هل تريد الدراسة في جامعة بريطانية من خلال انترنت دون مغادرة بلدك؟ هذا ما سيصبح واقعا خلال سنوات قليلة حسب المقترحات التي قدمها وزير التعليم البريطاني ديفيد بلنكيت في كلمة القاها أخيرا في جامعة غرينيتش في لندن. موضوع الكلمة كان "التعليم العالي في القرن الواحد والعشرين"، وركز فيها على بروز "سوق عالمية" جديدة للتعليم من بين "صناعاتها الكبرى" التعليم العالي، "وان على جامعات بريطانيا التطور والتكيف لمواجهة هذا الوضع اذا كان لها الحفاظ على موقعها الطليعي". وأعلن بلنكيت ان "المجلس الأعلى لتمويل التعليم العالي في بريطانيا" وضع خطة لانشاء "جامعة الكترونية" على انترنت، ضمن مشروع مشترك بين الجامعات والقطاع الخاص. وتعكس الخطوة قلق جامعات بريطانيا من التخلف عن نظيراتها الأميركيات في هذا المجال. وقال بلنكيت ان الجامعة الالكترونية "ستركز الموارد من عدد من الشركاء على مستوى يمكّن من مواجهة المنافسين الأميركيين الرئيسيين". وتوفر سوق التعليم العالي العالمية حاليا مردودات كبيرة للجامعات الناجحة. ويزيد مدخول جامعات بريطانيا من رسوم تعليم الطلاب الأجانب على 600 مليون جنيه استرليني سنويا. وكان رئيس الوزراء توني بلير أعلن في حزيران يونيو الماضي خطة لزيادة حصة بريطانيا من سوق التعليم العالي العالمية، لتحقيق مكاسب أكبر لبريطانيا على الاصعدة التجارية والثقافية والديبلوماسية. وتهدف الخطة الى اجتذاب 75 ألف طالب أجنبي اضافي بحلول 2005. وتحاول بريطانيا بذلك الحصول على 25 في المئة من الطلبة الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي، لكنها تواجه منافسة حادة، خصوصا من البلدان الرئيسية الناطقة بالانكليزية، أي الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا. ويأمل المسؤولون بأن "الجامعة الألكترونية" البريطانية ستتمكن من منافسة الجامعات الأميركية، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، التي تقدم بالفعل دورات دراسية كاملة على انترنت. وبدأ معهد ماساتشوستس السنة الماضية مشتركا مع شركة مايكروسوفت العمل على مشروع من خمس سنوات للتدريس على انترنت. ووجه "المجلس الأعلى البريطاني لتمويل التعليم العالي" رسالة الى العمادات الجامعية ورئاسات المعاهد العليا لابلاغها عن مشروع "الجامعة الالكترونية". وتوضح الرسالة أن ملكية وادارة المشروع ستعود الى الجامعات من جهة والى مساهمين أجانب ومن القطاع الخاص من الجهة الثانية. وتدعو الرسالة الجامعات والمعاهد المهتمة الى المشاركة وتطلب منها ابداء ارائها قبل الثالث من نيسان أبريل المقبل. هناك بالفعل شراكة بين أربع جامعات من كل من بريطانياوالولاياتالمتحدة. البريطانية هي ليدز وشيفيلد ويورك وساوثهامبتون، والأميركية جامعة كالفورنيا في سان دييغو وجامعة ولاية بنسلفانيا وجامعتا واشنطن ووسكونسن ماديسون. ويهدف المشروع الى استغلال السوق العالمية المتنامية في التعليم والأبحاث من خلال انتاج برامج كومبيوترية مشتركة لمختلف المساقات وأيضا التعاون في الاشراف على أطروحات الدكتوراه وتأمين مستويات علمية مشتركة. وأشار وزير التعليم البريطاني في خطابه الأخير أيضا الى عدد من المبادارت الأخرى لمواجهة تحديات القرن الجديد. من بين هذه مقترح لشهادة من نوع جديد يستغرق الاعداد لها سنتين، بدل الثلاث أو أربع سنوات المعتادة. وتوفر هذه الشهادة التأسيسية التعليم والتدريب الضروريين للحياة العملية، خصوصاً أن الطلاب يقضون قسما كبيرا من الدورة في العمل في قطاعي الصناعة والتجارة. تهدف الحكومة الى رفع عدد المستفيدين من التعليم العالي الى نصف خريجي الثانوية او المعاهد التقنية من مستواها مقابل نسبة الثلث الحالية. وتحاول من خلال الشهادة الجديدة جذب 80 ألف طالب اضافي الى الجامعات. يشير منتقدو الشهادة الجديدة انها تؤدي الى ازدواجية في نظام التعليم الجامعي. وقالت وزيرة الظل لشؤون التعليم العالي النائبة المحافظة تيريزا ماي ان الغاية من الشهادة التأسيسية المقترحة "هي فقط تمكين الحكومة من تنفيذ هدفها في ادخال 50 في المئة من الطلاب الى مجال التعليم العالي، وليس تقديم أفضل ما يمكن من التعليم لهم. سنجد في النهاية أنواعا متفاوتة الشهادات بحيث لا يستطيع صاحب العمل التمييز بينها". في المقابل رحبت لجنة عمادات ورئاسات الجامعات بالشهادة المقترحة. وقالت المديرة التنفيذية للجنة ديانا واريك ان المشروع "يشكّل فرصة مثيرة لزيادة عدد الحاصلين على مؤهلات تحسّن من مهاراتهم وفرص تشغيلهم". التغير الآخر المثير للخلاف الذي تفكر به الحكومة البريطانية هو رفع رسوم التعليم للفئات الأغنى من الطلاب في الجامعات الراقية. ويبلغ الرسم السنوي حاليا 1025 جنيهاً. وأكد الوزير بلنكيت المحافظة على الرسوم الحالية مادام في المنصب، الا انه اضاف: "لكن، لن أبقى وزير التعليم الى الأبد!". وتطالب الجامعات المتميزة الحكومة بزيادة الرسوم، وهناك تكهنات في أن جامعات مثل أكسفورد وكامبردج سترفع الرسم السنوي الى ستة آلاف جنيه. وعبّر اتحاد الطلاب عن رفضه الشديد لاحتمال الزيادة، خصوصاً أن برلمان اسكوتلندا ألغى أخيرا الرسوم السنوية في الجامعات الاسكوتلندية، مشترطا على الطلاب بدلا منها دفع ألفي جنيه بعد التخرج وعند الحصول على مرتب سنوي يتجاوز عشرة آلاف جنيه. ويطلق الطلاب بدءا من السابع من الشهر المقبل حملة للضغط على البرلمان البريطاني لاصدار قرار مماثل لانكلترا وويلز. اعتبر مراسل "بي بي سي" لشؤون التعليم مايك بيكر في مقالة كتبها اخيراً ان الجامعات البريطانية تتحول في شكل متزايد الى شبيهات لزميلاتها في الولاياتالمتحدة. وكانت الخطوة الأولى في ذلك فرض رسوم للتعليم الجامعي، تليها الدورة الجامعية المقترحة الأقصر ثم الجامعة الالكترونية. وربما ستكون الخطوة الثالثة زيادة كلفة الرسوم. وكتب بيكر: "جامعاتنا لا تزال في مرحلة انتقال مضطربة من كونها خدمة نخبوية للاقلية الى نظام شمولي رخيص الكلفة للكثيرين". وحذر من ان الجامعات عند تحولها الى "صناعة عالمية" ستزيد من الكلفة على الطلاب فيما تقدم لهم مادة أقل.