قبل فترة عمت روسيا موجة دفء غير عادية أفرحت الكثيرين، إلا أنها في الوقت ذاته كدرت مزاج رجال الشرطة الذين ازدادت همومهم. فمع انحسار الثلوج تكشف الأرض أسراراً مرعبة وتظهر مئات الجثث المجهولة الهوية التي ظلت تحت غطاء أبيض منذ أشهر. وغالباً ما يعثر المحققون وعابرو السبيل على جثث مشوهة قطعت رؤوسها أو بترت اصابعها ما يجعل التعرف الى اصحابها شبه مستحيل. ونقلت صحيفة "سيفودني" عن فاليري روغوف نائب مدير التحريات الجنائية في مقاطعة موسكو ان 4715 جثة لأشخاص مجهولي الهوية تم التعرف اليها في المناطق المحيطة بالعاصمة عام 1999، وهذا يزيد 15 ضعفاً عن 1991 عندما انطلقت "الاصلاحات" الراديكالية. ومنذ أشهر يستبد القلق بضابط روسي كان عمل مستشاراً عسكرياً في دول عربية، إذ أن صهره الشاب "اختفى" من دون أن يعرف أحد مصيره. وقال الضابط ل"الحياة" ان صهره خرج من المنزل ليشتري عربة لابنه الوليد وشاهده الجيران يتحدث بعصبية الى ثلاثة شبان حملوه على صعود سيارة انطلقت نحو ضاحية ليوبرتسي المعروفة بأنها تحت رحمة العصابات. هناك حوالى ستة آلاف دعوى جنائية عن "اختفاء" مواطنين، ويرجح المحققون أن كثيرين منهم لم يعودوا على قيد الحياة. وعند اكتشاف جثة تظهر عليها آثار التعذيب والتشويه يصعب التعرف الى صاحبها. وذكر روغوف ان 30 في المئة من الجثث يعرف اسماء أصحابها، وان الشرطة لا تكشف سوى أقل من 25 في المئة من الجناة. وخلال العام الماضي سجلت في روسيا 31 ألف جريمة قتل، علماً بأن الجيش فقد أكثر من ألفي عنصر خلال ستة أشهر في الحرب الشيشانية. ويلقى الكثيرون من المواطنين مصرعهم على أيدي عصابات المافيا التي تضم في ضواحي موسكو وحدها ثلاثة آلاف عنصر ينتمون الى 190 عصابة. وغالباً ما تجري حروب فعلية بين العصابات على مناطق النفوذ واقتسام الغنائم. وتسري القوانين الاقتصادية في مجال الجريمة أيضاً، اذ ان "سعر" القتل بالأجرة في ضواحي موسكو أدنى منه في العاصمة ومقابل ألفي دولار يمكن أن يحصل "الزبون" على "خدمة ممتازة". ثمة وضع مماثل في ثاني أكبر مدن روسيا سانت بطرسبورغ التي تسمى "عاصمة الجريمة". فقد عثر خلال شهر واحد على 20 جثة في منطقة البحيرات والغابات المجاورة للمدينة.