البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    محترفات التنس عندنا في الرياض!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اريك رولو ل"الحياة":إسرائيل لا تريد السلام الآن مع سورية وتنتظر نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2000

} إطلع اريك رولد على أحوال العالم العربي مرتين: عندما عمل خلال سنوات طويلة كصحافي غطى التطورات في هذه المنطقة واهتم بالصراع العربي - الاسرائيلي، وعندما تحول الى ديبلوماسي في تونس ثم تركيا. يقال عنه "انه الرجل الذي يعرف أكثر مما يكتب" وذلك لندرة المؤلفات التي وضعها. ولعل الأهمية التي تعطى لما يقوله، في هذه المقابلة وغيرها، ناجمة عن خبرته الطويلة التي تجعل لكلامه وقعاً خاصاً.
كيف تفسرون فشل القمة بين الأسد وكلينتون في جنيف! وهل كنتم تنتظرون هذه النتيجة استناداً للتعنت الإسرائيلي المعروف؟
- كنت أتوقع فشل القمة لمعرفتي الكافية بمواقف الطرفين وخصوصاً في ظل اطلاعي على العناصر التي تؤكد أن اسرائيل لا تريد السلام مع سورية الآن. وتكمن أسباب الموقف الإسرائيلي الأخير وغير المقبول تماماً في ضعف هامش المناورة الذي يتمتع به باراك في البرلمان ورفض معظم وزراء حكومته اعادة الجولان الى سورية حتى وان كان الأمر يتعلق بشبر واحد الأمر الذي دفعه الى تفادي أزمة حكومية، اضافة الى رفض باراك المرور عبر كلينتون الذي يحاول دخول التاريخ قبل انهاء فترته الرئاسية كرجل صانع للسلام ومن مصلحته أن يتسرع لتحقيق هدفه.
ومن مصلحة باراك أن ينتظر الرئيس الأميركي الجديد الأمر الذي يؤكد ان السلام مع سورية لن يتم في كل الأحوال في ظل عهد كلينتون...
- لا شك في ذلك، والوقت يخدم باراك أكثر وليس هناك ما يقلقه سياسياً سواء تعلق الأمر بالوضع الداخلي أو الخارجي وسوف لن يتم شيء قبل أكثر من عام ونصف بحكم اهتمام كل رئيس أميركي جديد بالوضع الداخلي خلال العام الأول من تسلمه مقاليد الحكم كما أن الرئيس المقبل يمكن أن يُمنح ثقة الأميركيين مرة ثانية، وحيال هذا الأمر أعتقد أن باراك حقق انتصاراً سياسياً وديبلوماسياً وسعة هامش المناورة لديه تركته يقدم تصوراً مخالفاً لما كان منتظراً منه الشيء الذي يفسر لماذا سورية رفضت الموقف الإسرائيلي أيضاً، وأمام المعطيات السالفة الذكر يمكن القول إنه ضيَّق الخناق على سورية وأوهم الصحافة العالمية أنها لا تريد السلام علماً أن الانسحاب من الجولان السورية حسم دولياً كما تعرفون. ويتمثل السبب الآخر الذي عمق هامش المناورة لديه في نيته للانسحاب من جنوب لبنان لوضع حد لورقة "حزب الله" التي ما زالت تستعملها سورية للضغط على اسرائيل ناهيك عن معرفته لحدود المساندة الإيرانية لسورية عبر "حزب الله" الى ما لا نهاية في ظل اقتراب موعد وصول حكومة جديدة، وتبقى الأسباب الأولى أكثر أهمية في سياق الحديث عن مستقبل الصراع السوري - الإسرائيلي.
إذا فهمت تحليلكم... يبدو أن السلام بينهما ما زال بعيداً وان اسرائيل هي الرابحة في كسب الوقت؟
- بالضبط... وباراك يلعب الأوراق السالفة الذكر لمحاولة فرض شروطه موازاة لإضعاف سورية من يوم لآخر، وأنا شخصياً لا أعتقد إمكان حدوث السلام قبل وقت قريب بغض النظر عن احتمال بروز تطور مفاجىء وغير منتظر، والأكيد أنه لن يحدث شيء الى غاية انتهاء عهد الرئيس كلينتون.
