كابتشينو، اكسبريسو، ميكياتو، وأسماء اخرى تطلق على بعض صنوف القهوة العالمية بعضها معروف ومألوف وبعضها غير شائع في المنطقة العربية ولكنه مطلوب. يضاف اليها "الهوت" و"الكول شوكلت" وانواع اخرى من المشروبات الباردة والساخنة غير الكحولية والصحية ايضاً ثم الشاي بانواعه وفي مقدمه الانكليزي العتيق وبعض الأنواع الأخرى غير المعروفة الا في محيط نفر من الذين اعتادو السفر سنوياً الى دول اوروبا واميركا. وجميعها تقدم في محلات اسماؤها اوروبية وديكوراتها خليط بين الشرقي والاوروبي وروادها شباب يتبارزون على كل ما هو غريب وغربي غير معتاد من قصّات الشعر الى الملابس والسيارات الفارهة والرياضية وغير ذلك. هي مقاهٍ حديثة من جهة الوقت وفي الاسلوب والطرح والمضمون، روادها شباب وزادها قهوة وتبغ وانغامها موسيقى صاخبة. وانتشرت في السنوات الثلاث الاخيرة وبحسب المتغيرات ودعوى عدم التفريط ومنع الاختلاط هناك نوع منها مخصص للنساء فقط. تقدم هذه المقاهي خليطاً بين الحديث والقديم من المشروبات، وتعتمد على الارجيلة اعتماداً اساسياً يدر عليها ارباحاً تجاوزت في بعضها 70 في المئة من راس المال في السنة الاولى فقط. وبالتالي تكون حققت عوائد مجزية ربما لم تكن متوقعه اطلاقاً. تتفق المقاهي الحديثة الظاهرة التي انتشرت في المدن السعودية الرئيسة في الفترة الاخيرة على ثلاثة عناصر، أولها: الاسماء الغربية التي تنطوي على طاقة تعبيرية تنضح بايحاءات استدراجية لا تخلو من دفء حميم بحسب معانيها اللغوية شانزليزيه، رندفو، فانتينو، اس. اس، تشانص، رومانس، ديت وغيرها. ثم "الرواد" من جمهور الشباب تتراوح اعمارهم بين 16و25سنه من الجنسين. واخيراً "الديكور" وهو عبارة عن طاولات دائرية صغيرة جداً، في اضاءة ملونه خافته وتزين الجدران صور الالات الموسيقية والنكات المستوردة وفي بعضها الاخر لوحات لفنانين تشكيليين عالميين وغير مشهورين وربما بينهم سعوديون ولكن اسماء اللوحات أو منفذيها بعيدة عن اهتمامات الرواد، بعضها جعل الارابيسك جزءاً من الديكور العام اضافة الى الرخام والسيراميك والفسيفساء احياناً. لكل مقهى خصوصية وسمات يسعى القائمون عليه لتكريسها في سبيل المنافسة في انواع المشروبات ومدى اتقان معدّيها والاجواء العامة في داخلها ونوعية الزوار الى خريطة انتشارها في المدينة. وتتراوح اضافاتها بين طاولة البلياردو، والالعاب الالكترونية وربما ابراج مصغرة داخلية لكرة السلة. وتتميز باضاءاتها المختلفة ذات الالوان غير المألوفة وبنوعية الموسيقى والاغاني، والصخب يعلو في حدود المسموح به داخل اطار المجتمع. ويتميز الرواد فيها بالتدخين سجائر، معسل... والتدخين بشراهة والحديث عن كل شيء: الاسواق، السيارات، الازياء وربما المستقبل. ملابسهم بين التقليدية الصرفة الغترة والثوب بشرط ان تكون من ابرز الماركات المتداولة في السوق واشهرها والغربية وفي مقدمها الجينز والاحذية الضخمة. اكثر من 40 في المئة منهم عاطلون عن العمل وموسرون تقديرات غير رسمية تشير الى ان متوسط انفاق الفرد من الاسر الغنية شهرياً يزيد عن الف دولار لمن هم دون العشرين من خلال اسرهم وقلة منهم على حافة الحاجة تجمعهم عوامل مشتركة كثيرة في مقدمها البطالة، السيارات الفارهة، اغاني الراب، الملابس. ويقولون "نفكر بصورة جماعية في اشياء لايفكر فيها الاخرون" ولا يحددون من هم. اذا اردت ان تعرفهم ما عليك سوى البدء بحوار مسموع مع احدهم وسيتبرع الكل للمشاركة خصوصاً ان كان الحديث ينطوي على كرة القدم وستجد الآراء من كل حدب وصوب. ويطول الحديث لساعات يلج فيه القادمون ويعترض عليه المغادرون، ويظل الحب اعذب حديث لجمهور رواد المقاهي الحديثة يتبادلون طرق الحياة الحديثة. الهاتف الخليوي/ المتنقل ساحة تنافس اخرى والكل يحمل امكاناته المادية والقناعة جزء صغير في واديهم السحيق. في الصباح تستقبل هذه المقاهي قراء الصحف اليومية والمجلات الاسبوعية والباحثين عن فرص عمل ومَن يناقضهم كذلك. ونادراً ما تجد بين يدي احدهم كتاباً من غير دواوين الشعر، ويحظى الشعرالشعبي بأسبقية على رغم وجود المتنبي ومحمد النفيعي. ووجدت احدهم يردد "كان الحياة قيد ماني على قيد الحياة" وسألت بعضهم: أهو تغيير ام تحول في الهوية ؟ ولم اجد اجابة مقنعة. بعض السعوديين يعتبرون هذه المقاهي ظاهرة خصوصاً وان السلطات منعتها اخيراً من تقديم الشيشة الامر الذي ادى الى اغلاق الكثير منها، والبعض الاخر يظنها محطة متغيرات او نقطة تغيير وتبديل حتمية في مجتمع معظم افراده من الشباب. يقول احمد درباس استاذ علم النفس في كلية اعداد المعلمين في مدينة جدة "بيوت القهوة ربما وجدت من اجل احداث مستوى من الاشباع للرغبات حتى ولو كان ذلك من خلال التخيل واسقاطة على واقع مأزوم". ويعتبر ان تصرف هؤلاء الشباب ظاهرة سوية في مراحل النمو، الا ان هناك وضعيات معينة تأخذ فيها العلاقة بين الرفاق منحى سلبياً. ويسمي درباس السمات التي يجتمع عليها رواد المقاهي الحديثة ب"ثقافة الاصدقاء"، ويعتقد انهم يعانون من ملازمة الفراغ / الخواء. ويؤكد ان "الفراغ يمكن قياسه بالطبع ولكن الصعوبة في قياس الخواء كونه تجريدياً ولا يعرف الا من نتائجه. ولعلّ مايقوم به بعض الشباب هنا هو تحلل من القيود وتحرر من المسؤولية والانسان بحاجة الى ذلك، القليل منها مفيد وكثيرها مؤذ وضار". ويبين ختاماً انه حاول تطبيق وظائف الفراغ في علم النفس على بيوت القهوة فلم يجد انها تحقق سوى تبديد المال وايذاء النفس. والمقاهي الحديثة ليست من دون فوائد فهي اظهرت قدرات البعض من روادها بصورة لم تكن يوماً للعامة اذ ليس من الغريب ان تشاهد احدهم ممسكاً بفرشاة ويرسم الخيال ويستعين بالرواد لتوسيع دائرة المعرفة ومن بين هؤلاء موهوبون يبحثون عن فرصة في مجالات مختلفه.