تُرجمت الأناجيل وباقي اجزاء العهد الجديد الى مختلف اللغات، وكانت الترجمة السريانية القديمة التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي من اقدمها، وكذلك الترجمة اللاتينية القديمة حوالى اواخر القرن الثاني الميلادي وهي التي انتشرت في شمال افريقيا. ولحقتها الترجمة اللاتينية الثانية الشهيرة المعروفة باسم "الفولغاتا" اي الشعبية التي انجزها هيرونيموس 340 - 420 في العام الميلادي 405. وهناك ترجمات قبطية نهاية القرن الثاني الميلادي وحبشية منتصف القرن الرابع الميلادي للعهد الجديد. وما يهمنا هنا هو الترجمة العربية، فقد صدرت ترجمات عربية كثيرة للعهد الجديد بعد ظهور الاسلام. وهناك ترجمة انجزها يوحنا اسقف اشبيلية بالاندلس في العام 724. وعُثر على ترجمات لاجزاء من العهد الجديد في مكتبة دير القديسة كاترين يعود اقدمها الى القرن الثامن الميلادي. وعثر على ترجمات لاجزاىء من ترجمات لاحقة مثل الترجمة التي وضعها اسحق بالكيث VALQUEZ في قرطبة سنة 946، وترجمة هبة الله بن العسال من القبطية الى العربية حوالى العام 1250. ظهور الطباعة صدرت اول طبعة من ترجمة "الفولغاتا" اللاتينية آنفة الذكر في مدينة ماينتس في العام 1456. وتأخر صدور اول طبعة من العهد الجديد باللغة الاصلية اليونانية كثيراً، وكان ذلك في العام 1514 في اسبانيا وهي طبعة متعددة اللغات، ونشر ارازموس في العام 1517 طبعة العهد الجديد باليونانية. ولم تصدر الطبعة اليونانية المعروفة بالمقبولة الا في العام 1633. وسبق ذلك ظهور طبعة العهد القديم بالعبرية في العام 1488 في دوقية ميلانو ثم في بريشا بايطاليا في 1494 وهذه هي النسخة التي استعملها المصلح الكبير مارتن لوثر في اعداد ترجمته الالمانية المعروفة. اما الطبعات العربية فقد ظهرت في اوروبا بادئ الامر، ويذكر قاموس الكتاب المقدس وجود طبعات عدة، منها تلك الصادرة في باريس ضمن طبعة متعددة اللغات في العام 1945، وطبعة لندن متعددة اللغات في 1657، كما نشرت ترجمة كاملة في روما سنة 1671 باشراف هيئة ترأسها الأسقف سركيس بن موسى الرزي. غير ان القاموس لا يذكر طبعة صدرت في 1591 للأناجيل الاربعة باللغتين العربية واللاتينية. وتوجد نسخة من هذه الطبعة في مكتبة "راداي" في بودابست، وتحمل تاريخ العام 1591، وطُبعت في روما في مطبعة مديتشي الشهيرة باشراف رايموند. وقد زيّن الكتاب بصور طُبعت بتكنيك الحفر على الخشب من تصميم الفنان آ. تمبستا A. Tempesta تمثل مختلف القصص الانجيلية. ويبلغ عدد صفحات الكتاب 492 صفحة، وهو في حالة ممتازة اذ حفظ بعناية ولا يوجد فيه اي عيب او تلف. وتبدأ النسخة من الصفحة التاسعة، اي تنقصها المقدمة التي لم تجلد مع الكتاب في الاصل. تعود ملكية مكتبة راداي في الاصل الى عائلة راداي RADAY وهي عائلة من متوسطي النبلاء المجريين الذين اعتنقوا المسيحية الاصلاحية وتبعوا الكنيسة المسيحية البروتستانتية المعروفة بالاصلاحية وهذه تقابل الكنيسة الانجيلية في الشرق الاوسط. وشيّدت العائلة قصراً لها في مدينة صغيرة ضمن املاكها الموزعة. وأنجز بناء مكتبة القصر في العالم 1759. وتميزت المكتبة باحتوائها على اهم الاعمال التي مهّدت لظهور عصر التنوير في اوروبا، ورافقت هذا التحول الفكري المهم الذي تتوج بالثورة الفرنسية الكبرى. وزاد عدد مقتنيات المكتبة عن عشرة آلاف من المجلدات النفيسة، جمعها بال راداي PAL RADAY وابنه جديون GEDEON. لكن مصير المكتبة كان الاهمال لاحقاً، فقد انخفض عدد المجلدات الى 10 آلاف بعد بداية القرن التاسع عشر. ولم تستطع العائلة بيع المكتبة الشهيرة لتسديد الديون التي تزايدت عليها بسبب غلاء سعرها. وفي الختام تمكنت