شكل صدور "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - نموذج تفسيري جديد" حدثاً ثقافياً بارزاً سيكون في مقدم الاحداث الثقافية التي سيحتفي بها معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن دورته ال 31 التي سيفتتحها الرئيس حسني مبارك الاسبوع المقبل. ويتوقع أن تحصل الموسوعة بعد نحو 20 سنة على انهماك الباحث والمفكر المصري الدكتور عبدالوهاب المسيري 61 سنة في اعدادها، على جائزة أفضل إصدار لعام 1998 في إطار المسابقة التي تنظمها الهيئة المصرية العامة للكتاب وسيسلمها مبارك خلال لقائه السنوي مع المثقفين المصريين عقب افتتاح المعرض، علماً أن الموعد الرسمي لصدور الموسوعة المسجل على غلافها هو حزيران يونيو الماضي. وكان المسيري اضطر الى تقديم استقالته من قسم اللغة الانكليزية في كلية الآداب في جامعة عين شمس ليتفرغ لإنجاز الموسوعة ابتداء من 1974 حتى 1994، وانفق - بحسب مقربين اليه - من ماله الخاص، الذي جمعه من عمله في السعودية والأممالمتحدة، نحو 5،1 مليون جنيه، ليتغلب على صعوبات التمويل. وضم فريق العمل في الموسوعة مئة باحث، منهم أسامة القفاش علم نفس وهبة رؤوف علوم سياسية وممدوح شوقي علوم فلسفية، بالاضافة الى زوجة المسيري الدكتورة هدى حجازي. وبعد التغلب على مشكلة التمويل واجه المسيري عقدة أخرى تمثلت في صعوبة عثوره، على مدى سنوات، على ناشر يجد في نفسه الشجاعة اللازمة لنشر هذه الموسوعة، التي تلقى صاحبها تهديدات بالقتل من الحاخام المتطرف مائير كاهانا بداية 1984، كي يتوقف عن اعدادها. ووجدت مشكلة النشر الحل المناسب عندما وافق المهندس ابراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة "دار الشروق"، رئيس اتحادي الناشرين المصريين والعرب، على طبع الموسوعة ثمانية مجلدات وطرحها للمرة الاولى في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وقال المسيري ل "الحياة" إن فكرة الموسوعة، التي تتناول كل جوانب تاريخ العبرانيين في العالم القديم وتواريخ الجماعات اليهودية في العالم وتوزعها، تبلورت عندما لاحظ، خلال تعاونه مع "مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية" في صحيفة "الاهرام" أواخر الستينات، وجود "فراغ كبير" في المكتبة العربية في ما يتعلق بالظواهر اليهودية والصهيونية. واضاف انه لاحظ في تلك الفترة "وجود سوء فهم للخطوط العريضة للسياسات اليهودية وتوجهاتها في العالم العربي، خصوصاً أن العديد من المصطلحات والمفاهيم الصهيونية واليهودية لا يستطيع كثيرون من السياسيين العرب استيعابه أو فهم دلالاته، مما يوقعهم في براثن التحايل السياسي اليهودي. وبالاضافة الى تناولها السمات الاساسية والهياكل التنظيمية للجماعات اليهودية في العالم، تسلط الموسوعة الضوء على علاقات أفراد تلك الجماعات بالمجتمعات التي يُوجدون فيها وبالدولة العبرية. ويؤكد المسيري أن عملية الاستيطان الصهيوني في فلسطين هي في جوهرها تصدير لإحدى مشاكل أوروبا الاجتماعية الى الشرق. ويوضح أن يهود أوروبا كانوا بحسب المفهوم الاوروبي مجرد فائض بشري لا نفع له، رأت هذه القارة أنه يمكن توظيفه في خدمتها في فلسطين، خصوصاً أن نظرتها الى العرب تلخصت في أنهم ايضاً كتلة بشرية تقف ضد المصالح الغربية. وهكذا، يضيف المسيري، تعامل الغرب مع فلسطين على أنها أرض أعيد صوغها بما يتلاءم مع مصلحة الانسان الغربي، وبالتالي فإن اسرائيل في نظر الغرب، دولة تؤدي دوراً مدفوع الأجر أقل كلفة بالنسبة إليه من حاملات الطائرات او الجيوش. موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، تتوج جهداً يرجع الى بداية السبعينات، أثمر كتباً للمسيري في محاولته درس الظواهر اليهودية والصهيونية وتعريفها، منها كتاب "نهاية التاريخ"، وكتاب "الايديولوجية الصهيونية - دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" الذي نُشر في جزءين في سلسلة "عالم المعرفة"، ثم صدرت منه طبعة ثانية من جزء واحد في 1988. ووضع المسيري مؤلفات بالانكليزية خلال فترة عمله مستشاراً ثقافياً ضمن وفد جامعة الدول العربية الى الأممالمتحدة 1975- 1979، أهمها كتاب عن الصهيونية عنوانه "أرض الوعد" تقرر تدريسه في عدد من الجامعات الأميركية، وكتاب "الفردوس الأرضي"، وكتاب آخر عن اسرائيل وجنوب افريقيا، طُبع غير مرة وترجم الى عدد من اللغات الاوروبية. لكن ما يميز موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية - نموذج تفسيري جديد" - كما يقول الناشر ابراهيم المعلم - انها موسوعة عربية شاملة عن الظواهر اليهودية والصهيونية، تضع للمتخصصين "إطاراً شاملاً وجديداً" يمكن من خلاله درس اليهود واليهودية والصهيونية واسرائيل، وستزود صانع القرار العربي، مقداراً كبيراً من المعلومات اللازمة لاتخاذ أي قرار. تضم الموسوعة ثمانية مجلدات، متوسط عدد صفحات كل منها 450 صفحة، ويتناول كل مجلد موضوعاً محدداً، علماً أن المجلد الثامن يضم الملاحق والفهارس، ويضم كل من المجلدات الأخرى أجزاءً مقسمة الى عدد من الأبواب تتضمن 2300 مدخل.