الى أي حد يمكن القول أيضاً إن الأسد غير متسرع لإبرام اتفاق سلام مع اسرائيل حتى وان بقيت الجولان محتلة، وأن هناك اعتبارات أخرى تخص علاقته بأميركا أساساً؟
- في المطلق معكم حق وسورية تستطيع أن تعيش من دون الجولان، وصحيح أنه قال بعد "قمة جنيف" أنه غير متسرع خلافاً لما يقال إعلامياً. ان مشكلة سورية مع أميركا وليس مع اسرائيل ويوم تقبل بالسلام ستفتح للأسد امكانات تحسين الوضعية الاقتصادية وتعزيز سلطته أكثر من أي وقت مضى. والمعروف أن أميركا وعدت سورية إذا قبلت السلام بحذفها من قائمة الدول الإرهابية الشيء الذي سيمكنها من الحصول على مساعدات الهيئات المالية والدولية وأميركا نفسها كما تم الأمر مع دول عربية أخرى صديقة لأميركا وبذلك تتحول الى دولة عربية محمية سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
لكن الأسد غير مستعد للسلام وفق الشروط الإسرائيلية وبالتالي لا يمكن تصور هذا السيناريو حتى وان ضيّق عليه الخناق كما أسلفتم الذكر.
- وهذا ما حصل وما سيحصل خلال الأعوام القليلة المقبلة حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، ومما يزيد من ضعف سورية عدم قدرتها على القيام بحرب، وأمام مختلف مظاهر الأمر الواقع ما عليها إلا الاعتماد على نفسها من خلال انتهاج سياسة داخلية بعيداً عن السلام أو الحرب مع اسرائيل.
كيف؟
- من طريق تحديث الحياة الاقتصادية والسياسية واستغلال امكاناتها البشرية وغير البشرية. والمعروف أن نظامها الحالي لا يستجيب لمتطلبات الحداثة بالمرة، والسؤال الذي يفرض نفسه حيال هذه الضرورة هو: هل الأسد مستعد للقيام بذلك بكل ما يفرضه التحديث من متطلبات شاملة ومشاكل سياسية عملية؟
والإجابة؟
- أطرح السؤال معكم علماً أنني أعتقد أنه ليس من السهل لقائد عربي مثل الأسد أن يغير من نهجه بين ليلة وأخرى بسبب تجذر النظام... ومهما يكن من أمر أترك باب الإصلاح مفتوحاً في ظل وجود مستشارين بإمكانهم تأكيد الصعوبة القائمة، ويقال عن ابنه بشار أنه عصري وعليه لا يمكننا استبعاد امكان تغيير نسبي يمس جهاز الدولة والمنظومة الاقتصادية في ظل العولمة الزاحفة على رغم أنوفنا. ونحن في فرنسا نواجه هذا التحدي فما بالك في بلد مثل سورية.
في أي اتجاه... ستحدد العلاقة السورية - اللبنانية في ظل المعطيات السالفة الذكر؟
- أنتم تعرفون أن سورية ولبنان يشكلان شعباً واحداً تقريباً على كافة الأصعدة إلا أن هذا لا يعني أن العلاقة ستبقى كما كانت وستؤول الى مزيد من الاستقلالية مهما بلغت عوامل التقارب.
وماذا عن التحالف الإيراني - السوري من خلال حزب الله الذي سيوقف هجماته ضد اسرائيل في حال انسحابها من جنوب لبنان من جهة، وعن "الوصال" الإيراني - الأميركي الأخير في ظل التطور المذكور من جهة أخرى؟
- ستتحدد العلاقة الإيرانية - السورية في ضوء الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وبالتالي انتهاء الدعم الإيراني ل"حزب الله" من جهة، وتطور الوضع السياسي الإيراني على الصعيد الداخلي من جهة أخرى، وكما هو معروف... يتميز الإصلاحيون الذين فازوا في الانتخابات عن القادة المحافظين بدعوتهم الى الانفتاح على العالم العربي ودمقرطة ايران وتحسين الوضع الاقتصادي، وفي ظل هذه الاعتبارات ستأخذ العلاقة الإيرانية - السورية مساراً قد لا يخدم سورية كما كان الحال من قبل، وهذا على رغم الموقف المبدئي الإيراني الذي ينص على عدم الاعتراف بإسرائيل حتى في ظل التصورات السياسية المختلفة بين الإصلاحيين والمحافظين.