الاكاديمية الثيولوجية الاصلاحية في بودابست من شرائها بعد حملة جمع التبرعات، وبعد تبرع عائلة راداي بخصم نصف سعر شراء المكتبة. ونقلت المجلدات الى بودابست في العام 1862 وتوجد هذه المجموعة حالياً ضمن مكتبة جامعة كارولي غاشبار KAROLI GASPAR التي تديرها الكنيسة الاصلاحية في بودابست. ويوجد الى جانب طبعة الأناجيل العربية المذكورة طبعة للعهد الجديد باللغة السريانية صدرت في العام 1664 في هامبورغ بالمانيا مع ملحق باللاتينية. ومن نوادر الكتب المطبوعة في المكتبة كتاب اشعار باللغة الالمانية يصف مغامرات صيد الامبراطور ماكسيميليان الاول من عائلة هابسبورغ وتوجد طبعتان من الكتاب 1517 نورنبرغ و1519 اوغسبرغ وقد زيّن الكتابان بصورة طبعت بتكنيك الحفر على الخشب زيلوغراف جرى تلوينها باليد بعد انجاز الطباعة. بعد قراءة سريعة لاجزاء من النص ومقارنتها بالترجمة الحديثة للأناجيل، يمكن القول ان لغة طبعة 1591 هي اقرب الى اللغة العربية التقليدية المتأخرة منها الى لغة الترجمة الحديثة التي اخذت منحى خاصاً بها اعتمدنا الترجمة العربية لدار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط طبعة 1987. ونجد فيها تعابير اقرب الى العامية، مثل "حينيذ" بدلاً من حينئذ او "قايم" بدلاً من قائم و"جيت" بدلاً من جئت. ويتميز نص الطبعة بوجود اختلاف في ارقام الاصحاحات التي تسمى فصولاً. وقد تكون بعض تعابير طبعة 1591 اكثر متانة من الترجمة الحديثة، مثلاً استعمال "اذ كنت شاباً" بدلاً من "لما كنت اكثر حداثة" يوحنا 21-18 او في خاتمة انجيل يوحنا: "هذا هو التلميذ الذي شهد بهذا وكتبه ونحن نعلم ان شهادته هي حق…" بدلاً عن "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم ان شهادته حق". غير ان هذا ليس الحال العامة. اذ نجد في مواقع اخرى ان اللغة ضعيفة ومليئة بالاخطاء "انت تلميذ ذاك فأما نحن فإنّا تلاميذ موسى ونحن نعلم ان الله كلّم موسى فامّا هذا فما تدري من اين هو" يوحنا. كما جرى تنقيط الألف المقصورة فأصبحت ياءاً في كل النص الي بدلاً من الى على سبيل المثال. عدا عن هذه التفاصيل الصغيرة لا تختلف الترجمتان عن بعض بشكل جوهري. وتسبق انجيل متى عبارة: "بشارة يسوع المسيح كما كتب مار متي واحد من اثني عشر من تلاميذه". ونلحظ استعمال كلمة "مار" في اللغتين العربية واللاتينية على حد سواء، وكما هو معروف فالكلمة سامية قديمة شاع استعمالها في اللغات الآرامية وتعني في الاصل "سيد" ثم اصبحت تستعمل بمعنى قديس، ومؤنث مار بالآرامية هو مارثا اي "سيدة" وقد تحول الى اسم انتشر في اوروبا المسيحية بكثرة. ويقبال الكلمة في العربية "مرء" وتنويعاتها، وتعني رجلاً، سيداً لاحظ: امرئ القيس ومؤنثها امرأة او مرأة. وتختتم الطبعة بصفحة التيبوغرافيا المكتوبة باللاتينية على عادة الكتب المطبوعة في ذلك العصر لتحدد المعلومات المتعلقة بالمطبعة والكتاب وتثبيت سنة الطبع بالارقام اللاتينية. ومن مميزات هذه الطبعة استمرار تقليد كتابة مطلع الصفحة على الصفحة التي تسبقها، وهي صفة مميزة للمخطوطات الشرقية. اذ جرى تدوين الكلمة التي تفتتح بها كل صفحة في اسفل الصفحة التي تسبقها كبديل عن ترقيم الصفحات ولتسهيل تجميع اوراق المخطوطة بالترتيب الصحيح عند التجليد. هذا الكتاب يحمل قيمة تاريخية وفنية كبيرة تستحق الاهتمام خصوصاً اذا ما انتبهنا الى ان الوقت الذي صدرت فيه الطبعة شهد تغيرات كبيرة في العلاقات بين اوروبا المسيحية والشرق المسلم بعد تحول الاندلس واسبانيا من رمز لتعايش الاديان السماوية الثلاثة تحت الحكم العربي الاسلامي الى رمز للتعصب الديني واقتراف البشاعات باسم الدين في اوج عصر محاكم التفتيش.