لكل نادٍ سياسته، كبيراً كان أو صغيراً. وسياسة رئيس نادي مانشستر يونايتد الانكليزي، بطل اوروبا وأحد اشهر اندية العالم، مارتن ادواردز هي ان يحقق لحملة الاسهم في ناديه ارباحاً تصب في جيوبهم اكثر مما تصب في جيوب الآخرين، ومن هنا تحديداً برز الخلاف الدائم بينه وبين مدرب الفريق، الاسكتلندي السير اليكس فيرغسون. ادواردز، الخمسيني، ورث رئاسة النادي عام 1980 عن والده لويس، وعرف كيف يرفع مانشستر يونايتد الى القمة مالياً وفنياً. واحتفل في 26 ايار مايو الماضي بتتويج جهوده على صعيد الالقاب، عندما احرز فريقه كأس دوري ابطال اوروبا في امسية لا تنسى على ملعب نوكامب الخاص بنادي برشلونة الاسباني، فهنأ نفسه، وهنأ اللاعبين والجهاز الفني والاداريين وحملة الاسهم وعائلة النادي في كل انحاء العالم، واعتبر ان سياسته في الادارة ناجحة مئة في المئة، وهو الذي يملك 14 في المئة من الاسهم. ومع ان ادواردز نجح قبل اسابيع قليلة من الحصول على صفقة ناجحة جديدة، عندما وافقت شركة "فورافون" للاتصالات على دفع نحو 50 مليون دولار لمانشستر يونايتد في مقابل وضع اسمها على فانلات اللاعبين لمدة 4 سنوات. فإن ادواردز يرى ان ناديه لا يستفيد كلياً من حال الانتعاش الاقتصادي التي يعيشها!! وفي كتاب ظهر اخيراً بعنوان "مانشستر اللامحدود"، رسم المؤلف ميهير بوز سياسة ادواردز، باعتبار انه صحافي اقتصادي، مع ما تجر من خلافات خصوصاً مع فيرغسون. وإذا رأى ادواردز ان الكتاب "خالٍ من الحس" فإنه لم ينفِ ما جاء في محتواه، لا سيما على صعيد العلاقة بينه وبين المدرب الناجح جداً فنياً وإعلامياً، اي بين ملياردير ورث الكثير ومصانع "ادواردز للحوم"، وبين العامل في مرفأ العاصمة الاسكتلندية غلاسكو في قديم الزمان وعضو حزب العمال... والفجوة الثقافية واضحة. وتجدر الاشارة الى ان ادواردز هو الذي استعان بفيرغسون عام 1986، وهو الذي دافع عنه بشدة عام 1990 قبل ان يبدأ المدرب رحلة حصد الالقاب المحلية والاوروبية. وسبب الخلافات بين فيرغسون وادواردز يلخصها الاول بما يلي: "تتسم مناقشاتنا دائماً بالصراحة والمزاح الى ان نتحدث عن المال... فهنا تبدأ المشكلات". من ابرز المشكلات التي تعني طلاقاً بين الرئيس والمدرب، كان عرض صاحب شركة "بي سكاي بي" التلفزيونية روبرت موردوخ لشراء مانشستر يونايتد بقيمة نحو بليون دولار عام 1998. وخلال المفاوضات اقترح عضو في مجلس الادارة ابلاغ فيرغسون بالامر لأن له وزنه، غير ان ادواردز رفض ذلك. بحسب ما جاء في الكتاب، واكد ان المدرب سيرفض المشروع جملة وتفصيلاً، وأضاف انه سيعلمه بالامر بالبريد وفي اللحظة المناسبة. وعندما عرض عضو آخر رفع راتب فيرغسون بعد شراء الشركة النادي، رفض ادواردز ايضاً. وكان ادواردز على ثقة بأن فيرغسون يشاطر مشجعي النادي برفض بيع ما يعشقون لموردوخ. وهكذا، عندما اذيع خبر المفاوضات على الملأ تضاعفت تظاهرات الرفض وصمد مسؤولو النادي، الى ان حسمت لجنة التنافس والدمج التابعة لمجلس العموم الموضوع، ورفضت البيع تطبيقاً للقوانين المرعية. وقد احسنت عملاً لان سعر النادي في البورصة بلغ قبل اسابيع قليلة 6،1 بليون دولار نحو بليون جنيه استرليني. وراتب فيرغسون الشهري كان دائماً موضع خلاف مع الرئيس. وتطور