"الذي يريد السلام عليه التحضير للحرب" مَثَل يهودي قديم "اسرائيل لا تزال مهددة عسكرياً وستواجه المزيد من التحديات الامنية والاستراتيجية وكذلك الارهاب الالكتروني في ظل وما بعد العملية السلمية، وعليه لا بد لها ان تستحدث بناء مؤسستها العسكرية وأن تطور اسلحتها وترفع من اداء قوتها…"، هذا هو الاستنتاج الاولي العام للقيادات العسكرية والسياسية الاسرائيلية التي تحاول ان تقوّم البيئة الامنية المتشكّلة مع بداية القرن وتدرس خيارات اسرائيل الاستراتيجية بعد التوقيع على اتفاقات سلام مع سورية والفلسطينيين، وتبلور بالنتيجة عقيدة امنية واستراتيجية للمرحلة المقبلة. وتتضمن التوجهات الجديدة المزيد من الاعتماد على الولاياتالمتحدة استراتيجياً واقتصادياً عوضاً عن الاستقلال النسبي عنها، ورفع الاداء التكنولوجي لقواتها المسلحة بدلاً من الحد من سباق التسلّح، والبدء بتحضيرات بعيدة المدى لإعادة نسج العلاقات الاقليمية في ظل تقدم نظام شرق اوسطي جديد موالٍ للولايات المتحدة، وتقوية موقع اسرائيل في هذا النظام الجديد. وكذلك تقديم تعريف جديد لدور الجيش في المجتمع والسوق، واعادة بناء القوات المسلحة على شاكلة آلة صهر وطني اسرائيلي بحيث تضم عدداً اكبر من المتدينين، ودوراً اكثر فاعلية للنساء، اضافة الى تجنيد المواطنين العرب في الجيش الاسرائيلي. واخيراً اعتبر رئيس اركان الجيش الاسرائيلي العقيد شاؤول موفاز، انه على رغم استمرار العملية السلمية فإن المزيد من الازمات سيحدث في المستقبل وعلى اسرائيل ان تكون جاهزة لذلك. واشار المسؤول العسكري الى ان "الصواريخ الارضية" تشكل "التهديد المركزي" لاسرائيل اليوم، وان سورية وايران هما مصدر التهديد الرئيسي. اما رئيس الوزراء الاسرائيلي، رئيس الاركان السابق ايهود باراك فاعتبر ان العراق يشكل خطراً على اسرائيل لأن صدام حسين مُصرّ على الاستمرار في بناء ترسانة من اسلحة الدمار الشامل. وكان وزير الخارجية ديفيد ليفي وضع مسألة الخطر العراقي في اعلى سلّم اولويات اسرائيل الديبلوماسية، في حين بحث رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس مالكه الخطر العراقي مع البنتاغون اثناء زيارته في تموز يوليو الماضي الى واشنطن. على هذه الخلفية بلورت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية خطتها العسكرية بعيدة المدى 2010-IDAN، وقدمتها الى رئاسة الوزراء للدراسة والتقويم. تهدف الدراسة الاولى من نوعها الى تقويم الاحتياجات العسكرية الاسرائيلية بعيدة المدى والتي تأخذ في الاعتبار حرب التكنولوجيا المتطورة ومصادر اسرائيل المالية والعلمية. وبدلاً من استبدال ما لديها، توصي الخطة بتحديث الاسلحة الموجودة لدى القوات المسلحة عن طريق تطعيمها بتكنولوجيا جديدة ومتطورة. واشار الجنرال بن - يسرائيل لمجلة "جينز ديفنس ويكلي" الى ان المفهوم الجديد سيتضمن تطوير ذخيرة ذكية، وصواريخ، وطائرات مراقبة من دون طيار، وطائرات محاربة بدون طيارين، وتكنولوجيا متقدمة لخوض حرب المعلومات. وتصرف وزارة الحربية الاسرائيلية اكثر من بليون ونصف بليون دولار على البحث في هذا المجال وتوظّف فيه نحو 13 ألف عالم وتقني ومهندس. بناء على ذلك تستمر اسرائيل بتطوير صاروخ "آرو" السهم، بالتعاون مع الولاياتالمتحدة وصرفت عليه في مجال البحث اكثر من بليون دولار، كردّ على خطر الصواريخ الاقليمية الذي تدّعيه. وبدأت اسرائيل البحث مع واشنطن في كيفية تصنيع وتسويق هذه الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية التي تقدمت الى مرحلة "آرو - 2" بعدما قيل ان الصاروخ نجح في تجربته الاخيرة في تشرين الثاني نوفمبر بالتصدي لصاروخ مشابه ل"سكاد". وتكمن