غياب سلطان العويس مؤسس الجائزة أو الجوائز التي تحمل اسمه هل سيترك أثراً سلبياً على مسارها أم أن المؤسسة التي أنشأها خلال حياته ستواصل "رسالتها" بحرية وبعيداً عن أي وصاية؟ هذا سؤال من بضعة اسئلة عكف على طرحها بعض المثقفين العرب في أكثر من عاصمة عربية غداة رحيل الشاعر. أما الجواب فواضح تماماً بحسب ما أعلن القائمون على المؤسسة والجائزة بل وفق ما عبّر الاحتفال بالفائزين في الدورة الأخيرة ولم يتسنّ للشاعر أن يرعاه كعادته إذ فاجأه الموت قبل شهرين. الجائزة إذاً ستظلّ قائمة وكذلك المؤسسة وفي حال من الاستقلال الذاتي. واللجنة الاستشارية ستؤدي الدور الذي طالما أدّته وستتبدّل الأسماء فيها دورة تلو أخرى مما يسمح في تطويرها وتوسيع أفقها. وما إن انتهى الاحتفال بالفائزين قبل أيام حتى باشرت اللجنة اجتماعها وعلى رأسها أسماء رصينة من مثل جابر عصفور ومحمد يوسف نجم وعبدالله الغذامي وعلوي الهاشمي وسواهم. ولعلّ الجائزة التي بات يطمح اليها عدد وفير من المفكّرين العرب والشعراء والروائيين استطاعت فعلاً ان تحافظ على طابعها الديموقراطي الحرّ عبر اللجان التي تشرف عليها وتضمّ خيرة الأسماء العربية. وقد تجاوزت المؤسسة عقبات الهوية والدين والإيديولوجيا ومنحت اللجان الحرية المطلقة في اختيار المبدعين الذين يستحقون الجوائز أياً كانت انتماءاتهم ونزعاتهم. ويكفي استرجاع بعض الأسماء التي فازت خلال سنوات ليتضّح الطابع الديموقراطي الذي تتسم الجائزة به: إدوارد سعيد، سعدالله ونّوس، نزار قباني، عبدالوهاب البياتي، يمنى العيد، سعدي يوسف وسواهم ممّن ينتمون إلى الطليعة العربية التقدمية. ويحلو للبعض أن يُلمح إلى أن منح الجائزة لبعض الأسماء أو الشخصيات التقدمية إنما يكسبها هالة ثقافية تحتاج الجائزة اليها. ولكن من الواضح أن المؤسسة لا تتدخل في خيارات اللجان ولا تسعى الى التأثير على قراراتها حتى وإن حفظت لنفسها ما يشبه حقّ الوصاية الضئيلة في حقل واحد من حقول الجائزة وهو حقل الإنجاز الثقافي والعلمي. وجائزة هذا الحقل هي الوحيدة التي تمنح للشخصيات التي تملك تاريخاً ثقافياً وتتخطّى شروط التحكيم والتصنيف. وقد فاز بهذه الجائزة في الدورة الأخيرة الشيخ يوسف عبدالله القرضاوي الداعية الإسلامي التنويري المعروف. وقد أثار فوزه حفيظة بعض المثقفين الذين كانوا يظنّون أن الجائزة تمنح لأهل الثقافة فقط وليس لأهل الدين. لكن اختيار الشيخ القرضاوي لم يكن الا اختياراً لمفكّر عربي ساهم في خدمة الفكر الاسلامي و"في تحرير الاسلام مما شابه على مرّ القرون من تحريف المغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" كما جاء في بيان الجائزة. وقد دعا القرضاوي الى التسلّح بما يسميه "معارف العصر" والى "تكامل العلم والإيمان" معتمداً على ما جاء في الكتاب والسنّة. ولعلّ اللافت في الدورة نفسها فوز مفكر لبناني طليعي وتقدّمي في حجم ناصيف نصار وهو صاحب مشروع فلسفي نقدي وكذلك فوز الناقد السعودي عبدالله الغذامي الذي نجح في الجمع بين التراث النقدي العربي والنقد الغربي الحديث. وفاز بجائزة الرواية فؤاد التكرلي الروائي العراقي المجدّد. أما محمد عفيفي مطر فكان فوزه بجائزة الشعر تتويجاً للقصيدة الحديثة والمختلفة والمتمرّدة على التراث بجدّية وعمق... واحتفاء بالشاعر سلطان العويس الذي رحل أخيراً شاءت المؤسسة أن يجمع الاحتفال الأخير بعض الاسماء التي فازت في دورات سابقة. وهكذا بدا الاحتفال بالفائزين أشبه باللقاء الأدبي والثقافي. الناقد السعودي عبدالله الغذامي والمفكر اللبناني ناصيف نصار يستعيدان هنا ملامح من سيرتهما الأدبية والفكرية في شهادتين كانا أعداهما في مناسبة فوزهما بجائزة العويس.