ألا تعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين يمثلون المشكلة الكبيرة في سياق تطور الصراع السوري - الإسرائيلي في ظل الانسحاب الإسرائيلي المرتقب؟
- انهم فعلاً "المشكلة الكبيرة" كما تقولون وحالياً تعد مستعصية الحل على رغم أن المطلوب من اسرائيل الانسحاب غير المشروط من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تكمن هذه المشكلة في استحالة اخراج نحو 250 ألف اسرائيلي يهودي في الضفة الغربية وغزة بسبب تعنت ورفض باراك، وعدم تنازل اسرائيل عن القدس للأبد، ومهما بلغ تنازلها عن بعض الأراضي فسوف لن يستطيع الفلسطينيون تشكيل دولة قائمة ناهيك عن الاعتقاد الصهيوني الذي يدفع الإسرائيليين الى تبني مواقف متطرفة تتجاوز حتى باراك نفسه.
وماذا يستطيع أن يفعل عرفات حيال هذه المعطيات؟
- لا يستطيع أن يفعل أي شيء أمام ميزان القوى الذي كان وما زال في صالح اسرائيل والنخب المثقفة والسياسية التي تقف ضده وترفض اتفاقات أوسلو لا تقدم الحل البديل وتكتفي بالمعارضة وهي غير مخطئة في موقفها ما دام المسار الحالي لا يعيد الحقوق الفلسطينية الكاملة وعرفات ليس خائناً ولا قبيحاً وهو محاصر من كل الجهات. منظمة التحرير الفلسطينية انتهت والانتفاضة لم تعد ممكنة لأنها لا تضمن الانتصار المرجو كما حدث من قبل، ومعجزة ما وحدها تستطيع أن تغير ميزان القوى لصالح الفلسطينيين.
والحل؟
- تطرحون السؤال بهذا الشكل لأنكم تعتقدون ان اسرائيل لن تتنازل عن القدس الشرقية على رغم "أنف" الأمم المتحدة. معكم حق لأن اسرائيل أخذت ربع الضفة الغربية لبناء القدس الكبيرة نحو 1000 كلم2 وملئها بمستوطنات جديدة، والمعروف ان المطلوب منها دولياً الانسحاب والعودة الى ما كانت عليه القدس عام 1967.
وهل تعتقدون ان السلام بين الأردن واسرائيل قد تحقق فعلاً، بغض النظر عن الاتفاق الموقع رسمياً؟
- لا أعتقد، وهنا يتضح الحساب الخاطىء الذي تبناه الإسرائيليون حيال الأردن ومصر، وسوف لن يحصلوا على السلام المرجو قبل اعادة أقل ما يمكن تصوره من الأراضي الفلسطينية، وكيف يمكن تصور سلاماً على الطريقة الإسرائيلية، إذا عرفنا أن الفلسطينيين يشكلون نصف الأردن تقريباً؟ انني أجيب وكأنني أتوجه الى الإسرائيليين ان هذا الأمر غير ممكن على رغم كل التناقضات الأردنية - الفلسطينية بحكم الموقف الرافض للسلام الذي تريد أن تفرضه اسرائيل، وميزان القوى الذي يميل نحو اسرائيل لا يكفي لتحقيق السلام مع العالم العربي.
لكن الخاسر الكبير في ظل الحساب الإسرائيلي الخاطىء هو العالم العربي الممزق واسرائيل ليست في خطر ولا ضعيفة. أليس كذلك؟
- اسرائيل لم تكن في خطر يوماً ما والدعاية الصهيونية هي التي كانت وراء هذه الخرافة مدة ثلاثين عاماً، ولقد حققت ما كانت تصبو اليه دولة وعلاقات عادية مع الجيران.