اهمية هذه الصواريخ في انها تزيد من سباق التسلح لسببين، الاول لأنها هجومية باستعمالاتها على رغم تأكيد اسرائيل واميركا عكس ذلك، كما انها تضرب قوة الردع العربية، ما يعني استباحة اي نظام اقليمي جديد، وهي مناقضة لاتفاق الحدّ من انتشار الاسلحة الموقّع بين موسكووواشنطن. شكّلت الولاياتالمتحدة واسرائيل في تشرين الاول اكتوبر الماضي مجموعة ثنائية استشارية عسكرية جديدة مختصة بشؤون الصواريخ، واتفقت اسرائيل مع واشنطن في نهاية العام على التعاون في مجال مكافحة الارهاب الالكتروني عن طريق شبكات الكومبيوتر. كذلك بدأ الحديث عن تعاون اميركي - اسرائيلي جديد في تطوير ادوية وسبل وقاية في اي حرب بيولوجية محتملة. كذلك عملت الولاياتالمتحدة واسرائيل مع بداية تشرين الثاني 1999 على تشكيل لجنة امنية مشتركة جديدة لتساعد في بلورة تفاهم استراتيجي جديد بين البلدين يحل محل اتفاق التفاهم الذي وقّعه الطرفان عام 1988. وفي هذه الاثناء صادقت واشنطن على صفقة 50 طائرة "اف-16" لاسرائيل 60 اضافية اذا احتاج الامر يتوقع ان تؤدي الى سباق تسلّح جديد في المنطقة بسبب تفوقها الكبير على الطائرات الاخرى خصوصاً في مجال جو - ارض. ووقعت اسرائيل على اتفاق جديد يسمح لها بالاشتراك في برنامج تطوير طائرة المستقبل الحربية متعددة القدرات JOINT STRIKE FIGHTER التي تطورها شركات اميركية وانكليزية. وهناك محاولات لإخراج شركات الاسلحة من امثال "رفائيل" من تحت قبة وزارة الحربية وتحويلها في البداية الى شركة قطاع عام كمرحلة اولى باتجاه خصخصتها. وكانت اللجنة الحكومية المولجة بقضايا الخصخصة اوصت بتحول شركات وزارة الدفاع الى الدولة، وهو ما يمكن ان يساعد على تعميق الاستثمار الاميركي - الغربي فيها وزيادته. اما في مجال الاستخبارات، فقد اكد تقرير حكومي ان اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية "مبذّرة"، و"قديمة"، و"غير متعاونة"، و"تقويماتها متماثلة" في ما يخص التهديدات لاسرائيل. واوصى التقرير بإعادة تقويم دور عمل اجهزة الاستخبارات عن طريق لجنة خاصة يرأسها رئيس الوزراء والى ضرورة تحديث بنوك معلوماتها. واعتبر التقرير الرسمي ان تقارير الاستخبارات العسكرية غير ملائمة، وهاجم التقرير "التقويم الوطني" الذي قدمته هذه الشعبة على انه لا يتلاءم مع ما هو مطلوب منها. هذا وبدأت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية كذلك تنفيذ المرحلة الاولى من خطة "زاحال 2000" لإعادة تنظيم القوات المسلحة الاسرائيلية. من اين تأتي هذه الميزانيات الضرورية للصرف على هذه المشاريع الكبيرة والجذرية؟ من اميركا؟ موازنة سنة 2000 لا تعطي الجواب الوافي على ذلك وخاصة ان موازنة "الدفاع" على خلاف ما جاء في بعض الصحف العربية، لم ترتفع هذه السنة بل انخفضت قيمتها فعلياً ضمن خطة خفض الموازنة العامة وصرف مئات الملايين على شركاء الائتلاف الحكومي. وهي تشكّل اليوم نحو 38 بليون شيكل ما يقارب تسعة بلايين دولار من 227 بليون شيكل الموازنة العامة، او ما يقارب 8 في المئة من الناتج المحلي. ومن هنا فمن المتوقع ان تساعد واشنطن حكومة باراك على ان تبدأ تنفيذ خططها الجديدة وسيكون للولايات المتحدة أبعد الأثر في تحديث القوات العسكرية الاسرائيلية. وهذا قبل ان تبدأ المشاورات الاسرائيلية - الاميركية بشأن تعويض اسرائيل عن انسحابها من هضبة الجولان، الذي قدرته حكومة باراك ب 17 بليون دولار، كما ورد في تقارير صحافية، إذ اشارت مصادر اسرائيلية الى ان ادارة كلينتون وافقت على مضاعفة المساعدات العسكرية لاسرائيل التي تبلغ 1.2 بليون دولار تدريجاً وخلال العقد المقبل لتصل الى 2.4 بليون دولار. * كاتب وباحث فلسطيني