة مثل هذه الأنباء هو جزء من مخطط تشويه السمعة ومن المحاولات الدائبة التي يبذلها العدو لإرهاب أعدائه وتشويه سمعتهم، كما فعل مع الممثلات المصريات الثلاث. * كاتب مصري.