إن ما يتحكم في السلوك الانساني هو كمية المتعة التي يؤدي اليها. فالانسان يبدع ويطور في العمل حيث يجد المتعة والتفريغ الداخلي لطاقاته وإمكاناته الفكرية والروحية، هذا بالنسبة الى شخص بالغ، فما بالك بالطفل الذي يجد المتعة في اللهو ما يمكّنه من السيطرة على الحدث من طريق السعي النشط الى إتمامه بدلاً من الوقوف ازاءه موقف المشاهد عديم الحيلة. واللهو اساسي للطفل في مختلف مراحل عمره، بل اول ما يجذب انتباه الوليد هو عناصر بسيطة في المجال الحسي يستجيب لها كأشكال محددة لا معنى لها، ثم تنمو بعد ذلك مقدرته على ادراك الاشكال الأكثر تعقيداً فالأحدث او الأكبر او الاكثر لمعاناً وتلويناً او الاعلى صوتاً. ونلاحظ ان الطفل يحب الالعاب الاكثر تعقيداً لأن فرص جمع المعلومات عنها تزيد، ويحب ايضاً الالعاب الغريبة حتى يزيل الغرابة بنفسه عملاً بمبدأ الكفاية او السيطرة على البيئة، على ان الاستكشاف يقتضي التكرار وذلك يكسب الطفل مهارات حركية، فتصبح حركته اكثر دقة وأكثر تحديداً وكفاية، والكفاية اضافة اساسية لنمو شخصيته. لجميع الالعاب بمختلف اشكالها وقواعدها تأثير مباشر او غير مباشر على الطفل، فمثلاً اللعب التخيلي وهو لعب شائع يتعامل فيها الطفل من خلال اللغة او السلوك مع المواد او المواقف كما لو انها تحمل خصائص مختلفة عما هي في الواقع، وهذا اللعب يهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات والقواعد والاوامر والنواهي، فيساعده على التفلت من الصراعات التي يعانيها ويخفف من توتره بالاضافة الى انه نوع من الاستطلاع والتجربة والمعرفة. وهناك ايضاً لعب الجماعات وهو هام وضروري ومنطقي ومفيد جداً في نمو الشخصية والاهتمامات الاجتماعية في فترة ما قبل المدرسة، مما يعطي الطفل ثقة كبيرة بنفسه لدى دخوله المدرسة. والجماعات التي تتكون من افراد يلقون على انفسهم اسم عصابة او شلة، تحصل في ما بينهم منافسات ومباريات وحتى مناقشات تجعلهم يزدادون ارتباطاً وإخلاصاً او ربما تفككاً فلا يبقى من المجموعة الا الاكثر تشابهاً في الفكر والعمل والمرح. من هذه المرحلة يبدأ الانسان ببناء قواعد في طريقة اختياره لأصدقائه. ولا ننسى الالعاب الملموسة وجميعها مفيدة مهما صغر حجمها او قيمتها، وبواسطة بعض هذه الالعاب نستطيع ان نكتشف وننمي ذكاء الطفل، فالاطفال الموهوبون يختلفون عن اقرانهم في ما يخص اللعب اذ لديهم اوجه نشاط عقلي اكبر كثيراً اذا ما قورنت بالأنشطة البدنية، وهم اقل ميلاً الى الالعاب الصاخبة، وأكثر ميلاً الى الانشطة الهادئة، كما انهم يفضلون رفاق اللعب الاكبر منهم قليلاً، وهم اقل تفضيلاً لألعاب التنافس كما ان العاب الأذكياء اكثر تنوعاً وتلويناً ونضجاً ونشاطاً. ومن هذه الالعاب نستنتج ان للأهل الدور الكبير في تحديد شخصية طفلهم، فالوالدان اللذان يشجعان الالعاب التي تثير مرونة طفلهم وتمده بالاستكشاف والاستقلالية تنمي لديه قدرات ابداعية في مجالات مختلفة غير اللعب. اما الآباء الذين يتسمون بالبساطة والجمود والتقليدية فإن ابعاد طفلهم عن اللعب بهدف جعله هادئاً مسالماً يجعلون منه محدود التطلع والابتكار والخيال. وليس من الضروري جعل جميع الالعاب بين ايدي اطفالنا او اختيار الالعاب الفخمة لأن الطفل بحاجة الى العاب بسيطة يستطيع رميها وتقليبها وسحبها وعضها او كسرها. وهكذا نرى ان الطفل لاعب ممتاز لكنه يحتاج الى مكان يلهو فيه والى ادوات يستعملها والى رفاق وحرية تكفل له نمو عضلاته وخياله وعقله واختيار ما يحب من العاب تنمي ذكاءه واستقلاليته. قمنا باستطلاع عن نوعية الالعاب التي يفضلها الاطفال والاهل... فسألنا السيدة ام باسل وهي ام لسبعة أولاد وحالتها الاجتماعية متوسطة، فأجابت: "عندما كان اولادي صغاراً كنت اختار لهم الالعاب التي تنمي الذكاء مثل الالعاب التركيبية سواء كانت تركيب احرف او صور او تركيب بعض القطع لصنع مجسم غير معين، وكنت اسمح لهم باللعب خارج البيت ساعات مع اصدقائهم ولم اكن اتدخل في اختيار اصدقائهم ابداً. الآن عندي طفل واحد صغير ولكن الاحظ انه لا يحب اللعب داخل المنزل وحده، فهو إما مع رفاقه خارج البيت او معهم داخل البيت، رددت هذا السلوك الى ان اخوته عندما كانوا صغاراً كانوا بعمر واحد لذلك كانوا يستمتعون باللعب داخل البيت من دون رفاق، لذلك احاول ان العب معه احياناً بالورق او ألون معه بعض التخطيطات". وسألنا طفلة ذكية جداً لها خيال واسع ومقدرة على تحمل مسؤولية صديقها دبدوب دبميتها لولو وتعيش وحيدة مع والديها فقالت: "احب ان العب مع دبدوبي ونحن نلعب كل اللعب الطميمة، سلوى يا سلوى الخ... ودبي يساعدني في اطعام لعبتي لولو". وتابعت: "احب ان اذهب الى بيت خالتي لألعب مع سارة وحمادى وأتفرج على الدجاجات والصيصان". ومن خلال ملاحظتنا للأطفال نجد انهم يصنعون عالماً يعيشون فيه بضحكاتهم وحركاتهم ليأتوا الى عالمنا محملين بالألغاز والافكار والعبارات الغريبة والجديدة فهم يبنون انفسهم بأنفسهم ولكنهم بحاجة لمساعدة آبائهم ليوجهوا ما يملكون من مقدرات وطاقات بما يغني ارواحهم وعقولهم ويبنون قواعدهم القوية ليسيروا عليها واثقي الخطى نحو مستقبلهم.