الى حرب من قبل المدرب في الموسم 96 - 97، لان ادواردز لم يجد غريباً ابداً ان يكون راتب فيرغسون اقل من راتب خمسة أو ستة من مدربي الاندية الاخرى في الدرجة الممتازة. وتناولت صحف بريطانيا هذه القضية بكثرة، فرأت ان ادواردز الذي لا يملك الكثير من فنون العلاقات العامة لا يهتم الا بمصالحه ومصالح اصحاب الاسهم. ويركز على الارقام الواردة في صحيفة "فايننشال تايمز" اكثر مما يركز على الاحتياجات الرياضية التي يقترحها الجهاز الفني. اما الجمهور فيأخذ على الرئيس انه ليس مشجعاً مطلقاً لناديه، ولا يغار عليه غيرة عمياء، بدليل ان تخلى عن الاشتراك في كأس انكلترا 90 - 2000 مثلاً ليشارك فريقه في بطولة اندية العالم. ولم يستحسن الجمهور هذا ايضاً ان يكون ادواردز مالكاً 3 في المئة من اسهم نادي ليستر سيتي. وبالفعل، فان ادواردز يعرف كيف يدير النادي من دون ان يكون مشجعاً متيماً به، وهو يضع المال في المقام الاول، ولا يمانع من ان يجني مالاً وفيراً ويحل فريقه في المركز الثالث في الدوري بدل ان يجني القليل ويُتوج بطلاً أو ان يكون مديناً، وهي عكس سياسة رئيس نادي ريال مدريد الاسباني لورنزو سانز. ومن هذه الزاوية يقول ادواردز: "لا تقدر الاندية على صرف ما تربحه، وإذا ما خالفت هذا المبدأ تضع نفسها في وضع صعب، ونحن لن ندع مانشستر يونايتد يمارس هذه العادة البشعة". وما يملكه مانشستر من قوة مالية تمكّنه من شراء اغلى اللاعبين في العالم من امثال البرازيلي ريفالدو والفرنسي تورام والهولندي دافيدز، لكنه لا يفعل ذلك، واغلى لاعب عنده هو الهولندي ستام قلب الدفاع الذي انضم اليه في مقابل 15 مليون دولار فقط. ذلك ان ادواردز وفيرغسون تفاهما منذ زمن بعيد على ضرورة اعتماد مبدأ التفريخ اي تكوين اللاعبين في مدرسة النادي، والصعود بالبارزين الى الفريق الاول فضلاً عن سلسلة رواتب مدروسة بعناية ومقننة ومحدودة. ثورة... في الافق وتجدر الاشارة، مثلاً، الى ان مانشستر عانى من مركز قلب الدفاع طويلاً، وتوقع البعض ان يلجأ الى الفرنسي تورام، لكنه فضّل عليه مواطنه المغمور ميكايل سيلفستر لانه لم يكلفه الكثير. وعندما انتقل حارس المرمى العملاق الدانماركي بيتر شمايكل الى سبورتينغ لشبونة البرتغالي كان البديل هو الاسترالي مارك بوسنيتش، للسبب ذاته... وقد لعب روي كين، لاعب الوسط الايرلندي المتألق وقائد الفريق، دوراً بارزاً في كل ما يحققه مانشستر من القاب، وعلى رغم كل هذا وافقت إدارة النادي وبعد تردد طويل على تجديد عقده مع ارقام جديدة، حيث بات يتقاضى نحو 300 ألف دولار شهرياً، ولا شك في ان مشكلات اخرى ستطل برأسها من هذه الزاوية عندما تبدأ المفاوضات لتجديد عقود النجوم الآخرين من امثال ديفيد بيكهام وراين غيغز. ويقول مراقبون: "هناك ثورة في الافق". الى كل ذلك، نقول ان صفوف مانشستر لم تتغير جذرياً، منذ مدة طويلة وهي لن تبقى قوية أو قادرة على مواكبة التطورات وجهود الاندية المحلية والاوروبية الاخرى الساعية الى تطوير مستوياتها، إلا اذا تم تدعيم هذه الصفوف تدريجياً بنجوم كبار... والمشكلة لدى ادواردز انه غير مقتنع ابداً بأن مفاوضته اي نجم يجب ان تبدأ براتب 400 ألف دولار شهرياً، مع بدل انتقال بقيمة اقلها 30 مليون دولار!!