عقدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حديثاً مؤتمرها السنوي الرابع تحت عنوان "المصريون والسلطة عبر العصور" وذلك في مقر المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة. وأستهل رئيس الجمعية رؤوف عباس الجلسة الافتتاحية بكلمة اشار فيها إلى أن أسباب إختيار موضوع المؤتمر تعود الى تركيز المؤرخين على تناول أعمال الحكام بصورة كبيرة من دون دراسة أثر دور الشعوب في تحريك التاريخ، وخصوصاً، جدلية العلاقة بين الناس والسلطة بفرعيها الديني والسياسي. وأتاح المؤتمر فرصة التلاقي الفكري بين أجيال مختلفة: جيل الباحثين الذي ما زال يدرس، جيل الوسط، جيل الأساتذة الكبار. كذلك كان للحضور الكبير دور في اتساع مساحة الحوار وتبادل الآراء بين المشاركين في المؤتمر والمناقشين وجمهور الحاضرين. وفي دراسته "المصريون والسلطة في عصر الولاة" سعى عماد أبو غازي الى اختبار المقولات المتواترة عن المصريين حول خضوعهم لكل سلطة حاكمة محلية أو أجنبية وعدم ميلهم للمقاومة وإيثارهم السلامة والمسالمة، وقام بتطبيق هذا الاختبار على عصر الولاة من دخول العرب الى مصر الى قيام الدولة الطولونية مستعرضاً علاقة المصريين بالسلطة طوال ما يزيد على قرنين من الزمان مستجلياً حدود القبول بالحكم الجديد أو أشكال الرفض له، التكيف مع الواقع الجيد أو الثورة عليه. وحاول زكي البحيري في دراسته "المصريون والسلطة عند الجبرتي" تقديم الاجابة عن سؤال مهم عن موقف الجبرتي من الشعب المصري المنتج من الفلاحين وأبناء البلد من الحرفيين والعامة والتجار وكبار العلماء في الازهر عندما شكلوا قوة مقاومة في مواجهة الفرنسيين، تلك القوة التي ظل لها القول الفصل حتى القيام بتولية محمد علي والياً على مصر بدلاً من الوالي العثماني خورشيد باشا المرسل من قبل السلطان العثماني. أما عن تميز البناء السياسي لدولة سلاطين المماليك 1250-1517م، أشار قاسم عبده قاسم في دراسته عن "مفهوم السلطة في عصر السلاطين والمماليك" الى أن السلطة السياسية ارتكزت على جناحين: القوة العسكرية، الواجهة الدينية. وكان المصريون يرون السلطة المملوكية من زاويتين: الولاء السياسي من مفهوم ديني فرضته الشرعية الصورية، والنفور الاجتماعي - الثقافي الناجم عن ممارسات الحكم المملوكي من جهة وعزلة الطبقة الحاكمة عن جماهير الرعية من جهة أخرى. وأدى هذا الموقف الى استقطاب حاد وعزلة بين المؤسسة السياسية أو المجتمع السياسي والمجتمع المدني. وربما يكون هذا السبب، كما يذكر قاسم يرجع الى ان ابن خلدون تحدث عن الحال في مصر في عصر سلاطين المماليك بقوله: "انما الأمر في مصر سلطان ورعية". وتعرض علي كورخان سريعاً للكتابات الفرنسية عن مصر في عصر محمد علي وأحفاده حتى اسماعيل لاعتبار الفرنسيين ذلك العصر استمراراً لمشاريع الحملة الفرنسية في مصر، إذ توقف كورخان لدى اثنين من الكتاب الفرنسيين هما: إدبون آبو وأولامب إدوار اللذان قدما نظريتين مختلفتين تماماً عن وضع المصريين تجاه السلطة في عصر اسماعيل وما قبله. وعلى رغم اختلافهما على وضعية المصريين خلال هذه الفترة، إلا أنهما يتفقان تماماً على شيء واحد، وهو أنه رغم وجود مصريين داخل السلطة، وبالذات بداية من عصر سعيد باشا فإن الشعب المصري لا يقوم بأي دور يذكر كما لا يشكل رأياً عاماً. وفي دراسته عن "فكرة الجمهورية في مواجهة الخديوية"، أشار عبدالمنعم الجميعي الى أن مصر عرفت كلمة جمهورية بعد وصول الحملة الفرنسية العام 1798، ثم أخذت هذه الكلمة تتردد على ألسنة المصريين الذين ذهبوا الى فرنسا للدراسة خلال عصر محمد علي وتأثروا بالاحوال السياسية هناك كما تابع المفكرون والكتاب الحديث عن الحكومات المستبدة ومهاجمة نظام الحكم الخديوي. وتناولت آن برود بريدج في دراستها عن "المؤرخين والسلطة في العصر المملوكي"، حياة وأعمال ثلاثة: المقريزي، العيني، ابن حجر العسقلاني، إذ قدمت من خلالهم صورة عن جو التنافس السائد بين العلماء آنذاك بالنسبة الى علاقاتهم بالسلطة وأثر ذلك على كتابتهم للتاريخ وعلاقات بعضهم ببعضاً. وحاول محمد السعدني في دراسته "المصريون في مواجهة الاحتلالين البطلمي والروماني" التعرف على الدور التاريخي للشعب المصري وبخاصة في فترة الاحتلال المقدوني من العام 333 ق.م. وحتى القرن الثاني الميلادي على الأقل الذي أغفلته عن عمد المصادر القديمة والمراجع الحديثة واظهرته كأنه جثة هامدة لا حراك فيها. والأداة التي لجأ إليها الباحث هي إعادة قراءة بعض المواقف والأحداث التاريخية الصادرة أولاً: عن الكهنوت المصري باعتباره رأس الحكمة، وناصية الفعل القادر على التعبير عن نفسه بوسائل عدة، وثانياً: عن بعض قيادات الشعب وجموعه الغفيرة كردود فعل آنية للجبروت والطغيان من قبل السلطة المقدونية - البطلمية او الرومانية بعد ذلك. وتناولت لطيفة سالم في دراستها عن "حزب الأغلبية والسلطة 1944-1952" فترة زمنية أثرت في تاريخ مصر المعاصر تأثيراً بالغاً وهي تقع بين إقالتين لوزارة الوفد وتركز على السياسة التي اتبعها حزب الغالبية من اجل الوصول الى السلطة. وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة اقسام: الاول "الطريق الى الحكم"، إذ يرصد الخطوات التي خطاها حزب الوفد بعد الإقالة الملكية العام 1944، والثاني: "الاستحواذ على السلطة" يركز على أسلوب الحكم الذي مارسته الوزارة، وأخيراً الثالث: "الغضب الملكي" إذ توضح كيف انفصمت عرى الوفاق على يد فاروق الذي لم يكن ليرتاح لاستمرار حزب الغالبية الوفد في الحكم على رغم ما قدمه له.