أحدث الانعطاف الايجابي في موقفي الدنمارك والسويد تجاه النظام النقدي الاوروبي وعملة "اليورو" ضغطاً جديداً على بريطانيا التي ما زال موقفها محكوماً بسلبية الاعلام البريطاني من الموضوع. ويزيد من تأثير التحول في موقفي الدنمارك والسويد تقديم اليونان في الاسبوع الاول من آذار مارس الجاري طلب الانضمام رسمياً بعد ان اجرت الاصلاحات المطلوبة في الاقتصاد والعمالة والمديونية وفقاً لمعايير معاهدة مايستريخت الجديدة. كان موقف الدنمارك اكثر ايجابية بإعلان الحكومة قرارها - في اليوم نفسه الذي اعلنت فيه اليونان قرارها - الانضمام للنظام النقدي الاوروبي بتحديد موعد الاستفتاء العام في ايلول سبتمبر المقبل. فإذا فاز انصار اوروبا سيتم الانضمام الرسمي خلال سنة. ويذكر ان نتيجة الاستفتاء السابق كانت سلبية. وتحدد موقف السويد عبر قرار الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم في العاشر من آذار الجاري، في مؤتمر استثنائي، الانضمام للإتحاد النقدي الاوروبي بغالبية 234 صوتاً في مقابل 113، على ان يتبع ذلك استفتاء لم يحدد موعده. وكانت قيادة الحزب تريد جعل القرار النهائي عبر تصويت مفتوح في البرلمان، ولكونها حكومة اقلية فشلت في مثل هذا السعي. ويرجح ان تكون خطوات الدول الثلاث، اليونان والدنمارك والسويد، من اصل الدول الاربع التي لم تنضم بعد للنظام النقدي الاوروبي خلف تخصيص الحكومة البريطانية 20 مليون جنيه لتعديل انظمة الدوائر الحكومية والصرف والمبادلات النقدية عبر اجهزة الكومبيوتر حتى تكون جاهزة للعمل اذا تقرر انضمام بريطانيا في الاستفتاء المرجح بعد الانتخابات المقبلة اذا فاز حزب العمال بدورة ثانية. وعوضاً ان تدفع المعطيات الجديدة المعادين لليورو، بزعامة حزب المحافظين الى وقفة مراجعة، سارع وزير الخزانة في حكومة الظل مايكل بورتيللو الذي عاد حديثاً الى الساحة السياسية الى الاعلان في 12 آذار الجاري بأن المحافظين لن يجروا استفتاءً على الانضمام للعملة الموحدة اذا فازوا في الانتخابات المقبلة. وهذا يتوافق مع ما اعلنه زعيم حزب المحافظين وليم هيغ سابقاً ان بريطانيا لن تنضم الى العملة الموحدة مطلقاً في الدورة البرلمانية بين سنوات 2001-2006 وهذا ما جعل المراقبين يستبعدون فوز حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة. ويزيد من ارجحية ذلك ان التكتيك السياسي لحزب العمال اكثر مرونة وحيوية. فبعد قليل من اعلان المحافظين رفض الاستفتاء سارع وزير الخارجية روبن كوك الى التأكيد في الاذاعة ان حزب العمال سيترك للناخبين الكلمة النهائية في الموضوع، واتهم حزب المحافظين بأن رفضه للإستفتاء يعني انه ينزع من الناخبين حق القرار. قاد هذا الوضع الى طرح سؤال امكان بقاء بريطانيا وحيدة خارج النظام الاوروبي النقدي؟ والجواب هو ان موقفها يشابه موقف السويد من جهة سلبية الرأي العام ورفضه فكرة الانضمام. وتحاول الحكومتان التأثير فيه تدريجياً خوفاً من نتيجة الانتخابات. وتقوم حكومة العمال في الوقت نفسه بتشجيع رجال الاعمال والشركات على اجراء تعديلات فنية مشابهة لما تجريه الحكومة تحضيراً لليورو. والمفارقة ان تحسن الوضع الاقتصادي وسوق المال والتجارة وازدياد قوة الجنيه الاسترليني، خلفت استرخاءً وعدم احساس بضرورة الاسراع نحو اليورو الذي تتراجع قيمته. ومن مفارقات هذا الوضع انه عوضاً ان يقوم قطاع الاعمال والتجارة بتشجيع الرأي العام لصالح دعم اليورو، جرى العكس، فأثر موقف الرأي العام السلبي على قطاع الخدمات المالية والتجارية. وفي النهاية سيزيد هذا الوضع من اعباء الحكومة في الحصول على التأييد المطلوب للإنضمام للنظام النقدي الاوروبي بأقل ثمن سياسي ممكن. يفتح حديث الثمن السياسي الباب امام مجموعة من الاشكالات التي قد تتحول الى معضلات في علاقة الاتحاد بالأوضاع الداخلية في دولة. فالمخاوف من الخسائر السياسية اثرت في تأخر انضمام الدول الاربع بريطانياوالسويد والدنمارك واليونان لنظامه النقدي، وقد تكون عامل اضعاف في الاتحاد كما حصل في النمسا، ومع ذلك ما تزال النمسا قادرة على الاعتراض واستخدام حق النقض في قرارات مصيرية كانضمام بعض دول اوروبا الشرقية. وقد يدفع هذا الوضع الاتحاد الى اجراء تعديلات دستورية، تمنع المواجهة وتنظم امر العلاقة بين الاوضاع الداخلية السياسية لكل دولة على انفراد وبين السياسات العامة للإتحاد الاوروبي. فالموقف من النمسا احدث سابقة وهي التدخل في الشؤون الداخلية الناجمة عن انتخاب ديموقراطي، يتماشى مع قيم الاتحاد السياسية، وهي الحرية والديموقراطية والقانون واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية. فمنذ السنة الماضية اقر الاتحاد ان اي خرق لهذه الحقوق يحرم الدولة حق التصويت في الاتحاد. وبما ان ما جرى في النمسا لا يخالف اي من هذه القيم والمبادئ، فإن الموقف تجاهها يشكل سابقة يتمنى انصار الاتحاد ان لا تشكل مضاعفات تؤثر على الرأي العام، خصوصاً في الدول المترددة كبريطانياوالسويد والدنمارك. * كاتب وصحافي سوري مقيم في بريطانيا.