«أوبك+» تتجه إلى إلغاء تخفيضات الإنتاج الطوعية تدريجيًا بدءًا من أبريل 2025    لبنان: أعمال عنف توقع سبعة قتلى على حدود سورية    الأهلي والقادسية صراع على ذهب السيدات    أخضر الشاطئية يواصل استعداده في بتايا    الاتفاق يتمسك بالشهري بعقد جديد    لودي يرفض قرار جيسوس    تطوير المساجد التاريخية والإرث المستدام لأجيالنا    «شارع الأعشى» يثير الجدل ويتصدر المشاهدة..    تقرير «مؤتمر أجا التقني» على طاولة نائب أمير حائل    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    سعود بن بندر: المملكة أولت الأيتام عناية خاصة    ضمن مبادرة وزارة البلديات والإسكان    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق    تنامي طلبات نزلاء فنادق مكة على «الأكلات الشعبية» يعزز توظيف السعوديات    سعود بن طلال: مسابقات القرآن والسنة تعزز القيم الإسلامية والوعي الديني    مشروع «تعظيم البلد الحرام».. 300 ساعة تطوعية لخدمة ضيوف الرحمن    مدرب الأخضر يعقد مؤتمراً صحفياً غداً بالرياض    الشؤون الإسلامية: يمنع التسول داخل المساجد وساحاتها    مباحثات هاتفية بين ترامب وبوتين لأكثر من ساعتين    السعودية للشحن: شحنات التمور ارتفعت 64 % وننقلها إلى أكثر من 45 وجهة عالمية    ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 419 شهيدًا والجرحى إلى 528    ‏سمو ولي العهد‬⁩ يرأس جلسة مجلس الوزراء‬⁩    سمو ولي العهد يُطلِق خريطة "العمارة السعودية" لتعزيز الهوية العمرانية في المملكة    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ لثقافة المسؤولية الاجتماعية    السعودية تدين وتستنكر بأشد العبارات استنئاف قوات الاحتلال الإسرائيلية العدوان على غزة    تغير الدوام حل للغياب الجماعي    الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    استمرار هطول الأمطار الرعدية وزخات البرد على عدة مناطق في المملكة    "الكشافة في الحرم المكي" أيادٍ أمينة تحتضن الأطفال التائهين بحنان    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ فعالية "الشهر العالمي للتغذية"    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لمكافحة السمنة"    "الثلاثي السعودي آسيوياً وفرق الشرق"    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    230 مليون سهم تداولات السوق السعودي    أكد أن نظام الإعلام الجديد يحفز الاستثمارات.. الدوسري: لا يقلقني موت الصحافة الورقية.. يقلقني موت الصحفي    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    تأهيل الرعاية الصحية بالقطاع.. عبد العاطي: مصر والأردن تدربان الشرطة الفلسطينية لنشرها بغزة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل الاقتحامات والاعتداءات وإرهاب السكان.. 45 ألف نازح في جنين وطولكرم بالضفة الغربية    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية 18 أبريل    الحج لضيوف الرحمن: تجنبوا تحويل الأموال إلى جهات مجهولة    جهاز داخل الرحم (2)    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"    محافظ الطائف يكرّم 43 طالبًا وطالبة فائزين بجائزة "منافس"    تكفينا جنة الأعرابي    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    العلم الذي لا يُنَكّس    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة "الوحشية" في معرض باريسي شامل . روح المخاطرة اللونية وآفاق الفن الحديث
نشر في الحياة يوم 11 - 03 - 2000

استهلت عاصمة التشكيل الفرنسية موسم الالفية الثالثة بمعرض موسوعي، وجمعت فيه اعداد هائلة من لوحات رواد "تيار الوحشية"، تجاوز عددها المئتين وخمس عشرة، وقد أُستعيرت من متاحف متباعدة، خاصة بالفن المعاصر ما بين اوروبا والولايات المتحدة.
ابتدأ المعرض في "متحف الفن المعاصر لمدينة باريس" وشغل قاعات عدة تحت عنوان: "الوحشية او تجربة النار: إنطلاق الحداثة في اللوحة الغربية".
يحمل المعرض طابعاً اوروبياً تتمركز مدرسة باريس "الوحشية" فيه كأبرز مفتاح للفن المعاصر الاوروبي ل"ما بعد الانطباعية"، وقد استمرت اصداء هذه المدرسة منذ بداية القرن وخلال اكثر من ثلاثة عقود ضمن مساحة النشاط التشكيلي المحلي في المدن الاوروبية: من باريس الى لندن، ومن ميونيخ الى موسكو، ومن برلين الى بودابست ومن بروكسيل الى براغ. يغطي المعرض هذه المواقع المتباعدة أنما تغطية.
وكما هي حال اصلها "الانطباعي" الذي تفرعت عنه فقد كانت حركة تشكيلية ثورية، اجتمع عدد من روّادها عام 1905 في "صالون الخريف" من أمثال ماتيس وديران، فلامنك وماركي، وقد اثار وجود تمثال كلاسيكي للنحات بورديل داخل الوانهم العنيفة الناقد لويس فوسيل فأطلق تعليقه الساخر: "بورديل بين الوحوش" وشاعت التسمية في النقد الفني، لتنال من ارهف إتجاه لوني، وأشده حدة تعبيرية وأكثره تأثيراً على مفاهيم التصوير المعاصر.
ولعل الممثل الاول لهذا الإتجاه وهو هنري ماتيس كان قد تحول الى الالوان المسطحة الصافية نتيجة إعجابه بالفن الاسلامي وسجاجيده ولا ينسى تعليقه الشهير على معرض برلين: "إن الفن الاسلامي هو الوحيد بين الحضارات الذي إقتصر في التعبير البصري على اللون"، ولم يكن معاصره الوحشي الثاني بول غوغان بأقل منه حماسة لصراحة ألوان الفن الاسلامي "وأرابسكات" تعريقاته.
