عشرات من الأطفال أنجبتهم ظروف الحياة البائسة، لتلقي بهم في دور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية يتربون بين الشفقة والواجب الانساني، يعيشون في مؤسسات تحاول التعويض عن أجواء الأسرة الواحدة، فتقوم المربيات بتوزيع عاطفتهن على أطفالهن وينمو الطفل مشتتاً بين عاطفة وأخرى، يعاني نقصاً في تكوينه العاطفي، لحرمانه مما يملكه غيره من الأطفال الذين يشبهونه، متسائلاً "لماذا أنا فقط لا أستطيع أن أنادي ماما وأن ألجأ الى بابا؟". وعندما يجد الطفل اليتيم والدين يعتنيان به ويرعيانه ويكوّن معهما أسرة متحابة، نجد أن القانون يسأله لماذا تبكي المتوفى فهو ليس والدك. فعندما سألناه عن سبب كآبته بعد مرور شهرين على وفاة والده. أجاب: بكيت حين علمت بموته، رحمه الله، ولكنني صدمت عندما قرأت النعوة ولم أجد اسمي، فبالنسبة اليهم أنا لا أعتبر فرداً من العائلة ولكنني لم أشعر يوماً أنني غريب. والقانون يأمر بمن "وجد طفلاً منبوذاً في أي مكان فعليه إسعافه والتقاطه وهو فرض، ويسلّم الملتقط اللقيط لتعلّم العلم، أولاً فإن لم يجد فيه قابلية سلّمه لحرفة يتخذها وسيلة لتكسّبه وله نقله حيث شاء وشراء ما لا بد له منه من طعام وكسوة". حسب المادتين - 356، 360 - من قانون الأحوال الشخصية، في سورية. وفي الوقت نفسه يقرّ القانون بعدم معاملة المتبنى كالابن الحقيقي من حيث الإرث والنسب وذلك حسب التشريع الاسلامي حيث أقر الله عز وجل في كتابه العزيز أنه لا تبني في الاسلام وذلك بعد قصة شاء الله حدوثها مع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليغير مفهوم الناس، حيث أن العرب كانوا يدعون زيد بن حارثة الذي كان عبداً لرسول الله بزيد بن محمد لشدة ما كان سيدنا محمد يحبه ويعتني به حتى أن الرسول تقدم لخطبة زينب ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب ليزوجها لزيد وكان زواجهما، ولكن الله شاء أن تفتر العلاقة بينهما ويطلب زيد من سيدنا محمد أن يطلقه من زينب فأمر الله طلاقهما وزواج سيدنا محمد بزينب على رغم تضرع الرسول الكريم من الله خشية من كلام الناس فأنزل الله آيته الكريمة الأحزاب - 36... "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما لله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً". ومن خلال الشرع والقانون نلاحظ أنه من الواجب الاعتناء بمن هم بحاجة للرعاية وأن نقوم بهذا العمل بكل انسانية ومحبة من دون تردد أو خوف ولكن من خلال بحثنا بين الأسر التي تأوي في بيتها طفلاً أحبته وأحبها، نجد أن خوف بعض المتبنين من كلام الناس يهزهم ويجعلهم يرفضون الاجابة على أسئلتنا لإجراء بعض الاستفسارات حول طبيعة المحبة الناشئة بين الطرفين، وكأن العمل الانساني أصبح عيباً أو حراماً. مع التنويه أن هذه الأسر لم تقم بعمل مخالف للشريعة أو القانون ولكن بعضهم يعتبر من تأوي في بيتها طفلاً لقيطاً شيئاِ معيباً وكأن هذا الطفل هو من اختار حياته التائهة، وهو من جعل والديه الحقيقيين يخطئون ويلقون به الى الطرقات ليخفوا خطاياهم. فكان هؤلاء الأطفال أفضل من بعض الأولاد الحقيقيين في معاملتهم مع ذويهم غير الشرعيين. وقد علمنا من السيدة ل التي تسكن أحد أحياء دمشق أنها كانت فتاة صغيرة يتيمة لا بيت يؤويها، وأخذت من قبل زوجين أحباها وعاشت معهما حتى جعلاها امرأة متعلمة واستمرت مسؤولياتهما حتى انتقلت الى بيت زوجها فكانت فخورة بوالديها ولم تستطع أن تفترق عن أمها التي بقيت وحيدة بعد وفاة زوجها فأحضرتها وأسكنتها بيتها لتبقى أماً لها وجدة لطفليها. وكان سؤالنا لها: هل نستطيع أن نعرف كيف تبنوك؟ "هم لم يتبنوني، فأنا ما زلت أحتفظ باسمي ولكنهم وقعوا على عقد يقر برعايتي والاهتمام بي فقط ولم يحصلوا على هذا العقد إلا بعد فحوص أجريت لهما للتأكد من عدم قدرتهما على الإنجاب والسؤال عن إمكاناتهما الاجتماعية والاقتصادية، لقد تعبوا كثيراً حتى أصبحت فرداً من العائلة". وبالفعل فإن استفسارنا لإدارة احدى الدور الاجتماعية عن كيفية التبني كان الجواب لائحة من الشروط الواجب تحقيقها ليستطيع أحدهم رعاية طفل من الأطفال الكثيرين الذين يملأون المبنى، والتبني الحقيقي مرفوض. وأما بالنسبة للدين المسيحي فعندما كنا في إحدى الكنائس سألنا رجل دين عن التبني وكان جوابه: "إن التبني في الدين المسيحي مسموح به فنحن أبناء الله على الأرض، أي أن الله تبنانا ونحن من واجبنا أن نتبنى ونرعى من يحتاجنا، ففي هذا العمل مقربة من الله وهو عمل فيه من الانسانية والمحبة ما يجعلنا نعيش مرتاحين في الدنيا ولنا ثواب الآخرة. وهناك الكثير من الآباء الذين يأتون بحثاً عن طفل يتبنونه ولكننا في بلد إسلامي نحترم تشاريعه، ونعمل بها لذلك لا نوافق إلا على تربية الطفل مع بقاء اسمه مغايراً لاسم الأب ولا يعامل من الناحية القانونية كولد حقيقي، ففي السنة الماضية جاءت امرأة الى الكنيسة وهي عربية مسيحية تعيش في بلد أجنبي وتمنت أن تكون أماً لطفل عربي من أطفالنا". "ووافقت الكنيسة على طلبها واختارت المرأة أحد الأطفال وأحبته كثيراً ثم قمنا ببعض المعاملات للتأكد من سلامة الطفل بين يدي تلك المرأة وعندما علمنا بأنها تريد أن تأخذه معها في غربتها رفضنا قائلين إن القانون لا يسمح لك بإخراجه من بلده فهو ليس ابنك. وفي كل الأحوال نجد أن القانون والدين يرفضان التبني مع أنهما يحضان الرأفة بالأيتام، ولكن المجتمع يرفض الرعاية والاهتمام بمن يحتاجهم من الأطفال الذين يتزايدون يوماً بعد يوم، فلنرحم من في الأرض ليرحمنا من في السماء.