لماذا لا تريد السلام إذاً؟
- لا... لا وربما ينطبق ذلك على سورية الآن.
لكنها تريد سلاماً غير عادل ومن باب تحصيل لحاصل لا تريد السلام؟
- معكم حق وسأشرح لماذا. ان اسرائيل أسيرة تناقضاتها السياسية ولا تريد السلام العادل لأنها تعي أن ميزان القوى في صالحها وان الأقوى والمنتصر هو الذي يفرض شروطه وذلك ما أكده التاريخ مرات عدة.
وكيف تحولت تاريخياً قوة العرب المعروفة الى ضعف، الأمر الذي أدى الى "خضوعهم" للسلام الإسرائيلي الجاري؟
- أذكر سببين أساسيين، ويكمن الأول في التخلف على كافة المستويات وكان بإمكانهم معالجة صراعهم مع اسرائيل بطريقة أخرى، أما السبب الثاني فيتمثل في تبعية العرب لأميركا وهو السبب الأهم في تقديري ولم يحدث أن تحالف اثنان تاريخياً كما تحالفت أميركا مع اسرائيل. خلافاً للعالم العربي، اسرائيل أقوى سياسياً وتكنولوجياً واقتصادياً، واستطاعت أن تقضي على قوة العرب المتمثلة في النفط، وأميركا كما ذكرت هي الحليف الأول لإسرائيل وهي الدولة الأقوى في العالم!
لا نستطيع أن نتحدث عن ضعف العرب في هذا السياق خارج ما حدث للعراق وما زال الى حد لحظة اجراء هذا الحديث معكم وهل ما قام به صدام حسين يكرس التخلف العربي أم أن هناك مؤامرة صهيونية للقضاء على العراق البلد العربي القوي، وربما الأقوى في العالم العربي؟
- ما حدث من غزو عراقي للكويت لم يكن إلا ذريعة لضرب العراق الذي أصبح يهدد اسرائيل في مطلع التسعينات بحكم قدرته النووية ونخبته العلمية الأقوى في العالم العربي، وجاء خطأ صدام القاتل بغزو الكويت ليكرس فرصة القضاء على العراق وتحييده بعد أن أقنعت اسرائيل أميركا بضرورة اضعافه، ناهيك عن رفض هذه الأخيرة لكل قوة عربية يمكن أن تقلقها في المنطقة بغض النظر عن وجود اسرائيل، وشخصياً أعتقد أن تصريحات صدام ضد اسرائيل تدخل في اطار قصر النظر السياسي وبالأحرى التخلف السياسي، ولقد استغلت ضده لاحقاً كما لا أحب الحديث عن صدام كشخص وأعرف عيوبه ومزاياه جيداً، أعرف قادة في العالم العربي ليسوا أقل منه ديكتاتورية أو ضعفاً سياسياً. من جهة أخرى أفضل الحديث عن ضعف عربي استغله الأعداء وليس عن مؤامرة كما يقال منذ وقت بعيد، والحديث عن مؤامرة يعد أمراً ثانوياً أمام الأسباب المحددة للضعف العربي.
