زيارة الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي احمد الطايع الى المغرب لم تكن بعيدة عن محاولات فك العزلة الناتجة عن ردود الفعل ازاء تطبيع علاقات نواكشوط واسرائيل، اقله في المنطقة المغاربية الابعد جغرافياً عن الشرق الاوسط كونها تتعرض لاختراق اسرائيلي هدفه اقامة حواجز امام الامتداد الافريقي للعالم العربي. وكما في حال اريتريا في شرق القارة الافريقية، اهتمت اسرائيل بزرع مواقع نفوذ في غرب القارة ارتبطت بتشجيع اميركي، لكن من دون اغفال البعد الاستراتيجي لذلك الاختراق الذي يسعى الى النفاذ على خط البلدان الافريقية جنوب الصحراء، كونها تتوفر على ثروات معدنية مهمة مثل اليورانيوم الذي تخشى اسرائيل من استخدامه عبر قنوات عربية واسلامية، اضافة الى تزايد المخاوف من استخدامه في عزل البلدان العربية ذات الامتداد الافريقي عن مجالها الحيوي في القارة السمراء. والظاهر ان شكاوى بلدان عربية وافريقية من النسيان العربي، خصوصاً في ضوء تعثّر الحوار العربي - الافريقي حول التعاون والمساعدة هو ما شجع اسرائيل على المضي قدماً في سياسة الاختراق، وان كان الرهان على بدء الحوار الاوروبي - الافريقي بمشاركة دول عربية ذات انتساب افريقي اعاد العلاقات العربية - الافريقية الى الواجهة ولكن من دون ظهور مؤشرات ايجابية الى معاودة الصراع العربي - الاسرائيلي في الساحة الافريقية. حرص الرئيس الموريتاني في زيارته الى المغرب على تأكيد التزامات نواكشوط في اطار جامعة الدول العربية، ودعا الى جلاء اسرائيل عن الاراضي المحتلة كافة. والارجح انه اراد ان يوجه من المغرب رسالة موريتانية الى العواصم العربية، لكن دلالات انعقاد القمة في طنجة التي استضافت اول لقاء مغاربي عام 1958 وفي منطقة لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن اوروبا تفيد في اعطاء الاولوية للبعد المغاربي حيث التعاطي وملف العلاقة مع اسرائيل اقل حدة واثارة للمشاعر، خصوصاً ان المغرب وتونس يتوفران على مكتبي اتصال اسرائيلي، في حين ان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة سبق له ان التقى رئيس الوزراء ايهود باراك صيف العام الماضي في الرباط، ويتم التداول في صيغة وفاقية حول القضية عبر قنوات غير رسمية، ويلتقي التحرك الاسرائيلي في منطقة الشمال الافريقي مع الجهود التي تبذلها الولاياتالمتحدة لاقامة شراكة اقتصادية ذات خلفية سياسية مع كل من المغرب وتونس والجزائر. وربما تتوخى نواكشوط من انفتاحها اكثر على اسرائيل تحقيق مكاسب اقتصادية باعتبارها شريكاً في التوجه المغاربي ذي البعد المتوسطي. منذ حرب اكتوبر 1973 لم تدخل المواجهة العربية - الاسرائيلية في افريقيا مثل هذا المنعطف. فقد جرت مياه كثيرة في مسار العلاقات الديبلوماسية، كان في مقدم نتائجها تزايد الاختراق الاسرائيلي في افريقيا، وما يحدث في منطقة المغرب العربي الآن ليس بعيداً عن خطة الاختراق. لكن ما تستطيعه الدول العربية في الفترة الراهنة ليس مستحيلاً في المواجهة، أقله عدم ارتكاب اخطاء العزل والنسيان. فالمتضرر من حال مماثلة قد يلجأ الى الاحتماء بأي شيء، ومن مصلحة الدول العربية ان تشكل الاطار الواقي من اي انزلاق، وربما يجوز تصور ان البناء المغاربي يستطيع ان يصمد في حال تضافر الجهود. ففي صموده تكمن المناعة ضد الاختراق، وفي ضعفه منافذ لأي احتواء سواء كان تحت مظلة اوروبية او اميركية.