مئذنة سوق الغزل في بغداد هي كل ما بقي من جامع الخلفاء الذي شيد في زمن الخليفة المكتفي بالله 289ه - 295ه 901 - 907م ليكون خاصاً بصلاة الجمعة في شرق القصر الحسيني. وكان يعرف بجامع القصر، ثم اطلق عليه اسم جامع الخليفة ثم جامع الخلفاء بعد ذلك، وكان احد ثلاثة جوامع كبيرة شيدت في بغداد، فقد كان قد بني قبله جامع المنصور وجامع الرصافة، لكن معالم الجامعين الاخيرين اندثرت ولم يبق شيء من آثارهما. ويبدو ان المئذنة بنيت متأخرة عن بناء الجامع، وقد جدد بناؤها سنة 670ه 1271م. وتذكر المصادر التاريخية ان جامع الخلفاء هدم ثم اعيد بناؤه في عهد والي بغداد عطا ملك الجويني بأمر من السلطان المغولي اباما بن هولاكو. وقد سقطت المئذنة مع الجامع فاعيد تجديدها سنة 678ه 1279م، ولا تزال قائمة الى يومنا هذا، وتعرف محلياً باسم "منارة سوق الغزل"، بعد ان اقتطعت مساحة الجانب الشرقي من ارض الجامع لتنشأ فيها سوق لبيع الغزل. كان هذا الجامع متصلاً بقصور الخلفاء ودورهم، تحيط به الازقة والاسواق المزدحمة والمساجد. وقد شيد في ما بعد جامع صغير في غرب هذه المنارة في عهد سليمان باشا العثماني 1197 - 1217ه 1782 - 1802م وعرف بجامع سوق الغزل. ويذكر بعض المصادر انه بني سنة 1193ه 1779م. والمئذنة مشيدة من اساسها الى وجه الارض بالآجر والنورة والرماد، وما بعدها مشيد بالآجر والجص الى قمتها، وقد بنيت بشكل اسطواني، محيط قاعدتها 64.20م ويقوم عليها بدن نصفه اثنا عشري، والنصف الآخر اسطواني، وارتفاع المئذنة عن سطح الارض حوالي 33م. ويضم الجزء الاسطواني نوافذ صغيرة للنور والهواء، وينتهي من الاعلى بشرفة مجددة ومزينة من اسفلها بمقرنصات وقد زين بدنها بزخارف هندسية محفورة على الآجر، حفراً غائراً او بارزاً، وتغطي القسم الاسطواني من البدن، الى اول الشريط الكتابي الذي تحمله المئذنة في قسمها العلوي الذي يبلغ محيطه 20.16م. قامت بلدية بغداد بتقوية قاعدتها بعد سنة 1917، كما ان مديرية الآثار اولتها العناية منذ العام 1938، كما قامت باعمال صيانة في قسمها العلوي منذ العام 1945. وتم في العام 1960 استظهار اسس قاعدتها القديمة، وبعد تنظيفها، تم صبها بالاسمنت، ثم اعيدت جميع زخارف القاعدة الآجرية الدقيقة كما كانت عليه في السابق اعتماداً على بقايا الزخارف القديمة. كما جرت اعمال تبليط وتسييج. واوائل العام 1969 باشرت هيئة فنية العمل فيها، وتم قلع الاقسام المتآكلة والزخارف المشبعة بالرطوبة، المحيطة بقاعدتها من الجهات الاثنتي عشرة، ونظف بدنها الى حد الطابوق القديم، وتم رشه بالاسمنت، وبعد عمل زخارف آجرية بالاحجام، والنقشات الاصلية، تم صبها حسب تناسقها في الاشكال الهندسية الزخرفية الباقية، ووضعت بدل الزخارف المتآكلة في اماكنها، فضلاً عن صيانة القاعدة. وتتميز مئذنة جامع سوق الغزل بضخامتها وجمالها المعماري الفني الاصيل، واكثر ما يظهر ذلك في حليتها الزخرفية الآجرية وفي صفوف المقرنصات المتراكبة البديعة. وتعتبر هذه المئذنة من اضخم مآذن بغداد واطولها في ذلك الوقت، وقاعدتها تختلف في شكلها الهندسي عن بقية قواعد المآذن في بغداد. اما جامع سوق الغزل فقد هدم بعد فتح شارع الخلفاء سنة 1957، واعيد بناء ما تبقى منه حديثاً بجانب المئذنة بصورة جميلة وبمقاييس عمرانية تتناسب مع مكانة الجامع القديم باعتباره كان احد الجوامع الكبرى في بغداد، وقد استطاع المعماري تحقيق متطلباته ضمن حدود مساحة الارض المتعرجة المخصصة للبناء فاوجد كياناً جديداً عزز فيه مكانة المئذنة واهميتها، ضمن الابنية الملحقة بها كالاروقة والقبة، بحيث يكون للمنظور في الزوايا المتعددة للبرج ان يحقق صوراً مختلفة تظهر فيها المنارة بكاملها او بأطرافها مع التكوين الجديد، وبذلك جاءت الاروقة المفتوحة من جهة الصحن الامامي للجامع وارتفاعاتها متميزة بخصائص معمارية رائعة تتلاءم وكيان برج المئذنة، الامر الذي ابرز اهمية هذه المنارة في الجامع والشعور بوجودها من جميع الاتجاهات. وقد اظهر التصميم في كل نواحيه العرض الآجري للمباني الجديدة للجامع التي تؤكد وتعيد صدى النقوش الآجرية الرائعة الموجودة في المنارة. والدراسة الجديدة التي قام بها المعماري للزوايا البصرية لمنظور المئذنة في اتجاهاتها المختلفة قد عمدت الى توظيف كل الفضاءات في حدود الامكانات، لتحقيق زوايا منظورة، والاستفادة من نظريات خداع البصر لتحقيق سعة وهمية للجامع اكثر مما هي واقعياً. وقد تمكن المعماري المصمم من استخدام الهيكل الاسمنتي في الجامع كوحدة مستقلة عن الوحدات الآجرية، بحيث اصبحت الوحدات الآجرية عناصر تشكيلية مستقلة في رؤية الحداثة وارتباطها بالتراث.