ما هو رأيكم في قول البعض ان غزو صدام الكويت "فبركة أميركية" على الصعيد النفسي؟ وإذا كنتم ترفضون هذا الطرح... كيف تفسرون قرار الغزو الذي أضحى ذريعة لإذلال شعب عربي كامل؟
- أعتقد أنه نتيجة قلة وعي سياسي ونقص معلومات وسوء تقدير مرة واحدة، وبحسب معلوماتي لم يكن يتوقع التدخل الأميركي كما قال للسفيرة الأميركية أبرل، وظن أنه سيبقى مشكلة عربية - عربية، ومهما كانت صحة فرضية المؤامرة أو عدمها، كان عليه أن يعرف أن أميركا لا يمكن أن تبقى غير مبالية أمام وضع يهدد أغنى منطقة نفطية عربية في العالم. صدام أخطأ، كذلك لما اعتقد أن أميركا لن تتدخل خوفاً من "التجربة الفيتنامية"، وأذكر ان طارق عزيز صرح بهذا الكلام إذا لم تخني الذاكرة، كما قال ان اميركا ستدخل العراق وانه باستطاعته رميها في فخ لا يمكنها من الخروج، ونحن نعرف أن قواتها بقيت عند الحدود بعد أن أخرجت القوات العراقية من الكويت وأخيراً ظن أن غزوه سيمكنه من الحصول على النفط الموجود في الحدود العراقية - الكويتية وعلى قمة عربية تناقش الصراع العربي - الإسرائيلي.
من جهتي... أعتقد أنه لم يكن يتوقع تحالف بعض الدول العربية ضده وتدخلها الى جانب أميركا.
- آه... آه... نسيت هذا الجانب ولو سئلت يومها "هل ستتدخل سورية ضد العراق؟ لقلت لا"، ونتج الموقف العربي من تغير المعطيات الدولية وانهيار الاتحاد السوفياتي وانفراد أميركا بالزعامة العالمية.
ما تسمونها بالحسابات الخاطئة تؤكد في تقديركم أن صدام استراتيجي سيئ؟
- أكثر من سيئ ولم يفهم شيئاً في الوضع القائم وظن ان الرأي العام الأميركي سيقوم بثورة معبراً عن رفضه للتدخل الأميركي وأعرف أن مستشاريه كانوا يدركون خطأ تصوره لكن لم يجرؤ أحدهم على مصارحته.
تريدون القول ان موقفه ناتج أيضاً عن سياسته الداخلية؟
- بالضبط.
وهل تعتقدون أن الحال سيبقى كما كان، وان صدام سيصر على نهجه مهما كلفه الأمر؟
- لا أظن أنه سيغير موقفه، وفي الوقت الذي عزز فيه قبضته داخلياً يعيش العراقيون وضعاً درامياً فاق كل تصور، ولقد استطاعت أميركا أن تقضي على العراق نهائياً ولا أمل في نهوضه مستقبلاً، وسبق لطارق عزيز أن قال لي في بغداد أن بايكر وزير الخارجية السابق قد وعد العراق ببئس المصير، وقال: "اننا سنضرب العراق ونعيدها الى نصف قرن نحو الوراء"، وهذا فعلاً ما فعلته أميركا.
أفهم من كلامكم أن لا أمل في تغيير النظام العراقي؟
- أنا أستند في اجاباتي على وثائق وحقائق، وأعرف أنه من المستبعد جداً اغتيال صدام وحتى لو حدث هذا فسوف لن يحدث أي تغيير، ومارتن انديكس وأولبرايت قالا إن أميركا ستبقي العراق على حاله حتى وان رحل صدام من الحكم، وهدف أميركا ليس القضاء على صدام بل على العراق، والعراق مثل ايران يعد بلداً سوقياً ويجب تأديبه في نظر أميركا.
أفهم أيضاً أن تحليلكم يصب في مجرى الذين يقولون ان الصراع العربي - الإسرائيلي - الأميركي جيواستراتيجي أكثر مما هو ايديولوجي، وبالتالي صراع عربي صهيوني كما يقول البعض الآخر. أليس كذلك؟
- انه صراع جيواستراتيجي يتكامل مع المصلحة الصهيونية.
انت كفرنسي وأوروبي... ألا تعتقد أن أوروبا اكتفت بالتفرج ولم يكن لها أي دور يذكر في مسار السلام العربي - الإسرائيلي كما هو قائم الى حد الساعة؟
- أؤيد قولكم وأؤكد أنني موافق على النتيجة وربما نختلف على الأسباب. أوروبا كانت واضحة في موقفها منذ تصريح صقلية 1980 وأوروبا السياسية التي تشيرون اليها غير موجودة وثلثها يخضع لأميركا وعلى رأسها تأتي بريطانيا وتليها المانيا ووحدها فرنسا التي حاولت تصحيح الموقف وفشلت كما هو معروف، ويوم اجتمع الأوروبيون قبل عامين واتفقوا على مذكرة مكونة من 10 نقاط أرسلت الى أولبرايت لم يحصلوا على رد أميركي واضح، وبعد شهرين أرسلت لهم رداً تضمن شكراً.
