جميعهم يتكلم اللغة العربية، بالطبع، لكن على رغم ذلك بدت بعض الكلمات غير مطواعة، إضافة الى تعابير وأفكار كانت تندفع باللغة الإنكليزية. تحاول هذه المجموعة من الشباب الطلاب العرب في بريطانيا المستحيل للإبقاء على صلات مع لغتهم، ومع كل ما يقربهم من أوطانهم أكان لبنان أو العراق أو اليمن أو الصومال أو أي بلد عربي، ولا تمر فرصة أو مناسبة لها صلة ببلدانهم إلا ونزلوا فيها يؤكدون دورهم ووجودهم فيها من دعم المقاومة في جنوبلبنان إلى الإلحاح على رفع الحصار عن العراق، الى السرور لانتصار نسيم حميد في جولاته الرياضية. حتى إن بعضهم وشم كتفه باسم بلده، وبعضهم الآخر يرافق العلم اللبناني سيارته أو الحقيبة التي يحملها. لكن هذا كله لا يخفف من غربتهم. من حتميات الغربة اضطرارهم لإتقان اللغة الإنكليزية لأنها لغة معظم اليوم إذا لم يكن اليوم كله. إضافة الى أنه لم يتسن لهم اتقان لغتهم الأم في بلدانهم فكلهم جاؤوا الى هذا البلد وهم في أعمار تتراوح بين الحادية عشرة والأربع عشرة سنة. إضافة الى الظروف الصعبة في أوطانهم. لذا أصبحت الإنكليزية لغتهم اليومية من الدراسة الى حكايات الشلة الجامعية التي يعيشون في وسطها. وفي أحاديثهم اتفقوا على أمر واحد هو أنهم سيبقون في بريطانيا الى أن يتمكنوا من الحصول على شهادات اختصاص وعمل ثم يفكرون بالعودة. لكن المهم هو أن ما قالوه يشكل شهادات على زمن الإنهاك والحياة الصعبة التي مرّ هؤلاء الشباب فيها هم وغيرهم في بلدانهم. يقول هلال محيي الدين، إنه جاء الى بريطانيا وكان عمره 14 عاماً، وحالياً عمره 20، جاء إلى لندن حيث تابع الدراسة باللغة الإنكليزية في ظروف صعبة، لكنه تمكن من اجتياز الكثير من العقبات ووصل الى الجامعة حيث يدرس الاقتصاد و"البزنس" بشكل خاص، وعندما ينتهي من الجامعة، يقول إنه يريد أن يعمل في شركة غربية. ويضيف "عندما أرتاح مالياً ونفسياً أريد العودة والعيش في بلدي". لكنه يتذكّر حالاً من التعب العام، يقول إنها كانت تمر بالبلد دفعت عائلته كما دفعت الكثيرين إلى الرحيل. وفي هذا المجال، يقول ظافر الفيّاض، وبلغة مغايرة بعض الشيء، إنه عراقي لكنه لا يعرف العراق لأنه عاش سنتين في لبنان وأربع سنوات في سورية وخمس سنوات في اليمن، ولا صلة له بالعراق، رغم حبه له. جاء إلى لندن في ظروف صعبة وهو في الحادية عشرة من عمره، والآن هو في العشرين، وأصبح الآن في الجامعة. صحيح أنه عربي كما يقول، لكن هذا التشرد بين بلد وآخر كان صعباً فعلاً وكان لا بد من الاستقرار، وهو ما تحقق هنا. وحول ما حققه من مكاسب في بريطانيا، قال: "بعض الهدوء في الحياة، ومكاسب دراسية، وفرصة للحصول على شهادة جامعية معترف بها في جميع أنحاء العالم، الى جانب وجود فرصة للحصول على عمل محترم. أدرس علوم الحاسوب "الكومبيوتر سيانس" وسيكون العمل في هذا المجال في هذه البلاد. ولست مستعداً حالياً للعودة الى العراق، أصلاً، لا أعرف العراق إلا من أهلي، لكن يمكن أن أعود بعد أن أنهي دراستي الجامعية شرط أن تكون ظروف العراق قد تحسّنت فهو بلدي وأتمنى أن تتحسن ظروفه وظروف البلاد العربية كلها". وجاء في شهادات الآخرين: رامي عثمان من لبنان الذي يدرس هندسة الميكانيك والأحمد يوسف من الصومال ويدرس الأدب الإنكليزي، وعمر عبدلي من اليمن ويدرس تكنولوجيا المعلومات، أنهم في هذا البلد بسبب ظروف بلدانهم الصعبة، والذي كسبوه هو الدراسة الجامعية والحصول على اختصاص جامعي. أما العودة الى بلادهم فهي رهن بالمستقبل وخاضعة لظروف العمل والعيش، ويرون أنهم لا يجدون صعوبة عيش في بريطانيا ولا يعانون من الوحدة، ولهم صديقات أجنبيات، وهم لا يمانعون من الزواج منهن كل بحسب ظروفه، كما قال أحدهم. في حين فضّل اثنان منهم، ويبلغ عددهم 12 شخصاً، الزواج من بنات الوطن والدين الواحد. ويشترطون الحب قبل الزواج، ويرفضون الزواج من أجل الجنسية علماً أنهم لا يبحثون عن الجنسية الآن لأنها ستأتي لوحدها. وهناك سبعة من بينهم يعرفون بعضهم بعضاً، على رغم وجودهم في جامعات متباعدة. ويقولون إن بريطانيا ممتعة، وصداقاتهم فيها من جميع الجنسيات والثقافات وليس لديهم تفرقة، ولم يواجهوا تفرقة عنصرية حتى الآن، لكنهم يتابعون ما ينشر أحياناً عن هذا الموضوع. يقضون أوقات فراغهم في الرياضة واكتساب اللياقة البدنية ويمارسون السباحة، الى جانب أن بعضهم يذهب من حين لآخر الى النوادي ومرابع الرقص الليلية. لكنهم يصرفون معظم وقتهم في الدرس، وسبق أن عمل معظمهم في مجالات عدة: رامي عمل في إيصال إحدى الصحف العربية من مكان إلى آخر بسيارته، وهلال عمل في مجال الموسيقى، وبعضهم عمل في فنادق ومطاعم. العمل ليس عيباً، يقولون، وهو في هذه البلاد ضروري جداً. فهم إلى جانب ما تقدمه الدولة في بريطانيا لهم من منح ومساعدات، يعتبرونه ضرورة حياتية. أكثرهم ينصح شباب بلاده أن لا يهاجر، لكن البعض وجه نداء لهم بالمجيء الى بريطانيا حيث الحرية في رأيه ومجالات الحياة والعمل.