هل يعرف القارىء أنه بالإضافة الى الإيرانيين اليهود الثلاثة عشر المتهمين بالتجسس لإسرائيل هناك ثمانية ايرانيين مسلمين اتهموا معهم؟ لا أحد مسلماً أو غير مسلم يسأل عن هؤلاء الثمانية، غير أن اليهود الثلاثة عشر أصبحوا قضية عالمية. الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وبقية الاتحاد الأوروبي أفهمت ايران ان التعاون الاقتصادي معها مربوط بمحاكمة اليهود الثلاثة عشر. واسرائيل طلبت من الصين خلال زيارة رئيسها، بذل وساطته الحميدة مع ايران. كما أن وزير البنية التحتية الإسرائيلي ايلي سويا نقل الطلب نفسه الى الرئيس حسني مبارك، وكذلك فعل ايتان بنتزور، المدير العام لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، عندما قابل وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف في موسكو. في الوقت نفسه، تشن منظمات حقوق الإنسان حملة مركزة على ايران، من نيويورك الى لندن وبالعكس، دفاعاً عن المتهمين الثلاثة عشر. وأكتفي بنفسي فأقول انني لم أسمع كلمة واحدة، أو أقرأ أو أرى، دفاعاً عن المسلمين الثمانية المتهمين معهم. كانت جمعية بناي بريث، المناهضة للتشهير باليهود، انتصرت للمعتقلين اليهود منذ اعتقالهم قبل حوالى سنة. وفي التاسع من حزيران يونيو الماضي أصدرت بياناً يتحدث عن غضب عالمي واستياء لاعتقالهم، وطالبت بالإفراج عنهم فوراً، وهي أصدرت في الحادي عشر من الشهر نفسه، بياناً آخر يؤكد أن التهم ضد اليهود الثلاثة عشر "مفبركة". كيف عرفت بناي بريث في نيويورك أنهم أبرياء، وهي لم تتصل بهم ولا بالذين اتهموهم، ولم تعرف في حينه تفاصيل التهم الموجهة اليهم؟ بناي بريث اعتبرت الرجال الثلاثة عشر أبرياء لأنهم يهود، ودانت بالتالي النظام الإيراني كله. ويبدو ان هذا هو موقف دول مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، فإيران متهمة قبل أن تبدأ المحكمة. شخصياً لا أعرف إذا كان المتهمون الثلاثة عشر والثمانية مذنبين أو أبرياء. وأفضل أن أنتظر سير المحاكمة، ثم القرار، إدانة أو تبرئة. غير أنني أستطيع أن أقول سلفاً أنه إذا دين المتهمون اليهود، كلهم أو بعضهم، فستتعرض ايران الى حملة هائلة، وربما قام من يطالب بمعاقبتها، لتجرؤ الحكم فيها على ادانة مواطنين ايرانيين يهود. وأستطيع أن أقول كذلك انه إذا دين بعض المتهمين، وحكم عليهم بالإعدام، فالقاتل الحقيقي سيكون اسرائيل لأنها جندتهم للتجسس وهي تعرف انهم في بلد، عقوبة التجسس فيه الإعدام. هناك من يقول ان اسرائيل جندتهم ووشت بهم ليعدم بعضهم فيهاجر من بقي من اليهود الإيرانيين الى اسرائيل. وكان في ايران حوالى 80 ألف يهودي عندما سقط الشاه سنة 1979، بقي منهم الآن حوالى 20 ألفاً. غير أن مثل هذه التهمة في سخف اعتبار اليهود الإيرانيين أبرياء لمجرد أنهم يهود، فلا يوجد دليل يثبت "المؤامرة" الإسرائيلية، كما لا يوجد دليل يثبت براءة المتهمين... أو ذنبهم طبعاً. والواقع أن حوالى 17 يهودياً أعدموا في ايران منذ الثورة، بتهمة التجسس لإسرائيل والولاياتالمتحدة. منهم اثنان اعدما السنة الماضية. غير أن الضجة حول المتهمين الحاليين اتخذت أبعاداً دولية. مع فوز معتدل هو محمد خاتمي بالرئاسة، ثم فوز غالبية كبيرة من أنصاره في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وهكذا سمعنا من يقول ان المحاكمة هي اختبار لقدرة النظام على السير في طريق الاعتدال، أو انها ستكشف ان القوى المتشددة لا تزال تسيطر على المراكز المؤثرة مثل القضاء. ويعني هذا الكلام ان الحكم بالبراءة انتصار للمعتدلين، وان الإدانة انتصار للمتشددين، من دون أي اعتبار لتهمة التجسس، وهل هي صحيحة أو لا؟ اليوم، هناك محامون للدفاع عن المتهمين وقد أعطوا وقتاً لدرس التهم. وستكون الجلسة القادمة في مطلع الشهر المقبل. غير ان المحاكمة ستظل مغلقة لأن التهم أمنية. لذلك، قام من يشكك في سير المحاكمة قبل بدئها، مع أننا نعرف جميعاً ان في الولاياتالمتحدة نفسها، تستطيع دوائر الهجرة طرد مقيمين لأسباب أمنية، من دون أن تضطر الى عرض هذه الأسباب على محامي الدفاع أو القضاة بحجة الأمن. المنطق يقول ان ننتظر المحاكمة في ايران والحكم قبل ابداء رأي، أما الذين دافعوا عن ثلاثة عشر متهماً لأنهم يهود فقد فقدوا كل صدقية لاحقة بعدما كشفوا ان عندهم موقفاً مسبقاً من الموضوع. وانتظر من ينتصر للمتهمين المسلمين الثمانية.