هل يمكن القول ان مسؤولية الأوروبيين هي نفسها مسؤولية العرب في المصير الذي آلت اليه عملية السلام بحكم الانقسامات الذاتية التي يعانون منها وبالتالي الضعف السياسي المزمن؟
- هذا صحيح والأسد نفسه لم يتجاوب مع الدعوة الفرنسية يوم زار باريس وقال "انني سأفكر"، أما العرب - وكما أسلفت الذكر- فهم غير قادرين على مواجهة أو اغضاب أميركا وكما قلتم الضرر ذاتي في الحالين.
أخيراً... هل تعتقدون ان الجزائر يمكن أن تستعيد دورها في العالم العربي منذ عودتها الى الواجهة الدولية بحكم سمعة الرئيس بوتفليقة أم أن الأحداث قد تجاوزتها داخلياً وخارجياً؟
- الجزائر واقعة في فخي حربها الداخلية غير المرشحة للتوقف في ظل المعطيات القائمة، وفي عدم قدرتها على اللحاق بتطورات واقع السلام الجاري وشخصياً أقترح عليكم استكمال السؤال إذا سمحتم بالقول: وهل تستطيع أن تفعل شيئاًَ على رغم كل ذلك؟
والجواب هو لا في اعتقادي...
- تستطيع أن تقوم بشيء وهي ربما بصدد القيام به وذلك من طريق اتخاذ موقف واضح من الصراع العربي - الإسرائيلي وبروزها على الصعيد الإعلامي الدولي، ولا يمكن تقدير هذه الأهمية من دون العودة الى الدور الذي لعبته من قبل، الأمر لا يمكنها من تطبيع العلاقات مع اسرائيل، وإذا فعلت ذلك فتكون قد أضعفت الصف العربي أكثر من أي وقت مضى، وأنا شخصياً لا أعتقد ستفعل ذلك على رغم الضجيج الإعلامي الذي أحاط بها منذ وصول بوتفليقة الى الحكم، ومقارنة بالمغرب مثلاً الجزائر ما زالت متحفظة جداً.
وماذا عن تقديركم لبوتفليقة الأمس وبوتفليقة اليوم في سياق حديثكم عن موقف الجزائر من الصراع العربي - الإسرائيلي؟
- لقد حافظ بوتفليقة على "إتيكة" المدافع عن العالم الثالث إلا أنه يعي المعطيات الجديدة، الشيء الذي لا يمكنه من لعب الدور نفسه.
وكيف تفسرون مصافحته لإيهود باراك في المغرب؟
- انه موقف قائد متحضر ولم أصدم كما حدث للبعض وهذا لا يعني أنه موافق على سياسته ويمكن للإنسان أن يصافح عدوه من دون أن يخضع له. والتنديد بما فعله بوتفليقة يعبّر عن التخلف الذهني لدى بعض العرب، وشخصياً أعتقد أن بوتفليقه انتصر ديبلوماسياً على الصعيد الدولي وضمن اعجاب ملايين من الناس المتحضرين ولم يقع في الفخ لما رفض مقابلة الإسرائيليين.
الى أي حد ستمكن زيارة بوتفليقة المرتقبة في حزيران يونيو المقبل الى باريس في اثارة مستقبل السلام، علماً أن للبلدين مصلحة سياسية مشتركة للتخفيف على الأقل من الأمر الواقع الأميركي؟
- لا أتصور ان بوتفليقة سوف لن يثير موضوع السلام أثناء لقائه مع الرئيس شيراك وسيجد الآذان الصاغية الكافية لتعزيز مكانته الدولية، ولفرنسا مصلحة في دعم جهود الجزائر لإيجاد سلام عادل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.