بين غضب الوزير فاروق الشرع وخيبة أمل الرئيس حسني مبارك و"واقعية" الوزير يوسي بيلين، ترتسم معالم مرحلة ما بعد قمة الأسد - كلينتون. ووسط ما يشبه تعبئة اسرائيلية جند لها معظم الوزراء في حكومة باراك لتحميل سورية عبء فشل قمة جنيف، ارتفع صوتان: بيلين الذي لم يعد يرى أي فرصة لاتفاق سوري - اسرائيلي في عهد ادارة كلينتون، وباراك الذي أصر على استفزاز الرئيس حافظ الأسد حين تحدث عن دمشق كأنها قاصر لا تدرك متطلبات السلام "المؤلم" بقراراته الاسرائيلية المطلوبة. في قمة جنيف لم تحصل "معجزة" اعلان الرئيس الاميركي نقل تعهد اسرائيلي بترسيم الحدود عند خط 4 حزيران يونيو، ولا إعلان مجرد استئناف التفاوض ، واذا كان البيت الأبيض ما زال يراهن على استئنافها بين باراك والشرع، فإن التعبئة الاسرائيلية لا تترك مجالاً للشك بأن رئيس الوزراء دمر ما تبقى لدى دمشق من ثقة به بعدما أصر على "بناء الثقة" أولاً بحجة تسويقها في الداخل... وبانتظار معجزة لن تتحقق على الأرجح. والنتيجة ان الحاضر - الغائب في قمة جنيف، لبنان، سيكون ميدان التصعيد، وان الشقيق الأصغر لسورية بدأ منذ مغادرة الأسد وكلينتون العاصمة السويسرية مواكبة العد العكسي لذلك الانسحاب الاسرائيلي، الذي حوّله باراك الى شؤم بدل ان يكون انتصاراً لجميع اللبنانيين. ألم يربط بعض وزرائه ممن يساهمون في "التعبئة" بين فشل القمة في تليين "التشدد" السوري وبين حتمية الانسحاب من الجنوب من دون اتفاق؟ نذر شؤم تتجمع مجدداً، تدرك سورية ولبنان وحدهما تبعاتها، وأقل ما توصف به لغة باراك وبعض وزرائه بأنها مفردات حرب يلوحون بها في سبيل مزيد من الابتزاز: إما الحرب بعد انسحاب تموز يوليو وإما معجزة "تنازل" الأسد لحساب "المصالح الحيوية" لاسرائيل، والتي بدا ان رئيس الوزراء راهن عليها بالفعل قبل وصول كلينتون الى جنيف، وأفرط في الرهان حتى صدقها! وما يرجح كفة التشاؤم هو اصرار رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير خارجيته ديفيد ليفي على الطعن في صدقية القيادة السورية ذاتها على نقيض الكلمات المشجعة التي نطق بها باراك بعد تسلمه الحكم. وهو اذ يسلّف ادارة كلينتون كلاماً ديبلوماسياً من نوع عدم اغلاق باب التفاوض مع دمشق، يمحوه في اللحظة ذاتها بتحريض سورية على التحضير للحرب لأن "أقنعتها سقطت" قرب بحيرة ليمان، بإصرارها على ترسيم الحدود عند بحيرة طبريا، أولاً. وما يقلص حيز التفاؤل ان تدخلاً اميركياً بجهود دنيس روس أو مارتن انديك أو حتى الوزيرة مادلين اولبرايت، لن يفلح حيث فشلت مساعي كلينتون، وان دمشق فقدت الأمل بضغوط اميركية جدية لإقناع باراك بالتخلي عن وهم تبرع سورية بالتنازل عن أولوية ترسيم الحدود... من اجل شعبية رئيس الوزراء في الشارع الاسرائيلي، وتحت ضغط عامل الوقت. انتهى عصر المعجزات، وسقط قناع باراك الذي لم يعد بحاجة الى جهد كبير كي يثبت للاميركيين كم أبدع في حرق المراحل ضمن تكتيك اللعب على الوقت، والتزم تعهده ان تبقى لاسرائيل وحدها الكلمة الفصل في القرارات "المؤلمة". اسبوعان، شهران، لا فرق، غضب في سورية وخوف في لبنان، فتموز يقترب. والواقع ان دمشق اثبتت انها لم تتغير حين ذهبت الى التفاوض، ولكن ماذا عن حسابات الحرب؟