بدلاً من استخدام لفظة "فلسطين" ثمّة إصرار عجيب وأحياناً مثير للسخرية من قبل العديد من وسائل الإعلام العربي المكتوب أو المرئي أو المسموع على استخدام التعبير الطويل والممل "الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية". وإذا قال البعض إن استخدام كلمة فلسطين فيه خداع للرأي العام العربي كون فلسطين كوطن ذي سيادة لم تقم بعد، أو إذا قال البعض الآخر بأنه من "الضروري" الالتزام بالتسمية "القانونية" التي اعتمدت في الاتفاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، أو إذا كان الأمر برمته مجرد كسل ذهني ونزوع نحو ترديد ما هو موجود في الإعلام الغربي فإن ذلك كله مجرد تبريرات هشّة لا تستقيم. ولعل الضرورة الوطنية سواء الفلسطينية أو العربية تستلزم اعتماد كلمة فلسطين في كل المنابر الإعلامية والسياسية في الوطن العربي بل والعالم، ومن دون أن يعني ذلك الموافقة على الحدود أو الشكل الجغرافي "البانتوستاني" الذي تفرضه أوسلو على فلسطين التاريخية. وكما تمت إزالة هذه الكلمة عبر عقود الاحتلال الصهيوني ومحاولة طمسها عن الخريطة الجغرافية والسياسية والخطابية في العالم، فإن إعادة إحيائها هو جزء من معركة الرموز والصور التي تقع في قلب قضايا الهوية الوطنية والثقافية للفلسطينيين ولها ارتباطات ودلالات عميقة في البعدين الغربي والإسلامي أيضاً. صحيح أن غالبية الفلسطينيين في الداخل أو الخارج تشعر بالمهانة وبجرح الكبرياء الوطني جرّاء الوضع الراهن سواء على مستوى ممارسات السلطة الفلسطينية تنازلات أو قمع داخلي أو مستوى العنجهية الإسرائيلية وسياسة الاسترذال التي تتبعها تجاه الحقوق الفلسطينية والشعب الفلسطيني، إلا أن ذلك يجب أن لا يهزّ المشترك العام، أو ما تبقى منه، والذي يقف عليه الجميع مؤيدو أوسلو ومعارضوها ومن ذلك استخدام لفظة فلسطين كما هو حال بقية أجزاء الهوية الوطنية والثقافية. فمؤيدو أوسلو يمكنهم أن يساندوها ويساندوا الدولة التي ستنتج عنها عبر التشديد على استعمال هذه الكلمة في الإعلام والسياسة العربية والغربية. فمثل هذا التشديد إنما هو تأكيد على الاعتراف المسبق ودعوة لاعتراف الآخرين أيضاً ب"الدولة". ومعارضو أوسلو يمكنهم أيضاً ومن دون حرج استخدام الكلمة نفسها مع الحفاظ على موقعهم المعارض بل والتأكيد عليه من خلال ذلك الاستخدام باعتبار أن فلسطين كما هي في الضمير الوطني تمثل الضد لأوسلو وما ينتج عنه. يبقى القول إن التذرع بالالتزام بالمصطلحات والتسميات التي أقرتها الاتفاقات السلمية التي اعتمدت صيغة "الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية" هو أقرب إلى "الورع البارد" منه إلى أي شيء اخر. إذ ليس من المعقول ان يكون الخطاب العربي الإعلامي والسياسي ملكياً أكثر من الملك خاصة وأن العديد من المؤسسات والمنظمات غير الحكومية بل والحكومية أحياناً في دول غربية لا تتردد في استخدام كلمة فلسطين. هذا مع التأكيد على أنه من المخجل أن نظل مصوبين عيوننا على ما "يسمح" به الخطاب السياسي الغربي لنحذو حذوه وكأننا نطلب الإذن في كل مرة كما هو حاصل راهناً في السياسة العربية إزاء العراق وإيران حيث نراها جفِلة ومذعورة وتنتظر خطوة من واشنطن حتى تقلدها. * كاتب فلسطيني مقيم في بريطانيا.