وهو قبل ان يتعقب ألوان الشمس حتى جزر تاهيتي، ينصح طلابه ذات مرة: "إذا احببتم ان تصوروا شجرة خضراء في الطبيعة ما عليكم الا ان تبحثوا عن اجمل لون اخضر في الباليتا"، ولعله ليس من باب المصادفة ان بعض رواد الفن العربي ملونون مرهفون، من أمثال امين الباشا لبنان وفائق دحدوح سورية، وعلي طالب العراق، وحامد ندا مصر. نلاحظ في هذه الامثلة تداخلاً صريحاً بين الوحشية والتعبيرية اللونية كما يؤكده المعرض الراهن.
إنقلب الظل والنور الى مجابهات نغمية صارخة بين اللون الحار الاقصى الناري واللون البارد الاقصى أزرق الكوبالت، من هنا جاء عنوان المعرض وهو عبارة اطلقها ديران احد مبشري هذا الاتجاه ملخصاً توجهها بأنها "تجربة النار".
لقد اختزل الوحشيون الالوان الى الستة الاولى دون درجات متوسطة، فأصبحت مشبعة بأقصى حدة الصباغة وتركوا للتوليف البصري فرصة وهم المزج العاطفي، تماماً كما هو التيار التوأم المعروف "بالتنقيطية" المتفرع ايضاً عن "الانطباعية". لقد قاد الاتجاهان الى صيغة الوهم البصري المرتبطة بأحابيل اللون، وهو ما لم يشر اليه المعرض على اهميته للأسف.
تعلن مطبوعات المعرض ان "الوحشية" ليست الا مجرد تجمع تاريخي تقاسم فيه هؤلاء الهاجس اللوني نفسه، من دون اصدار اي بيان نظري، وهو رأي غير دقيق. فعدم الاعلان عن الجدل لا يعني غيابه فآثاره مسجلة في الاتجاهات التي استخدمت التقنية الوحشية، على غرار التجزيئية والتكعيبية الفرنسيتين، والتعبيريتين الالمانية والشمالية ثم التجريدية والبنائية الروسية والفلمنكية. وهو ما يفسر حشد عروض كل من اعمال هذه الاتجاهات، من فان دونغن حتى كوبكا، ومن براك حتى كاندينسكي، ومن موندريان ومالفتش حتى دوفي ولاريونوف وغيرهم.
لنستمع من جديد الى أحد أبرز مؤسسي الوحشية وهو فلامنك يدرب ابنته على قيادة السيارة على اساس ان من الواجب ان نصل الحد الاقصى من السرعة عند المنعطف! يفضح هذا التصريح الرمزي روح المخاطرة اللونية، وصبوة التسارع الحداثي الذي يصل حدود الانتحار.
اذا ما عدنا الى مادة المعرض عثرنا على ابرز لوحة فيه رسم عبرها الفنان كوبكا نفسه تحت عنوان: "المقام الاصفر" عام 1907. لعلها الاشد مغامرة وكشفاً لونياً، حول علاقة الاصفر المحتقن بالأخضر الشاحب. تشهد هذه اللوحة تداخل الحدود بين الوحشية والتعبيرية من ناحية التحريض "البسكولوجي" في الالوان.
وتعلن اللوحة بداية نظريات الوهم اللوني، وهي النظريات التي مرت من خلال كاندينسكي مكتشف التجريد عام 1909.
ولعل اهم ما أسسه كوبكا هو البحث عن العلاقة التوليفية بين الموسيقى والتصوير التي فاتت المعرض ايضاً. كما فاته ان نشاط هذا الفنان ارتبط بباريس وليس بمدينة الاصل بودابست، وكذلك الامر مع ادوار مونخ المستقر في باريس وليس في بلاد الشمال.
وهكذا وقع المعرض في التباس مألوف في الخلط بين اصول بعض الفنانين الباريسيين غير الفرنسية وإنتسابهم العريق الى العاصمة من الناحية التشكيلية. لعل ابرز هذه الامثلة الفنان فان دونغين الوحشي ذو الاصل الهولندي وقد اقام في باريس منذ صبواته الفنية الاولى، فهو واحد من باقة الفنانين الذين اعتدنا على تسميتهم ضمن "مدرسة باريس"، على رغم ان اي واحد منهم لا يملك اصولاً عرقية باريسية، وهنا نحس بغياب سوتين وانسور كمعادل للتعبيريين الملونين الالمان كيرشنر ونولده.
وفي الكثير من الحالات تحضر بصمات بعض الفنانين الملونين ونبحث عن لوحاتهم فلا نجدها من مثل غوغان وسيزان وفان غوغ.
وغابت الاشارة الى وضوح تأثير اسلوب "الآرنوفو" الذي سيطرت ذائقته في بداية القرن، ولم تنج من تأثيره اتجاهات "ما بعد الانطباعية" كالوحشية كما نعثر عليها في تعريقات اكثر العارضين.
ولعل بعض رواد الوحشية مثل راوول دوفي تمثلوا في لوحات خارجة عن الاتجاه الذي يمثل محور المعرض لأنها انجزت قبل نضج ذائقتهم "الوحشية".
تتناقض مثل هذه الهنات والنواقص مع اهمية المعرض، والامكانات الهائلة التي تكمن خلف تحقيقه وقد يرجع ذلك الى ظاهرة سيطرة الاداريين المتواضعي الحساسية والاختصاص على توجيه مثل هذه التظاهرات ذات المسؤولية الثقافية الكبيرة بدلاً من النقاد المعروفين بحساسيتهم الفنية وخبراتهم الطويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.