الانسجام بين الصوتين كان جميلاً ولافتاً، فكأن المطربة المصرية أنغام، والمطرب الكويتي عبدالله الرويشد حين وقفا معاً لتأدية أغنية "سؤال" كدويتو، عَرَفَا قبل تلك الوقفة التلفزيونية المهرجانية، كيف يؤسسان أغنية معبّرة ومناسبة ليس لهما كشخصين فقط، وإنما أيضاً كصوتين، يفترض حين يجتمعان، أن تجتمع معهما الحساسية الأدائية المتقاربة، ولعبة الأخذ والعطاء من دون أي "سرقة كاميرا" على لغة أهل التلفزيون بما تعني هذه السرقة من شطارة غير مبررة! و"سؤال" أغنية باللهجة الخليجية، لحنها الرويشد بأسلوب يوافق صوته وصوت أنغام. وأُطلقت في مهرجان "هلا فبراير" الكويتي وصوّرها التلفزيون، وراح يبثها في ما بعد بشكل متواتر ومميز، ووُزعت على عدد من المحطّات التي تلقتها بحب واهتمت بها... قد تكون أغنية "سؤال" بصوتيّ أنغام والرويشد، في أساس فكرتها الثنائي تحاول أن تجاري السائد في عالم الأغنية العربية، وحتى في الأغنية العالمية، بعد نجاح تجربة "عبدالقادر يا بو علم" الجزائرية التي يبدو أنها كسرت أنانية الكثير منالمطربين العرب الذين باتوا لا يمانعون في أن يتشاركوا مع نظرائهم. قد تكون كذلك... غير أن الصيغة التي تشكّلت فيها الأغنية ابتداء من اختيار الكلمات، ومروراً بأناقة اللحن، وانتهاء بالأداء العذب المتجاوب مع شجن المزاج العربي، هي صيغة احترافية لا تريد أن تعتمد على غير فكرة الثنائي مصفّاة من كل ما لحق بهذه الفكرة من التباسات "استعراضية" وأكاد أقول غوغائية تسعى الى نسخ تجارب آخرين على علاّتها. والاحترافيّة جعلت أنغام والرويشد يحصران الأمر في بمستوى الأغنية فقط، لا في زيادات أخرى مفتعلة كالرقص مثلاً، أو كتبادل نظرات تمثيل الحب كما فعل غيرهما في عملية تسوُّل اعجاب الجمهور! بجديّة كاملة، وبتناغم كامل، وبمعرفة الآخر أيضاً وهي الأهم في ما يُغني وكيف يُغني، أنجز الطرفان عملاً فنياً راقياً يمكن أن يكون مقياساً لاحترام المهنة بعدما أُشْبعت انفصاماً في الشخصية، ممن أرادوها ممراً لشهرة لا مقراً للجمال. و"سؤال" تصبّ أيضاً في إطار محاولات مصريّة، ومن النجوم الشباب، في إداء الأغنية الخليجية، بعدما كانت العملية معكوسة باستمرار في أداء نجوم الخليج أغنيات مصرية. ولهذا فإن المشهد الغنائي العربي اليوم يُظهر المطربة ذكرى تغني خليجياً، ونبيل شعيل يغني لبنانياً، ونوال الزغبي تغني جزائرياً وآخرين يغنّون ألواناً أخرى عما عُرفوا به، بما يعني اختلاط الأوراق في مرحلة كادت أن يصبح ميؤوساً منها في تقديم جديد له شخصية تثير الانتباه. ومع أن ملامح الارتباك تظهر في حيثيات بعض هذه المحاولات، الا أن ملامح الثقة تطلّ في حيثيات البعض الآخر، ومنه أغنية "سؤال" لأنغام والرويشد. على ان هذه المحاولة الغنائية المشرقة بين صوتين لهما حضور مغرٍ في الأغنية العربية اليوم، يفترض أن تلقى نوعاً من الرعاية الاعلامية والانتاجية. فالتركيز الإعلامي عليها من أجل إكثار أسباب نجاحها الجماهيري، سوف يجذب بشكل آلي شركات الانتاج التي لا تكلّف نفسها عناء البحث عن أشكال غنائية جديدة بقدر ما تكلّف نفسها وفوراً مهمة اصطياد التجارب الناجحة. وان انتاج أغنيات جديدة لأنغام والرويشد سواء كثنائي في انشاد اغنيات مشتركة، أو كثنائي في اصدار شريط يجمع أغنيات افرادية للطرفين، قد يكون مخرجاً لائقاً لصعوبة الانتاج الحالية، أو قد يكون خطوة تخفف العبء عن كاهل مطربين ومطربات لا يرغبون العيش سنة أو سنتين في انتظار صدور شريط خاص مجهول المصير، معلوم الارتفاع في التكلفة المادية. أنغام التي أعلنت حبّها تجربة الغناء مع الرويشد، المبنية على تبادل الطاقات الفنية والتعاون الذكي، والرويشد الذي اعترف بايجابية هذه التجربة عليه أيضاً، يفسحان في المجال أمام أمل مقبل لم يعد بحاجة إلاّ الى المنتج الذي يقول ها أنذا... ام ان هذا الأمل، بلا أمل؟!